قمة على أطلال العراق

يبدو أن القمة العربية التي انعقدت في بغداد ليست فقط خطأً من حيث الزمان والمكان، إنما تمثل قرينة لا تقبل النقض على نهاية ما كان يسمى مجازا بالعمل العربي المشترك. إن الظروف المصاحبة للقمة ومستوى التمثيل فيها والنتائج التي توصلت إليها تعكس بجلاء أن الجمهور شاهد الجزء الأخير من مسلسل الجامعة العربية الذي ظلت كل حلقة منه تعيد إنتاج الأخرى: بيانات وشجب وإدانات وعجز واضح وتواطؤ فاضح. لكن الوضع اختلف الآن. انتهت المؤتمرات العربية مثلما انتهى قبلها العراق الذي تعقد فيه. أي مؤتمر هذا الذي تحميه أميركا وتحدد جدول أعماله إيران، ويرأسه كردي ثم يغيب عنه أكثر من نصف قادة المنطقة؟ لقد بدت القمة العربية متأخرة جدا عن ظرفها الزمني، فبدل الركون للشارع العربي الهادر واغتنام المتغيرات في إعطاء دفعة قوية للملفات الشائكة، تبين أن الحدث لم يكن سوى إعلان موت للجامعة ومجاملة سخيفة للنظام الطائفي في العراق. على الصعيد الفلسطيني، تجاهل العرب أن الوضع الراهن ليس لصالح إسرائيل، ولم يشأ الحاضرون تبني أي قرار جدي يمكن أن يقنع الغرب أو يرغمه على التخلي عن حماية الكيان الصهيوني المغتصب. ومع أن العراق أهم الدول العربية على الإطلاق نظرا لموقعه الاستراتيجي وإمكاناته العلمية والاقتصادية، فإن همومه غُيبت بقصد عن جدول القمة. لقد قال وكلاء إيران وأميركا في الساحة الخضراء إن الشأن العراقي يجب أن يبقى داخليا ولا يمكن أن يعرض على القمة! العراق الذي اختفت سيادته تحت العمامة الإيرانية، وتمزقت وحدته ونهبت ثرواته بفعل بطش القوات الأميركية، شأن لا يهم العرب! منطق جديد فعلا، لكنه ليس مستغربا من حكومة لا تخرج عن طاعة واشنطن إلا إذا كانت تريد جبر خاطر طهران. فعلا ليس للعرب مكان هناك. هموم الجماهير العربية هي الأخرى غابت تماما عن القمة. ورغم أن الجميع يدركون أن الظلم والفقر والاستبداد وراء الردات الاهتزازية التي قد تطمر المنطقة، فإن القمة لم تدعُ الأنظمة المستبدة لتبني الديمقراطية وإتاحة الحريات. في العديد من دول المنطقة هناك قنابل موقوتة بحكم التهميش والفقر والغبن والإقصاء، لكن مصالح الأنظمة واعتناقها جميعها لعقيدة البقاء حالت دون مطالبة أقطار عربية معينة بمعالجة واقعها القاتم في مجالي الحريات وتوزيع الثروات. وحده النظام السوري، لأنه قاب أو قوسين أو أدنى من السقوط، طالبه العرب باحترام خيارات شعبه. وكأن حقوق المواطنين لا ينبغي ضمانها إلا بعد أن يسقط منهم الآلاف! وحتى على الجانب السوري -الذي هيمن على القمة- كانت النتيجة هزيلة جدا. لقد عاد المجتمعون في بغداد أشهرا إلى الوراء، فبعد أن كان تنحي الأسد مطلبا عربيا ملحا، لم يعد يهم القادة سوى حث النظام القمعي في دمشق على التجاوب مع كوفي عنان. عنان الذي بات مبعوثا عربيا، وتلك مفارقة أخرى. اجتمع العرب إذن لمباركة احتلال وأميركا وإيران للعراق، وخذلان أشراف الرافدين الذين أقصتهم الطائفية البغيضة التي تحكم بغداد. لقد قال العرب من الساحة الخضراء، حيث تتنصت طهران وواشنطن، إنهم يقفون مع المالكي والسيستاني وأوباما ونجاد وطالباني وهوشيار. عدا ذلك لم يفعل المؤتمرون في بغداد شيئا يذكر. فعلا عاد العرب إلى العراق لكن بعد أن طمست معالمه. وكان دور العرب الوقوف على أطلال هذا البلد العظيم، ولكن ليس للبكاء عليه، إنما لمباركة خرابه والشماتة بشعبه. sidhadee@hotmail.com •