الأسد عند حسن الظن

مثل بعض المتابعين، بدا لي أن قبول الحكومة السورية قبل أيام للمبادرة العربية يؤذن بمرحلة جديدة تنتزع فيها المعارضة بعض المكاسب الديمقراطية والإصلاحية، ويحتفظ فيها البعث بإدارة البلاد بعد أن قُلّمت مخالب الأسد بفعل الغضب الشعبي العارم واستعداد السوريين لمزيد من التضحيات. وتَعزز التوجه إلى هذا الحل الوسط بفعل الإكراهات والمحاذير، التي تعترض طريق الثورة والنظام. ففي حين عجزت المعارضة عن حشد التأييد الدولي لصالحها بحكم أهمية الأسد في نظر الغربيين ومركزيته في حماية أمن إسرائيل، عجز النظام عن فرملة الحراك الجماهيري وتضاعفت متاعبه بعد تنامي الانشقاقات في صفوف الجيش. كل هذا جعل التلاقي بين الطرفين حلا مقبولا. ورغم أن الجامعة العربية ليست ضليعة في العمل السياسي ولم يكن دورها يوما بتلك الحيوية، فإن مبادرتها باتجاه سوريا وضعت مقاربة منطقية قد يشعر معها كل طرف بانتصار إرادته. يتجلى هذا التفسير في أن المبادرة تشدد على حرمة الدم، وتدعو بشكل واضح إلى سحب الآليات العسكرية دون تأخير. وإذا ما تحقق هذا المطلب ستكسب المعارضة المزيد من الأنصار ما دام التظاهر لم يعد طريقا معبدا نحو الموت. وبما أن المبادرة لم تنل من كبرياء الأسد وأسقطت من بنودها دعوته للرحيل فإنها أخرجت النظام من ورطته الكبرى؛ لأن مطالب الجماهير تجاوزت الإصلاح إلى إسقاط الرئيس وحتى إعدامه. لم تخلُ وثيقة العرب من الحكمة إذن، وكان بإمكان تطبيقها أن يطيل عمر الرئيس في الحكم بالتوازي مع اعتراف النظام بوجود المعارضة عندما يجلس معها وجها لوجه على طاولة الحوار. لكن الأسد لم يخيب ظن الكثيرين ممن استبعدوا جنوحه للسلم ولو أدركه الغرق. قال العارفون بالشأن السوري غداة الإعلان عن الوثيقة العربية: إن الأسد مثل أبيه لا يرى حلا غير إزهاق الأرواح والاستخفاف بالناس. ليس في معجم البعث الحلول الوسط ولا الإصلاحات والتنازلات.. وحده الدم الطريق الذي تمر منه معالجة الاضطرابات والاحتجاجات. لقد كان المتشائمون على حق، فلم يحصل أي تطور في سوريا، فلا يزال عداد الموت عاجزا عن إحصاء الضحايا الذين يسقطون بالعشرات كل يوم في معظم أرجاء البلاد. لن تصلح الجامعة العربية ما أفسده التكوين على البطش والاستكبار وازدراء الخصوم. إن نظاما أباد قرى ومدنا بكاملها لن تجدي معه المبادرات والمفاوضات. لا يمكن للأسد أن يتجاوب مع حلول تسيء إلى قيمه وتنشئته. لقد تعلّم أن وظيفة الدبابة الوحيدة هي أن تمر على صدور المواطنين، فلم يقبل عمليا العرض الذي قدمه العرب من أجل إنقاذه من مصير مبارك وبن علي وزعيم ليبيا المقتول. تؤكد مؤشرات الدم المسفوح أنه لا توجد أرضية للحوار في سوريا؛ حيث يعلو صوت الرصاص على العقل، ويتلذذ جنود النظام بعويل الثكالى وأنين المصابين. يتعين على العرب عاجلا سحب الشرعية من الأسد وحصاره اقتصاديا ودبلوماسيا، ودعم مساعي الحقوقيين السوريين في استصدار مذكرة اعتقال ضده من قبل محكمة الجنايات الدولية. فعلا، ليس من مصلحة سوريا استنساخ التجربة الليبية، لكنه يوجد فرق كبير بين التدخل الأجنبي العسكري والدعم السياسي الذي سيكرس عزلة النظام. إن اعتراف الدول العربية أو بعضها بالمجلس الوطني السوري سيكون خطوة مهمة في دفع الأسد نحو السقوط. كذلك، ينبغي للعرب أن يستثمروا ثقلهم الاقتصادي في ثني روسيا والصين عن مناصرة النظام السوري في مجلس الأمن. وإذا ما حققت المعارضة اختراقات دبلوماسية في المجال الإقليمي وحافظ الشارع على وتيرة التظاهر في ظل الحصار الاقتصاي، فإن سقوط الأسد لن يستغرق الكثير من الوقت.. سيهرب أو يسجن أو يقتل.