هل يدوم ألف سنة؟

عندما أسقط جنرالات الجيش التركي حكومة أربكان الائتلافية بالتآمر مع وسائل الإعلام ورجال الأعمال والنقابات وبعض القوى المدنية الأخرى ظنوا أنهم سيقضون على إرادة الشعب إلى الأبد، وخيل إليهم أن انقلابهم «سيدوم مفعوله ألف سنة»، كما جاء على لسان رئيس الأركان السابق وأحد هؤلاء الجنرالات حسين كيوريك أوغلو. الانقلابيون قاموا بحل حزب الرفاه وحظر قادته من ممارسة العمل السياسي وإغلاق مؤسسات خيرية والتضييق على منظمات المجتمع المدني ومنع المحجبات من دخول الجامعات وجعل التعليم الإجباري ثماني سنوات متواصلة حتى لا يلتحق الأطفال بعد الابتدائية بمدارس تحفيظ القرآن الكريم، وكان الهدف من كل هذه القرارات والممارسات تفصيل نظام للمجتمع على حسب رغبات الانقلابيين وإقصاء الإسلاميين عن حكم البلاد نهائيا. لم يجد للعسكر صعوبة عام 1997 في إسقاط الحكومة المنتخبة شعبيا بضغوط هائلة مورست عليها بمشاركة بعض شرائح المجتمع ووسائل الإعلام والمنظمات المدنية المؤدلجة، ولكن التحدي الأكبر كان في إدارة البلاد، وبعد إجبار حكومة أربكان على الاستقالة بانقلاب عسكري أطلق عليه إعلاميا «الانقلاب ما بعد الحداثي»، تم بمباركة قادة الجيش تشكيل حكومة ائتلافية برئاسة مسعود يلماز شاركت فيها أحزاب مؤيدة للانقلاب، وبعدها تشكيل حكومة أقلية برئاسة بولنت أجاويد، وفي أول انتخابات برلمانية أجريت بعد الانقلاب في أبريل 1999، لم يحصل أي من الأحزاب على نسبة تمكنه من تشكيل الحكومة وحده، وبالتالي تم تشكيل حكومة ائتلافية برئاسة أجاويد أيضا. وهذه الحكومات الثلاث التي حظيت بتأييد الجيش ومباركته قادت البلاد إلى أكبر أزمة اقتصادية عصفت بتركيا منذ تأسيسها. وفي اجتماع مجلس الأمن القومي في 19 فبراير 2001، جرت مناقشة حادة بين رئيس الجمهورية آنذاك أحمد نجدت سيزر ورئيس الوزراء بولنت أجاويد حول الصلاحيات ورمى سيزر إلى أجاويد كتيب الدستور ليقرأه وخرج أجاويد من صالة الاجتماع غاضبا ليعلن في مؤتمر صحافي أن هناك أزمة كبيرة في إدارة البلاد. هذا الإعلان الذي كان في مثابة شعرة قصمت ظهر البعير فجر أزمة اقتصادية غير مسبوقة ضربت الأسواق وتجاوز سعر الدولار في ليلة واحدة مليون ليرة بعد أن كان حوالي 670 ألف ليرة (قبل حذف ستة أصفار من الليرة التركية في 2005)، وسمي ذاك اليوم فيما بعد «الأربعاء الأسود». الأزمة الاقتصادية التي كانت في الحقيقة تراكمات فساد السنين التي تلت الانقلاب على إرادة الشعب دفعت حكومة أجاويد الائتلافية إلى إعلان انتخابات برلمانية مبكرة في 3 نوفمبر 2002 ولم يكن زعماء الأحزاب الثلاثة التي كانت تشكل الحكومة يدرون أن هذا التاريخ سيكون موعد معاقبتهم من قبل الشعب التركي الذي دفعهم جميعا إلى خارج البرلمان، وسلم حكم البلاد إلى حزب العدالة والتنمية الذي فاز في الانتخابات بأغلبية ساحقة. كانت نتائج انتخابات 2002 تعلن نهاية انقلاب 28 فبراير 1997، وقد أرادوا استمراره ألف سنة، ولكن إرادة الشعب أنهته في خمس سنوات فقط، وبعد ذلك بدأت عملية إزالة آثاره ووصلنا اليوم -بعد ست عشرة سنة- إلى مرحلة محاسبة مرتكبي ذاك الانقلاب المشئوم ومعاقبتهم. كل هذه الأحداث مرت أمام عيني كشريط فيلم عندما سمعت خبر حظر جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتساءلت في نفسي: «ترى هل يظن السيسي أن انقلابه سيدوم ألف سنة؟» قد يزعم السيسي أنه قام بـ «عملية التصحيح لمسار الديمقراطية» بتأييد بعض الأحزاب والقوى المدنية وشرائح المجتمع، كما قال قبله قادة انقلاب 28 فبراير في تركيا، وبإمكانه أن يقوم بحل الأحزاب وإغلاق المؤسسات وسجن الزعماء السياسيين وحظرهم من ممارسة العمل السياسي والتضييق على الحريات وغيرها من الإجراءات القمعية ولكن «ماذا عن الاقتصاد؟» الاقتصاد هو الآن التحدي الأكبر الذي يواجهه الانقلابيون في مصر، لأن «فوبيا الإخوان» لن يشبع جوع المصريين، كما أن الاستقرار السياسي من أهم عوامل النجاح الاقتصادي، وفي ظل الاضطراب السياسي واستمرار المظاهرات المطالبة بإسقاط حكم العسكر يستحيل الخروج من الأزمة الاقتصادية ولو ضخت الدول المؤيدة للانقلاب مليارات ومليارات أخرى إلى خزانة الانقلابيين.