alsharq

د. وائل مرزا

عدد المقالات 101

أسئلة صريحة تواجه الثورة السورية

30 ديسمبر 2012 , 12:00ص

لماذا يُعتبر المنشق (العسكري) فقط شريفاً عند شرائح من أبناء الثورة السورية؟ ويُغفر له تاريخه (البعثي)؟ ويتم التجاوز عن عمله سنوات طويلة مع النظام؟ ويُرحّب به للعمل في مجاله حتى على مستوى القيادة؟ في حين يندر أن يُستعمل الوصف نفسه مع المنشقين السياسيين عن النظام، ويتم التعامل معهم بلسان الحال، وأحياناً بلسان المقال، أنهم من المشكوك في أمرهم. ويغلبُ أن يتم رفض وجودهم في ساحة العمل السياسي المعارض الذي يهدف إلى إسقاط النظام، وتكاد الدعوة لإعطائهم دوراً قيادياً في المراحل الانتقالية تُصبح تهمة على من يُطلقها، وفي أحسن الأحوال (تابوهاً) من المحرمات لا يجوز الكلام فيه أصلاً. لا ندعو هنا في قليل أو كثير لسحب صفة الشرف عن الضباط الذين انشقوا عن جيش النظام وانحازوا إلى شعبهم، بل إن هؤلاء يمثلون معنى البطولة في كثير من الأحيان لأسباب لا يختلف عليها اثنان. لكن ما يهمنا في الموضوع يتمثل في تجاوز استخدام المقاييس الثنائية مع الذين كانوا يعملون في الدولة السورية، وكانوا بشكل أو بآخر تابعين للنظام الآيل للسقوط، وكانت الغالبية منهم، ممن وصولوا إلى مراتب عالية فيه من البعثيين. لقد كانت نداءات الانشقاق التي تُرسل إلى السياسيين ممن يعملون مع النظام في مقدمة النداءات التي أطلقها الثوار، وكان معروفاً أن الثورة ستحقق مكاسب كبيرة بانشقاقهم، وأن هذه العملية تُعتبر عنصراً رئيسياً من عناصر إسقاط الشرعية عن النظام سياسياً، ومن عناصر الحرب المعنوية التي تجعل بنيته تُصاب بالاهتراء التدريجي. هذه حقيقةٌ, ثمة إجماعٌ كبيرٌ عليها. فما هو ردّ الفعل الطبيعي تجاه أولئك إذا استجابوا للنداءات وقاموا بما كانت الثورة تدعو إليه بشكل ملح ومتكرر؟ بدرجة من الصراحة والشفافية، لا يبدو أن رد الفعل على الحالات التي حصلت ينسجم مع منطق الثورة وخطابها الأصيل ومبادئها المتميزة. ففيما عدا بعض مظاهر الترحيب الخجول والسريع بتلك الحالات، والتي غلبت عليها رنّة الشماتة بالنظام، قصّرت المعارضة السياسية في استيعاب الطاقات المذكورة في صفوفها. بل يمكن القول إن درجة عالية من التهميش والإقصاء مورست على الغالبية العُظمى من الساسة المنشقين. وحتى في بعض الحالات التي فيها تم التواصل مع أفراد منهم، كان هذا التواصل بمثابة محاولة للـ (توظيف) من قبل بعض التجمعّات الحزبية لأسمائهم هي من قبيل الاستثمار لا أكثر ولا أقل. تشير التقديرات إلى أن أعداد العاملين في الدولة تتراوح بين مليون ونصف إلى مليوني سوري. وإذا اعتبرنا أن معدل عائلات هؤلاء يتراوح بين 4 إلى 5 أشخاص، فإننا نتحدث عن قرابة عشرة ملايين سوري يمكن القول إن حياتهم كانت تتعلق بالعمل مع النظام والتعامل معه بشكل أو بآخر. وإذا أردنا تعميم طريقة التفكير بالمنشقين عن النظام على هؤلاء فإنه يعني اعتبار قرابة نصف الشعب السوري مشكوكاً في أمره، أو يُنظر إليه بعين الشك والريبة، أو أي معنى من المعاني التي لا يتم الحديث عنها علناً، ولكنها تُشكل جزءاً من (ثقافة الثورة) عند شريحة نأمل ألا تُشكل غالبية الثوار، لكنها بالتأكيد شريحة مؤثرة وعالية الصوت والتأثير. قد يقول قائل إن النظرة المذكورة تتعلق فقط بالمنشقين من الطبقة السياسية العالية، لكن هذا بحد ذاته يُمثل مشكلة كبيرة, فإذا كان الترحيب يرتفع كلما كان المنشق العسكري أعلى رتبة، ماذا يعني أن ينخفض الترحيب كلما كان المنشق السياسي أعلى موقعاً؟ خاصة أننا نعلم أن نفوذ وقوة العسكري العامل في النظام من الرتب العليا كان في جميع الأحوال أكبر من نفوذ وقوة السياسي العامل في النظام من الدرجات العليا. قد يكون من التفسيرات (المُخيفة) للموضوع أن ثقافتنا لا تزال تحترم (القوة) بمعناها المباشر الذي يتمثل هنا في القدرة على حمل السلاح. ونحن لا نصف هذا التفسير بأنه مخيف لأننا لا نُقدّر عمل العسكريين وعطاءهم، بل لأننا نحسبُ أن الجميع متفقون على أن من أهداف الثورة إيجاد سوريا الديمقراطية الحديثة التي يكون من ملامحها الواضحة ألا يُسيطر عليها أحد بقوة السلاح. وبما أن كثيراً من الثوار العسكريين والمدنيين يُصرحّون بقبولهم لهذه الحقيقة في المناسبات العامة واللقاءات الخاصة فإن عملية مراجعة للموقف من المنشقين السياسيين باتت مطلوبة وبإلحاح. ثمة بعد آخر للموضوع لا يمكن الهروب منه أيضاً، فنحن نعلم أن الغالبية العظمى من شرائح المعارضة السياسية الحالية لم تعمل في يوم من الأيام في مجالات الإدارة الحكومية، وليس لديها خبرة في دهاليزها التي تحتاج إلى درجة من الخبرة والمعرفة والدراية العملية. من هنا فلن يكون غريباً القول إن العاملين في الدولة يجب أن يبقوا خزان الكوادر البشرية الذي سيرفد النظام السوري الجديد المُنتظر. ثمة شرط يتفق عليه الجميع ويتمثل في ألا يكون في مواقع القيادة أشخاص تلوثت أيديهم بدماء السوريين بشكل مباشر من خلال الأمر والمساهمة العملية، أو بشكل غير مباشر من خلال التمويل الكثيف والمقصود لعملية قتل السوريين. وهذا شرط يجب أن يكون الحُكم بوجوده منوطا بهيئات قضائية ثورية عادلة. أما فيما عدا ذلك فمن غير المنطق إقفال الباب في وجه خبرات وطاقات يمكن أن تسهم في الإدارة الحكومية بشكل متميز وكبير. ما رؤية المعارضة السورية للآلية المحددة لانتقال النظام، سواء كان الأمر عبر شرعية سياسية أو ثورية؟ ما التوازنات الحساسة بين ما يُعتبر حقيقة بمثابة (تنازلات) تتناقض جذرياً مع أهداف الثورة، وبين قرارات سياسية تُساعد على وقف المجازر بحق الشعب السوري؟ هل يُعتبر كل اتصال ولو كان بشروط مدروسة سياسياً مع بعض القوى الدولية والإقليمية التي تساند النظام خيانة للثورة؟ كيف يجب أن تكون طبيعة العلاقة حالياً ومُستقبلاً بين الساسة المعارضين والثوار من العسكر والمدنيين؟ هل ينحصر معنى القيادة في الانسجام مع المزاج السائد العام، أم يتجاوز ذلك إلى اتخاذ قرارات قد لا تحظى بالشعبية على المدى القصير وإن ظهر صوابها على المدى الأبعد؟ هذه وغيرها أسئلة صريحة تواجه الثورة السورية وأهلها, يجب أن تُطرح بوضوح وشفافية كما هي الحال مع موضوع المنشقين السياسيين الوارد أعلاه، والهروب من مواجهتها لا يليق بالتأكيد بمقام الثورة وثقتها بنفسها وبشعبها الواعي الذي يكتب التاريخ.

الحكومة المؤقتة في سوريا.. أو الطوفان

بعد بضعة أيام من نشر هـذا المقال، يعقد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية اجتماعاً سيكون من أكثر الاجتماعات حساسية في تاريخه وتاريخ الثورة السورية، إن لم يكن أهمها على الإطلاق. وتنبع خطورة الاجتماع بالدرجة...

الثورة السورية.. وقصة البشرية على الأرض

{وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة قالوا أتجعلُ فيها من يُفسدُ فيها ويسفكُ الدماء ونحنُ نُسبّحُ بحمدك ونُقدّس لك قال إني أعلمُ ما لا تعلمون}. بغضّ النظر عن الحشو الذي يملأ بتفاصيله...

عرب المشرق وطوفان إيران

لم يعد ثمة مجالٌ على الإطلاق، وبأي حسبةٍ من الحسابات، أن يسمح عربُ المشرق، ومعهم تركيا، لهذا الطوفان الإيراني أن يجتاح المنطقة بهذا الشكل الصارخ، ليس فقط في قباحته وابتذاله، بل وفي دلالات الموقف الدولي...

الثورة السورية بين مفتي السعودية والقرضاوي

منذ بضعة أيام، صدرت عن الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مواقفُ نعتقد أنها غير مسبوقة، وأن دلالاتها السياسية والدينية والثقافية تحتاج إلى كثيرٍ من التأمل. خاصةً عندما نفكر بأسبابها من جهة، ومآلاتها...

هل تفهم أميركا الثورة السورية بشكلٍ استراتيجي؟

قلائلُ هم الرؤساء الأميركان الذين يعرفون لماذا وصلوا فعلاً إلى البيت الأبيض, وماذا سيفعلون فيه على وجه التحديد. هذه حقيقةٌ معروفةٌ في أميركا، رغم أن عدد ساسة هذا البلد الذين يحلمون بالوصول إلى أهم موقعٍ...

الثورة السورية والمشهد الإقليمي

ما من شكٍ أن ثوار سوريا على الأرض كانوا ولا يزالون وسيبقون أصحاب القرار الحقيقي، لا نقول فيما يتعلق بمصير الثورة السورية، وإنما في تحقيق نصرها المؤزر في نهاية المطاف. لكن هذا لا يتناقض مع...

الحكومة السورية المؤقتة نقلة في عمل المعارضة

من الممكن جداً أن يكون تشكيل الحكومة السورية المؤقتة نقلةً هامة على طريق تحقيق أهداف الثورة السورية. ثمة مؤشرات عديدة على أن هذا الأمر في وارد الحصول، رغم الشكوك التي يطرحها البعض هنا وهناك. يبدأ...

الحكومة السورية المؤقتة.. حقائق وشبهات

منذ أكثر من خمسة شهور، وفي لحظة تأسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، كان أعضاؤه يعرفون، ومعهم العالم أجمع، أن الائتلاف هو المؤسسة الأم التي ستتولد عنها ثلاث مؤسسات أخرى أحدُها الحكومة المؤقتة. لم...

تحدي «استقلالية» قرار الثورة السورية

كثيرةٌ هي التحديات التي تواجه الثورة السورية، لكن تحدي الحفاظ على (الاستقلالية) بحساباتها وموازناتها الشاملة قد يكون أكثرهاً خطورةً وأهمية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الموقع الاستراتيجي لسوريا فإن التعامل مع هذا التحدي كان وسيبقى مهمةً...

الحكومة السورية المؤقتة: لماذا وكيف؟

كلما قلتُ متى موعدُنا ضحكت هندٌ وقالت بعد غد. قد يعبّر هذا البيت من الشعر العربي عن حال الثورة السورية مع معارضتها السياسية. فرغم المحاولات المختلفة للقيام بالدور المطلوب من قِبلها، لا تبدو هذه المعارضة...

«الهجرة» السورية الكبرى

يمكن وصف الثورة السورية بألف طريقة وطريقة، فهي تحمل في طياتها بحراً من المعاني سيأتي قريباً اليومُ الذي تظهر دلالاتهُ الحقيقية للناس. لكن وصف (الهجرة) قد يبدو في هذه المرحلة مُعبّراً عن واقع السوريين أكثر...

سوريا.. ولادةُ وطن

في عددها مطلع الأسبوع الماضي، نشرت مجلة الإيكونوميست البريطانية مقالاً بعنوان «سوريا، موت وطن». وعلى غلاف العدد، وضعت المجلة رسماً من ثلاثة أسطر يُعبّر عن دمار سوريا بشكلٍ تدريجي وصولاً نحو الخراب الكامل. بعدها بأيام،...