العودة الحذرة إلى الحياة اليومية

بدأت كثير من الدول في تخفيف التدابير الصارمة التي اتخذتها من أجل مكافحة جائحة «كورونا»، وقررت أن تفتح المصانع والمحلات والأسواق أبوابها، لتدور عجلة الاقتصاد والإنتاج، ويعود الناس إلى حياتهم اليومية، ولو بالتدرج، في ظل الجهود المتواصلة للسيطرة على الجائحة، والبحوث المستمرة لاكتشاف دواء فعال ولقاح وقائي لـ «كوفيد - 19». المواطنون الذين اضطروا للبقاء في بيوتهم لأيام، رغم الأجواء الربيعية الجميلة، يريدون بشغف أن يخرجوا إلى الشوارع والحدائق، ويمارسوا أعمالهم وأنشطتهم الروتينية، إلا أن الأطباء يحذرون من عواقب التساهل مع الجائحة، وينصحون بالتدرج في العودة إلى الحياة الطبيعية، حتى لا يعود الكابوس من جديد بكل ثقله، وتذهب الجهود المبذولة كافة هباء منثوراً. هناك أمثلة عديدة لارتفاع عدد المصابين بالفيروس بسبب استهتار الناس، وعدم التزامهم بالتدابير المطلوبة، كما حدث في إحدى المحافظات التركية التي لم تسجل فيها عدة أيام إصابة جديدة بالفيروس، ما دفع سكانها إلى التخلي عن الحذر، وعدم تطبيق قواعد التباعد الاجتماعي، إلا أن عدد المصابين بالفيروس بدأ يرتفع من جديد بسبب هذا التساهل. وزير الصحة التركي فخر الدين كوجا، أعلن النجاح في كفاح جائحة «كورونا»، مشيراً إلى أن هذا النجاح يعود إلى التدابير المبكرة والجهود الحثيثة التي تبذلها فرق الكشف الطبية، لتتبع المصابين المحتملين، والوصول إليهم، من أجل إجراء الفحوصات اللازمة. وفي النظام المسمى «فيلياسيون»، تبحث فرق «تتبع أثر كورونا» عن جميع من خالطهم المصابون بالفيروس، للتأكد من عدم إصابتهم به، بدلاً من إجراء الفحوصات بشكل عشوائي. وأثبت هذا النظام الذي اتبعته وزارة الصحة نجاحه . في بلاد، مثل تركيا، يستحيل فيها المسح الشامل وإجراء الفحوصات على الملايين في فترة وجيزة. المواطنون في الدول التي نجحت في الحدّ من انتشار الفيروس، يجب أن يقدروا الجهود التي تبذلها السلطات والفرق الطبية من أجل سلامتهم، ويواصلوا الالتزام بالتدابير الوقائية المعلنة، سواء فيما تبقّى من شهر رمضان المبارك أو أيام عيد الفطر. ومن المؤكد أن خطر الجائحة لن يزول تماماً حتى يتم اكتشاف اللقاح لـ»كوفيد - 19». وبالتالي، يجب أن نتعلّم قواعد التعايش مع هذا الوضع غير الطبيعي، ونلتزم بها، كي لا نضطر للعيش في الحظر الشامل. جائحة «كورونا» تحمِّل الحكومات مسؤولية اتخاذ التدابير اللازمة، كما تحمِّل المواطنين مسؤولية الالتزام بها. وإن تم تخفيف كثير من القيود، فإنه من الضروري الاستمرار في تطبيق قواعد التباعد الاجتماعي، ولبس الكمامات، وغسل الأيدي، واستخدام المعقمات، وعدم الخروج من البيوت إلا لقضاء الحاجات، وتجنّب إحداث التزاحم، وعدم التواجد في الأماكن المزدحمة. الحكومة التركية وضعت خطة لتخفيف القيود المفروضة من أجل مكافحة الجائحة. وسيتم تطبيق تلك الخطة تدريجياً، كما أعلن رئيس الجمهورية، في كلمته إلى الشعب. وتشتمل الخطة على كثير من التدابير الجديدة التي تم تحديدها بشكل مفصّل، حتى لا يؤدي التخفيف الحذر إلى الانفلات وتفشّي الفيروس. المواطنون سيكونون أمام اختبار في الأيام القادمة؛ لأننا ما زلنا بعيدين عن العودة إلى الحياة الطبيعية. ومن المؤكد أن عدد الإصابات ومدى الالتزام بالتدابير سيحدد جدوى الاستمرار في تخفيف القيود، أو ضرورة العودة إلى التدابير الصارمة.