


عدد المقالات 283
لم يتسن لي التأكد من مدى صحة الحكم على الفنان عادل إمام بثلاث سنوات سجنا بتهمة «ازدراء الأديان».. لكن ما دام الخبر قد انتشر كالنار في الهشيم، وخصوصا على المواقع الاجتماعية، فإنه حتى وإن لم يكن صحيحا، فلا بد أن يكون لدى العدد الكبير من مروجيه درجة خشية عالية من إمكانية أن يسقط حكام بلاد «الربيع العربي» الجدد في درك ازدراء الفن والثقافة! فصعود الإسلاميين اللافت إلى سدة الحكم في البلدان التي شملتها رياح التغيير دفع بالكثيرين إلى التوجس خيفة من تغير أنماط حياتهم المعهودة نحو التشدد والغلو الديني، وبالتالي نحو التضييق على حرية الفكر والإبداع.. وكان من الطبيعي أن يتصدر رجال ونساء الثقافة.. والفنانون والفنانات المشهد المتوجس. دافعهم إلى ذلك إرث ثقيل من الدوغمائية ونظرة مواربة –في أفضل الحالات– للفن وللثقافة عموما من طرف الحركات الإسلامية التي أصبحت حاكمة بأمرها اليوم.. فلكم صدرت «أحكام» تكفيرية، ولكم نشرت فتاوى وقائمات سوداء في أعمال إبداعية فنية أو لأصحاب رؤى ثقافية توصف عادة بـ «التحررية» لدى البعض، وبـ «المسيئة والمخربة لقيم المجتمعات» لدى البعض الآخر، مما يجرم أصحابها ويصنفهم في دوائر «التجديف» و «الازدراء» و «الخروج» عن صف المهتدين. لكن هؤلاء وجدوا لدى الأنظمة السابقة حماية أصبحوا يخشون فقدانها اليوم في ظل أدبيات الحركات الإسلامية الصاعدة.. والواقع أن التشدد إزاء بعض الأعمال الفنية كان له ما يبرره، ليس فقط من الناحية الدينية، بل حتى من زاوية التقييم الفني ومدى اصطدام هذه الأعمال بالواقع الثقافي والاجتماعي، حيث خدشت بعضها مشاعر الناس، ليس بجرأتها، وإنما بإغراقها في الرخص وفي الاستفزاز.. وكان ذلك في أحد وجوه فهمه رد فعل لا يقل عنفا عن عنف الغلو الديني تجاه المدارس الفنية والثقافية المختلفة، بما يحيلنا إلى نظرية «التطرف لا ينتج سوى التطرف».. إلا أنه مهما بلغ إسفاف أي عمل فني فإنه يجب تركه لحساب الجمهور العريض، ولا يجوز إخضاعه لحساب السلطة أيا كانت توجهاتها، لأن الفن والثقافة أولا وأخيرا نتاج حراك إنساني بالمفهوم الكوني، وليس تعبيرا عن فئة أو جنس أو عرق.. بل إن اختلاف المنتوج الثقافي في نفس المجتمع يعتبر ظاهرة صحية وعلامة عافية تومئ بمدى احترام السلطة للتعددية الفكرية والتزامها بالديمقراطية الثقافية، وكلاهما رافد قوي للحرية السياسية وركن أساسي من أركان حق التعبير.. ومن نافلة القول إن رياح التغيير التي هبت على عدد غير هين من البلاد العربية نشدت –من ضمن ما نشدت- الحرية بكل ألوانها. وبما أن الحرية إنجاز تراكمي لنضال الشعوب فلا يجوز مطلقا مجرد التفكير في النكوص عن المكتسبات الثقافية لأي مجتمع، لأن كل محاولة لـ «تأميم» الثقافة أو أدلجتها سوف تودي بالجميع إلى الانغلاق والتقوقع، ومن ثمة إلى الجهل والانقطاع عن التواصل الإنساني بما يكرس انسدادا في الأفاق وضيقا بالآخر تكون خاتمته صداما وحشيا للحضارات، وسباحة ضد التيار في عالم يتعولم أكثر فأكثر.. بلا مواربة.. أي محاولة لأسر الثقافة والفن والفكر ستكون حتما محكومة بالفشل عاجلا أو آجلا.. وعلى مدى التاريخ الإنساني المديد لم يجن جلادو الفكر وسجانو الثقافة إلا الهزيمة تلو الهزيمة. فقد نسي الناس من سعى يوما لإسكات أم كلثوم أو الشيخ إمام.. وتجاوزوا قرارات نفي نزار قباني أو محمد درويش.. وأسقطوا من الذاكرة كل من زينت له السلطة فعلا مشينا بالفكر. في حين عانق أصحابه الخلود.. لقد أعدمت الكنيسة الرجعية «جاليلو» لأنه قال إن الأرض تدور.. ومع ذلك فقد ظلت تدور!
كنت أقول في هذا الموقع قبل بضعة شهور إن الخمسينيين وحتى الأربعينيين يغبطون الرئيس التونسي التسعيني على حيويته الفكرية والجسدية -نسبياً- وهو يتحدى عامه الثالث والتسعين، لكنني لا أعلم على وجه الدقة إن كانوا يغبطونه...
بعد الخميس جاء يوم الجمعة، وبعد 17 يناير أطلّ يوم 18 يناير، ولم تتوقف الأرض عن الدوران في تونس، بسبب الإضراب العام في قطاع الوظيفة العمومية، بل استمرت الحياة عادية، رغم نجاح الإضراب الذي قاده...
لم تكن لوحة الفنان الإيطالي «ليوناردو دا فينشي» التي سمّاها «العشاء الأخير» أقل إثارة للجدل في تونس من «العشاء الأخير» الذي جمع مساء الثلاثاء الماضي الشيخ راشد الغنوشي بـ «الشيخ» الباجي قايد السبسي، بعد جفاء...
كعادتهم السنوية «المقدّسة»، ينتظر فريق من التونسيين قدوم شهر يناير بفائض من الشوق، وينتظر فريق آخر انجلاءه بفارغ الصبر، فشهر يناير في هذه البلاد غير ما هو متعارف عليه في بلاد العالم الأخرى، حيث يهرب...
رغم أنها دانت لرئيس الحكومة يوسف الشاهد أو كادت، لا يزال المشهد موارباً في تونس، ويستعصي على فهم أكثر المراقبين التصاقاً بتفاصيله. كان منتظراً من يوسف الشاهد في إطلالته مساء الجمعة، بعد طول صمت، أن...
في لمح البصر، عادت حركة «النهضة» التونسية للمربع الأول، وهي التي كابدت من أجل تحسين صورتها على مدى السنوات الثماني الماضية. فقد كان يكفي أن يظهر رئيسها وزعيمها التاريخي منذ أربعين سنة، راشد الغنوشي، ظهوراً...
كثيرون هم من يحسدون الرئيس التسعيني الباجي قايد السبسي على حيويته الذهنية، بل يراه البعض «أسطورة ديناصورية» لم يَجُد بها الزمن إلا لماماً. وقد قال يوم الخميس الماضي إنه «آخر الكبار» ممن مد الله في...
عدا الضجيج اليومي الذي يذكّر بما يصدر عن سرك مفتوح في تونس، هناك حدث جلل لم يجانب الصواب من وصفه بالحدث «التاريخي»، بل لعله التطور السياسي الأبرز على الساحة العربية والإسلامية منذ ارتدادات زلزال سقوط...
تهتز الساحة السياسية التونسية بشدة على مشارف سنة انتخابية ساخنة ومحددة لمن سيمسك بصولجان السلطة لعدة سنوات قادمة.. من ذلك انصهار الحزب «الحاكم» نظرياً (نداء تونس) مع الحزب الرابع في نتائج انتخابات 2014 (الاتحاد الوطني...
كان التونسيون في غاية الحاجة إلى كلمات الرئيس الفرنسي في قمة الفرنكوفونية بأرمينيا، وهو يعلي في نبرة صوته بـ «أن تونس فخر لنا»، قبل أن يكيل مزيداً من المديح لرئيسها «الشجاع» الباجي قايد السبسي، وإلى...
خلال ساعات من الآن، سنرى إن كانت السكاكين المشحوذة على مدار الأيام الماضية قد ارتدّت عن رقبة يوسف، أم أن إخوته سيجهزون عليه ليعودوا إلى أبيهم جذلين. في تونس، بلغ التشويق أشده بشأن رئيس الحكومة...
من المفترض أن يتحدد خلال الأسبوع المقبل مصير يوسف الشاهد، وهل سيواصل مهامه كرئيس للحكومة التونسية حتى 2019 موعد الاستحقاق الانتخابي الرئاسي والتشريعي، أم أنه سيكون كفاية عليه بقاؤه في منصبه ذاك سنة و9 أشهر،...