ربيعنا الذي لم يزهر

كان أشبه بالحلم، يوم أن انطلقت الجموع الهادرة إلى ميادين تونس الخضراء وتعالى هتافها شيئا فشيئا من حالة احتجاج على حادثة الشهيد محمد البوعزيزي، إلى هتاف «الشعب يريد إسقاط النظام» فكسر الشعب الحاجز، وخرج المارد من قمقمه وسارت الجموع يحدوها أمل التغيير والثورة على كل تلك السنوات البائسة التي شعر فيها الجموع بأن حلم التغيير ابتعد وابتعد كثيرا، فكلما بقي الديكتاتور سنة إضافية كلما صار حلم التغيير أبعد، غير أن الشعب خرج أخيرا وقال كلمته، الشعب يريد إسقاط النظام. وامتد لهيب الثورة، فكان أن تلقفتها جموع مصر الهادرة وهي التي ظلت سنوات طويلة قابعة تحت حكم العائلة والعسكر، وضجت الميادين، فكانت القاهرة على موعدها هي الأخرى، موعد إسقاط النظام، وسقط، وامتدت مساحة البهجة لتشمل وطنا عربيا كبيرا شاسعا، يعيش على أرضه شعب لم يذق طعم الفرحة منذ أن فتح عيناه على هذه الدنيا، فمن نكسة إلى نكبة إلى حصار وجوع وقمع واعتقال وموت وقهر وإذلال. تنفست الجموع وهي ترى هديرها يلامس أرض ليبيا المختار ومنها إلى اليمن قبل أن يحط الرحال في سوريا، حيث فجر أحفاد الأمويين واحدة من أعظم ثورات التاريخ ضد واحد من أبشع وأقذر الأنظمة عبر التاريخ. كان هناك خيط لمؤامرة، ليس لأننا أدمنا هذه النظرية ولكن لأن واقع الحال كان يشير إلى ذلك بوضوح، بدأت المؤامرة على مصر كونها الدولة الأكثر تأثيرا على محيطها وعلى عالمها العربي الممتد من المحيط إلى الخليج العربي. كانت خيوط المؤامرة واضحة، بل إنها كانت في بعض الأحيان لا تستحي أن تسفر عن كامل وجهها وكأنها تقول للجميع: نعم نحن نتآمر عليكم، فحصل ما حصل في مصر، قبل أن تبدأ نيران مؤامرتهم بالامتداد والتمدد إلى تونس ومن ثم ليبيا. وأنت تتابع مشهد ما جرى منذ ثلاثة أعوام وأكثر، من ثورات شعوب أبت إلا أن تناضل لاسترداد حريتها وكرامتها إلى مشهد انقلاب صريح وواضح على تلك الإرادة لا تملك إلا أن تدرك أن من يقف وراء إحباط الشعوب ومنعهم من حلمهم أراد أن يقول لهم بصريح العبارة، كتب عليكم أن تبقوا تحت رحمة الديكتاتور، لا سبيل لكم للخلاص، سأجعلكم تندمون على ما فعلتموه، وربما من يسمع أنات الشعوب هنا وهناك وهي تدفع ثمن مطالبتها بحريتها، يسمع أيضا من يقول لك ما كنا لنا وللثورة. إن عموم المشهد العربي منذ انطلاق الثورات وحتى الساعة يشير بما لا يدع مجالا للشك أن الحرية التي تبتغيها الشعوب ما زالت غالية، وربما بعيدة في بعض الأحيان، ليس لاستكانة شعوب هذه المنطقة، كما كنا نعتقد أو يظن البعض، ولكن لأن هناك إرادة جبارة تسعى لعرقلة كل طموح وكل تحرر. ولكن من فعل ذلك وما زال يفعل؟ الأكيد أن هناك أطرافا بعضها عربي، صرف من الأموال الشيء الكثير لإخماد روح الثورة لدى تلك الشعوب، لأنها تدرك ببساطة أن هدير الثورة يمكن أن يصلها، هذا شيء والشيء الآخر، أن هناك مشاريع اقتصادية كبرى يمكن لها أن تتحول إلى أثر بعد عين أن تمكنت الشعوب من نيل حريتها، وطبعا لا يمكن إخفاء أن هناك مصالح دول كبرى التقت مع مصالح أخرى عربية لعرقلة عجلة الثورة وجعلها تتوقف عند محطة بعينها. ولكن لماذا يخشون من حرية الشعوب العربية، لماذا يخشون أن نعيش مثلهم؟ أن نتمتع بما يتمتعون به؟ هناك ثروة بشرية هائلة بين ثنايا هذه الأوطان، ثروة تفوق كل ما فيه من ثروات أخرى، ثروة يراد لها أن تكون خاضعة لما يعرف بالمجتمع الدولي أو النظام العالمي الجديد. الأكيد أيضا أننا ربما إلى الآن لم نستكمل مرحلة الثورة الكاملة على واقعنا، ولكن الأكيد أيضا أن هناك من لعب بنا ولعب علينا لأنه يريد أن يقول لنا إننا لا نستحق أفضل مما كنا عليه. ربيعنا لم يزهر قداحا، ولكن على الأقل إننا بدأنا نقترب منه، لن نتوقف، لدينا القدرة على المواصلة، ومن هنا فلا عزاء لكل من وقف ضد ثوراتنا، ضد أحلامنا، ضد تطلعاتنا، ضد غدنا، ضد حلمنا، صدقني سنواصل ولن نتعب، يجب أن يزهر الربيع، يجب أن يزهر ربيعنا.