سفراء الزكاة

تلقيت دعوة من وزارة الأوقاف للمشاركة مع نخبة من كافة قطاعات الدولة تستهدف العمل على إحياء هذا الركن الكبير والتوعية بأهميته. ولا أخفيكم، تلقيت الكثير من الدعوات في حياتي، ولكن لم أفرح بدعوة كما فرحت بهذه الدعوة، ومع العلم أنا لم ألب دعوتهم للحضور في اللقاء التعريفي، ولكن ما أسعدني أنني أتمنى أن أخدم الإسلام ولو بكلمة. هذا الدين سخر الله له من النساء والرجال من قدموا خدمات جليلة للمسلمين، ولكن الذي قدم خدمة حفظ بها الإسلام هما رجلان أبو بكر الصديق في محاربة المرتدين وأحمد بن حنبل في قضية «خلق القرآن»، ولذلك أحب المسلمون دراسة الطريقة التي كان يفكر بها ذلك الرجل العظيم أبو بكر الصديق، وهو صاحب منهجية وطريقة في التفكير يصعب تصديقها لرجل عاش بداية حياته في مجتمع جاهلي أمي، وهو الرجل الأكثر صدقاً وعطاء ورأفة ورحمة وحزماً، عندما اختار قرار محاربة المرتدين لمنعهم الزكاة لم يكن قراراً سهلاً، علماً منه أن خروج الجيوش في هذا الوقت يعرض المدينة مركز الحكم للخطر، ولكن التهاون كان يشكل خطراً أكبر، فمن سمح بالتفريط في أمر سيسمح في باقي الأمور، وهكذا سينفرط العقد، وسيحمل هو الوزر أمام الله وأمام كل فريضة يفرط بها، والزكاة من أغرب الفرائض التي يحتار بها المرء، لأنك ستتعامل بها مع النفس البشرية التي جبلت على حب المال وكراهية إعطائه للغير، فالمرء يدور هذا الكلام في خاطره: لماذا أخرج جزءاً من أموالي وأنا الذي تعبت حتى جمعتها؟ والأكثر غرابة أنك لو صادقت إنساناً راتبه عشرة آلاف وطلبت منه أن يخرج الزكاة وقدرها مئتان وخمسون ريالاً لأخرجها، ولو زادت أمواله إلى عشرة ملايين وطلبت منه مئتين وخمسين ألفاً سيفكر كثيراً، ثم سيخرجها على مضض، ولكن إن امتلك مئة مليون وطلبت منه إخراج مليونين ونصف لاسودت الدنيا في عينه واستصعب المسألة إلى درجة الامتناع، وهنا تستغرب لماذا قبل المسألة في البداية بطيب خاطر مع أن ثروته أقل، ورفضها وقد بلغ من الغنى منتهاه؟ وهنا تأتي الإجابة من رسول الله «قليل تطيق شكره خير من كثير لا تطيقه». النفس البشرية التعامل معها صعب، وحب المال شهوة منقطعة النظير، لذلك لكل الذين يستصعبون إخراج الزكاة عليكم التعامل مع أنفسكم وأدمغتكم بذكاء، وهو فن يسمونه فن التحايل مع النفس، فكما يطالب جميع أطباء التغذية من الناس الذين يطمحون إلى إنقاص أوزانهم بالابتعاد عن التجويع أو ما يسمى بالوجبة الواحدة، لأن الجسد يشعر بمجاعة فيمتنع عن الحرق، هكذا يجب التعامل مع نفسك في الزكاة حتى لا تستكثر المبلغ: 1) اجعل لك في كل شهر زكاة ولا تنتظر رمضان فقط، فرب الأشهر واحد. 2) تعامل مع شركة أو جهة إذا كنت من أصحاب الأموال الطائلة تحتسب زكاتك وتخرجها بين وقت ووقت من أموالك أو تشعرك بذلك بعد إخراجها، بذلك لا تعطي لنفسك فرصة في التردد. 3) راقب أثر زكاتك، فإذا دفعتها عن غارمين مسجونين اذهب لتراهم وقد انطلقوا في الحياة بفضل من الله ثم منك، أو دفعتها لأطفال السرطان أو الملاجئ من الأيتام اذهب لتراهم وتسمع دعاءهم، فهذا سيصنع لك الكثير. 4) انتبه لرزقك فستتفاجأ بمكافآت سماوية ليست في حياتك، فالله لا يرضى أن يكون هناك من هو أكرم منه. 5) تذكر أنك ستدفع ملايين أو مئات الآلاف لبيت أو شقة في قطر أو لندن أو باريس، ولكنك ستدفع القليل من أجل جنة عرضها السماوات والأرض، صحيح أن النفس البشرية لا ترغب إلا فيما ترى، والجنة لم نرها ولكننا سمعنا عنها، والأذن تعشق قبل العين أحياناً. عند دفعك للزكاة تذكر أنك في زمرة محمد عليه الصلاة والسلام والصديق وعمر، وأنك من جنود الله في حرب المرتدين. وتذكر أيضاً بامتناعك عنها أنت من المرتدين الذين أوجب الله حربهم على يد الصديق، وستحشر في زمرتهم، وكنت من المفرطين. تحياتي لعظماء الإسلام، وعلى رأسهم الصديق، ما أعظم ما وهبك الله من عقل وقلب تسيدت به على أعظم المفكرين. وقفة: تحياتي لنساء من قطر سخرن أنفسهن للدعوة ولعمل الخير سفيرات فوق العادة، ولا أزكي على الله أحداً، ولكنهن بالفعل قلوب لا تعرف الكلل أو الملل أو التضجر من أعباء الدعوة، تحياتي للفاضلات فاطمة أمان المناعي، ومريم أحمد السعدي، وفاطمة آل علي، ونور الأميري، وغيرهن كثيرات.