


عدد المقالات 103
اجتمعنا نحن الأربعة في المدينة التونسية الأنيقة «الحمامات»، التي تبعد ساعة عن تونس العاصمة.. وجوه المصطافين تنبئ بموسم سياحي محلي.. غاب السائح الأجنبي خاصة الفرنسي، لكن الطبقة الوسطى التونسية حاولت شغل الفنادق مستمتعة بشواطئ أكثر هدوءا من المعتاد. دُعينا من قبل «مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث» لمناقشة تفاصيل إحدى الدراسات الإقليمية. في القاعة الداخلية البعيدة كنا نجتمع منذ الصباح الباكر وحتى ما بعد الخامسة، متذمرين كصغار الأطفال من تجاهل زرقة البحر ورمال الشط الذهبية.. دقائق ويجذبنا النقاش إلى أوطاننا، فنغرق فيها عوضا عن البحر عاملين مشارط التحليل في أوضاع بلادنا. وصلت الصديقة اليمنية، إحدى أركان الرباعي، تعاني ألماً في كتفها الأيسر كان هو الإصابة الأقل شأنا إثر هجوم على منزل الزعيم العسكري «محمد صالح الأحمر» الأخ غير الشقيق للرئيس «علي عبدالله صالح» والذي استهدف منزله عقب انشقاقه وانضمامه إلى الثوار. الهجوم على منزل الأحمر أدى إلى تدميره من دون إصابات في الأرواح كما أتى على بعض منازل الجيران. تصادف أن كانت صديقتنا إحدى الجيران فتهشمت واجهات منزلهم وجدرانه. خريطة القوي اليمنية الآن مقسمة ما بين القوى القبلية التي انشقت على صالح وشغلت موقعا بارزا في خيام المعتصمين حيث جلس رؤساء القبائل المتصارعين لأول مرة جنبا إلى جنب ليكتشفوا كم جنى «عبدالله صالح» من تفريقهم وخصومتهم.. وتضم خريطة القوى أيضاً «التجمع اليمني للإصلاح» وهو القوة الدينية السياسية والصوت الأعلى بين التكتلات السياسية المعتصمة، والفريق الطموح إلى إعادة اليمن إلى عصر الخلافة الإسلامية.. الطريق الواصل بين القوى القبلية وبين القوى الدينية السياسية قصير ومعبد، خاصة بعد انضمام قيادة عسكرية قبلية بحجم «الأحمر» إلى الصراع مساندا القبائل بتراثه القبلي العائلي، ومساندا «التجمع اليمني للإصلاح» بتراثه الأيديولوجي الديني. وتختلف البحرين الدولة الخليجية ذات الـ33 جزيرة، والتي يعتقد أنها سُميت بذلك لسبب وجود ماء الينابيع العذبة والتي تسمى كواكب وسط ماء البحر المالح. وكما تضم البحرين الماء العذب والمالح فإن طائفتي السنة والشيعة هما المشكل الأساسي للمجتمع البحريني. وعقب اندلاع ثورتي مصر وتونس شهد ميدان اللؤلؤة في وسط العاصمة المنامة احتجاجات قادها شباب مستقلون إلى جانب سبع جمعيات معارضة شيعية وليبرالية وقومية وبعثية تطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية .. أما أنا فقد فضحني القلق، فقد كنا على بعد يوم واحد من الحشد الديني الذي تقرر جمعه في ميدان التحرير المصري.. كانت تلك هي الإشارة الأوضح والأكثر دلالة على استعراض قوة التيارات الدينية، فقد تجمع أغلب القوى الدينية النشطة بعد الثورة بما فيها تيار الإخوان المسلمين الذي يساند ويدعم أخيه السلفي برغم ما بينهما من خلافات. قررت تلك التجمعات الدينية بعث رسالة إلى المجلس العسكري الحاكم «مؤقتا» مفادها «نحن معك» ونساندك طالما ساندتنا. ورسالة أخرى إلى المجتمع المصري بتياراته السياسية الأخرى بعثت تحت عنوان «نحن هنا». التيارات الدينية المصرية تجيد كمثيلاتها في تونس وفي أغلب الدول السباحة ركوب الأمواج. وهي الآن تضبط الشراع لتسبح مستعينة بمركب ضخم جُمِعت أجزاؤه من بعض دول الجيران. مرورا بالعاصمة تونس وصولا إلى المطار. انتبهت إلى ذلك الجلباب الأبيض الذي لم يظهر أبداً في شوارع العاصمة في السنوات السابقة بل إن بعض الشباب أطلق لحيته وفوجئت بنمو التيارات الدينية في تونس بزعامة حركة النهضة. ترجع بدايات الحركة إلى أواخر الستينيات وفي 1989 غيرت الحركة اسمها إلى «حركة النهضة» للتقيد بقانون الأحزاب الذي يمنع «إقامة أحزاب على أساس ديني»، إلا أن طلبها بالترخيص جوبه بالرفض من طرف السلطة. لم تعلن حركة النهضة ارتباطها بحركة الإخوان المسلمين وأيضاً لم تنفه. ويذكر أن رئيس الحركة راشد الغنوشي يعتبر حركة الإخوان حليفا ولكن ليست مرجعية. وكما خرجت التيارات السلفية المصرية من سجون الخوف. خرج أيضاً أعضاء حركة النهضة إلى الشارع وإلى المساجد التونسية التي كانت حكرا على الصلاة فقط لتفتح ساحات المساجد على المحاضرات السياسية. وليعلن شباب وفتيات تونسيات هويتهن الدينية بوضوح فيطفن الشوارع بالذقون الطويلة والجلباب الأبيض القصير ذي الصبغة الأفغانية، بينما بعض الفتيات أسدلن الجلباب الأسود عليهن جاذبات الانتباه إلى ملمح جديد في الشارع التونسي. وتسعى حركة النهضة للتواجد وتعويض سنوات الإقصاء وتسعى حركة الإخوان المسلمين في مصر لاقتناص فرصة تاريخية لن يجود بمثلها الزمن وهو ذاته ما يسعى إليه التجمع اليمني للإصلاح بعدما تحالف مع النظام ثم انقلب عليه. هذا الازدهار الذي حل فجأة على التيارات الدينية السياسية في الدول الثلاث لا تشارك فيه مجموعات شيعة البحرين وتبقى في وضع خاص كما كانت دائما مغلفة بالأساطير والحكايات .
إنه اللقاء بكل شغفه ولهفته وقوته وطاقته القادرة على إحياء الأمل وبعثه من باطن اليأس. إنه اللقاء.. فلم أجد لفظة أخرى تصف العيون المتلألئة ولا الخطوات المندفعة ولا تلك الحياة التي عادت تجري فكست الوجوه...
سمعت تلك الكلمة للمرة الأولى في منزلنا بينما جارتنا تأخذ قسطا من الراحة لدينا. اعتذرت عن كوب الشاي الذي أعدته أمي قائلة «لازم احضر العشا للاجئين اللي عندي». أخبرتني أمي أن «اللاجئ « مصطلح يطلق...
في الطابق التاسع كنت أسكن. ومن أعلى رأيت أطفال الجيران يرسمون في الشارع الإسفلتي خطا أبيض. ثم احتكروا لأنفسهم المساحة الأكبر وتركوا للطفل الأسمر وأقرانه ما تبقى. والأسمر كان في مثل عمرهم. وكذلك فريقه الذي...
«لقرون طويلة حكيت عني يا شهرزاد, غطى صوتك على صوتي» لكنى الآن وبدون ندم أشيعك إلى مثواك وأعلم أني لن أسبح في الفرح, لكني سأعيش بهجة غسل تراثك. وفى حضرة الحكاية علينا أن نبدأ القصة...
المشهد الأول: كان أن تحدث مرشح الرئاسة عن برنامجه الطموح لقيادة مصر في مرحلة مفصلية, واستعرض مجالات عدة ثم قال «وأما عن المياه فسوف نزيد مياه النيل بالدعاء». المشهد الثاني: صوت جهوري لرئيس الجمهورية آنذاك،...
طرقة واحدة مفاجئة، ثم ضاع الضوء وانسحبت الكهرباء إلى أسلاكها وتركتنا في عتمة قاتمة، بنظرة واحدة على الشارع أدركت أننا نصفان، نصف مضيء ونصف معتم، كان جانبنا صامتا وكأن الحياة قد توقفت عنه، حارسة العقار...
أعادته مرة أخرى إلى الطبق الصغير عقب الرشفة الأخيرة، ثم انتظرتْ دقائق وقَلَبَتْه فسال اللون الداكن برائحته النفاذة وتلون الخزف الأبيض. وأكملت هي حوارها تاركة لي الحيرة من أمر تلك القهوة التي تجمع جدتي بجارتنا...
أيمكن أن يصدق عاقل أن «فارس» حمل عتاده وسلاحه وسافر طويلا لكي يحمي «مالك» الذي لا يعرفه ولا يعرف عنه شيئا. البعض قال لي لا بد أن «فارس» ملاك في جسد بشر. لكن آخرين كانوا...
كان يكفي أن أنظر للسماء لأعلم لما لا يرد شقيقي على الهاتف. متحفزا. مكتملا. باهيا. كان قرص القمر في قلب السماء. متألقا وسط النجوم. مدركا حجم ضوئه وعمق أثره. مختالا بنوره الذي يوقظ كل الصحاري...
في مايو ومنذ ما يزيد على ثلاثة وخمسين عاما, وقبل أن تهبط الأحلام على النائمين انفجر غضب ما من باطن الأرض فقسمها وضرب مبانيها وأهال التراب على ما يزيد على ثلاثة آلاف نسمة. يومها لم...
الشاب ذو الصوت الصادق حاصرني, كما كان لأسئلته تفرد مدهش فلم أملك إلا الانتظار, سار بي خطوات قليلة ثم أشار إلى سمكتين لونهما أزرق يتوسطان لوحة القماش المعلقة, وقال: «أتعرفين لماذا وُلدنا؟». صمت من هول...
أتصدقون أن بين وحشين كبار عاشت الغزالة الصغيرة آمنة حالمة, لكن الأهم أنها عن حق سعيدة, ثم عَنَّ لها أن تجرب الجنون, فإذا بها تعلن بصوت عال أنها في طريقها لتصدير السعادة, ولو لم أكن...