


عدد المقالات 189
قُبيل إعلان اسم «الفائز» في برنامج «أرب آيدل» الذي تبثّه قناة إم بي سي، طار رئيس سلطة رام الله، محمود عبّاس، إلى بيروت، ليستقبل متسابقي البرنامج ولجنته التحكيمية، ويهمس للمطربة الإماراتية أحلام: «أنا متابعك منيح مع أرب آيدل». لم يأت عبّاس إلى لبنان ليتفقّد أحوال مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الموزّعين على مخيّمات مزرية وبائسة، بل ليسعى إلى تحقيق ما يراه «نصراً» معنوياً، يرمّم شيئاً من صدقيّته التي دمّرها «التنسيق الأمني» مع الأصدقاء في تل أبيب. في ساحة المهد، بمدينة بيت لحم، مسقط رأس المتسابق يعقوب شاهين، نُصبتْ شاشة كبيرة، وتجمّع الآلاف أمامها حاملين أعلاماً فلسطينية وأخرى لطائفة السّريان المسيحية التي ينتمي إليها شاهين آملين أن «يفوز». حبس الجميع أنفاسهم وهم يترقّبون الإعلان، بمن فيهم محافظ بيت لحم، جبريل رجوب، الذي تابع إعلان النتيجة في ساحة المهد. أمين سر حركة «فتح» في «بيت لحم»، محمد صبح، اهتزّ طرباً وهو يتمتم: «نحن نرفع هاماتنا عالياً في فتح. نضالنا ليس بالسلاح فقط، بل بالفن والثقافة. نتمنى أن يصبح ابن مدينتنا نجم أرب آيدل». أعلنت «إم بي سي» النتيجة، وتوّجت «النجم» يعقوب شاهين، «محبوب العرب»، وقالت معلّقة القناة بلهجة عربيّة محكيّة لا فصيحة ليتلاءم ذلك مع طبيعة ما يجري هذه الأيام: يعقوب شاهين «حقّق الحُلُم، وأثبت أنّ الفن هو الابن البار وسلاح القضيّة»، وأنّ «فلسطين أرض للحياة والفن والثقافة»، مضيفةً أنّ اسم فلسطين عاد ليتصدّر أعمدة الصحافة العالمية بصفته «دولة نموذج للمقاومة الثقافية».مذيع قناة العربية، محمد أبو عبيد، هلّل للنتيجة: «فلسطين تسدّد هدفاً جديداً في عالم الفن بفوز ابنها يعقوب»! الاحتفال تحوّل إلى كوميديا تراجيدية على أعمدة الرأي في صحف خليجية. الكاتب السعودي، مازن بليلة، زعم في جريدة «المدينة» أنّ الرئيس الأميركي ترمب قد لا يعجبه «فوز» فلسطيني بلقب «أرب آيدل»، لأنّ ذلك «أعاد إحياء دولة فلسطين وبقوّة، بعد أن حاول هو جاهداً، مع سفيره الجديد في إسرائيل ديفيد فريدمن، التشكيك في حلِّ الدولتين». الكاتب الكويتي، محمد الرميحي، لم يستطع أن يختار عنواناً لمقاله في جريدة «الشرق الأوسط» يعبّر عن مشاعر الفرح التي تملّكته، فاحتار، كما يقول، بين عناوين عدّة منها: «شكراً إم بي سي»، و «تبّاً للظلام»، لكنّه «اهتدى» في النهاية إلى عنوان أكثر ملاءمةً للسّياق: «إنعاش المجتمعات بالفرح»! غنّى شاهين، فأغنى «عن مئة خطيب مُفوّه يتحدّث عن الوطن الفلسطيني» بحسب تعبير الكاتب القومي الذي كان ذات يوم رئيس تحرير مجلة «العربي». ولكي يوضّح الرميحي ملامح الثقافة الجديدة التي يُراد تسويقها في عصر شيطنة الإسلام والإسلاميين، فقد أضاف: «أغنيةً مُشوّقةً وطنيّةً جميلةً قد تكون أفضل من امتلاك كتيبة من المقاتلين». إذن لم لا يكون المطلوب عربياً في هذه اللحظة تفكيك «كتائب القسّام»، لاسيما أنها تنتمي إلى «الإخوان المسلمين»، وإبدالها بفِرَق موسيقية تشرف عليها مجموعة إم بي سي؟ كيف يمكن للرميحي وأمثاله أن يسوّقوا ما لا يُسوَّق، أو يدافعوا عمّا لا يمكن الدفاع عنه؟ باللغة الملتبسة والخطاب المزدوج. الاحتفال بمسابقة «أرب آيدل» ونتائجها هو احتفال بالثقافة والفولكلور والتراث والتاريخ، والاهتمام بها إعلاء لشأن الجمال، والتشكيك فيها أو نقدها لا يقوم به سوى «أعداء الفرح» الراغبين في «تصحير فضائنا الثقافي من أجل تهيئته لقبول التشدّد المفضي حتماً إلى الإرهاب»، بحسب تعبير الرميحي الذي يتردّد كثيراً هذه الأيام في وسائط خليجية، ولكن بصيَغ مختلفة. في فجر يوم الإثنين الماضي، هاجمت قوّة إسرائيليّة منزلاً كان يسكنه المثّقف والمناضل الفلسطيني، باسل الأعرج (31) في مدينة البيرة، فاشتبك معها ساعتين كاملتين حتى نفدت ذخيرته، وبعدها اقتحم الجنود البيت، وأعدموه، ثم حملوه من قدميه وهو مضرّج بالدماء، ولم يعيدوا جثمانه حتى الآن. لم تتحدّث «الميديا» عن باسل، لكنّ فلسطين (ومن ورائها الأمّة) تعرف أنّه النجم الحقيقي، لأنها تستطيع تمييز النور رغم كل هذا الظلام.
نحن الموقّعين أدناه نعتذر إلى الإنسانيّة عن تاريخنا؛ عن ثقافتنا المفخّخة بالعنف؛ عن سيرة أجدادنا الملّطخة بالدماء. نعتذر عن ما كانوا يسمّونه «الفتوح الإسلامية»، وما كانت سوى عمليات غزو واسترقاق، وإجبار للسكان الأصليين على دفع...
في البدء كانوا مجاهدين، ثم صاروا فدائيين، ثم مقاومين، وتدريجاً أصبحوا مسلّحين، فكان طبيعياً أن يصبحوا في نهاية اليوم، «إرهابيين»، ثم يُسدل الستار على الفاجعة، ولمّا تنته. يصبح الإسرائيلي ضحية، وتصبح أفعاله دفاعاً عن النفس...
اليمن تاريخياً بلد واحد غير مقسّم، والتقسيم إضعاف لهذا البلد، وتشتيت لشعبه، وفتح أبوابه لتدخّلات عسكرية وقواعد أجنبية واضطرابات وحروب قد تكون أسوأ من وضعه إبّان الانفصال القديم في الستينيات والسبعينيات. وبينما يتّجه العالم إلى...
حدّث سهم بن كنانة، قال: كان في القرن الخامس عشر بجزيرة العرب، رجل يزعم أنّه واحد دهره في الأدب، وأنّه أدرك من أسرار البيان، ما لم يدركه إنسٌ ولا جان، وقد اشتُهر بابن الغلامي، أو...
علّمونا ونحن صغار أنّ «الصمت من ذهب»، وكان جدّي لأمّي يكرّر لي البيت: يموت الفتى من عثرةٍ من لسانِهِ/وليس يموت المرءُ من عثرة الرّجْلِ، وقديماً قال جدّنا أكثم بن صيفي: «الصمت حُكمٌ وقليلٌ فاعله». كبرنا،...
قبل الاستفتاء على التعديلات الدستورية في تركيا، وأثناءه وبعده، لم تتوقف جريدة الحياة اللندنية عن الهجوم على الحكومة التركية. كانت هذه الصحيفة معروفة إلى عهد قريب بحرصها على عدم إبراز أيديولوجيتها، وباستقطابها كتّاب رأي ليسوا...
كان يا ما كان، في آخر الزّمان، أنّ رجلاً كان مريضاً فتعافى، فغضبت عجوزٌ كانت ذات يوم سبباً في إمراضه حتى مزّقته إرباً إرباً، وطفقت تولول وتشقّ جيبها، وتدعو بالثبور، وعظائم الأمور، فلم تكن تتوقّع...
حدّث سهم بن كنانة، قال: في أواخر القرن الرابع عشر، قبل أن تُولد الفضائيات وتنتشر، ظهرت في جريدة اسمها «اليوم»، قصيدة أثارت كثيراً من اللوم، وكانت متحرّرة القوافي، واسم كاتبها حميد غريافي، وقد جاء في...
تسعى الخطابة السياسية عادةً إلى توحيد المواقف، وردم الفجوات، والتركيز على القواسم المشتركة. هذا هو لبّ الخطابة وفلسفتها عبر التاريخ: الدعوة إلى «التعاون»، وإحياء الروح الجماعيّة، وتغليب المصلحة العامة على الخلافات البينيّة. لكنّ ذلك لا...
كنّا نعرف أنّ «تحرير» الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، من قبضة تنظيم داعش سيكون دامياً، وكنّا نترقّب فقط مشاهد القتل الجماعي لأهل تلك المدينة بحجة تحريرهم من الإرهاب. لكن لم نكن نتوقع أنّ المجازرستثير في...
حدّث سهم بن كنانة، قال: اعتراني ذات يوم السأم، وشعرت بأنواع الألم، وجفا عينيّ الكرى، وعادت صحّتي القهقرى، فراودتني الرغبة في الخروج، والاستئناس بين المروج، ودُللتُ على قرية تُسمّى «سراج»، شعارها «لدينا كلّ ما تحتاج»،...
كان الرئيس التركي، أردوغان، محقّا في اتهامه عدداً من دول الاتحاد الأوروبي بالارتهان للفاشية والنازيّة إثر إلغاء ألمانيا عدداً من التجمّعات الانتخابيّة التي كان من المقرّر أن يحضرها وزراء أتراك في مدن ألمانيّة، ومنع هولندا...