الحالمون بالانقلاب في تركيا

شهدت تركيا منذ انتقالها إلى النظام الديمقراطي والتعددية الحزبية محاولات انقلاب عديدة، نجحت بعضها وفشلت الأخرى في إسقاط الحكومة المنتخبة. وكانت المحاولة الأخيرة، تلك التي قام بها ضباط موالون للكيان الموازي، التنظيم السري لجماعة كولن، ليلة 15 يوليو / تموز 2016، إلا أن الشعب التركي خرج إلى الشوارع والساحات للدفاع عن إرادته، تصدى لدبابات الانقلابيين. وأثار فشل تلك المحاولة آنذاك هذا التساؤل: «هل زال خطر الانقلاب في تركيا؟». الشعب التركي طوى تلك الليلة صفحة الانقلابات العسكرية في البلاد دون رجعة، كما قامت الحكومة التركية بتطهير أجهزة الدولة، بما فيها الجيش والشرطة والاستخبارات والقضاء من عناصر الكيان الموازي، الأمر الذي جعل احتمال نجاح أية محاولة للانقلاب العسكري يكاد ينعدم، إلا أنه ما زال هناك من يحلم بإسقاط الحكومة التركية المنتخبة، عبر طرق ووسائل غير ديمقراطية. تنظيم الكيان الموازي الإرهابي تلقى في صيف 2016 أكبر ضربة بفشل محاولة الانقلاب، غير أنه لم يستسلم، ويسعى منذ ذلك الحين إلى ترتيب صفوفه واستعادة قوته، بالتنسيق والتعاون مع بعض الأطراف المعارضة للحكومة، ويأمل في أن يجد يوماً ما فرصة جديدة لإعادة المحاولة. نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزل، في مؤتمر صحافي عقده قبل أيام في البرلمان التركي، هدَّد الموظفين والبيروقراطيين، وقال إن «نظام القصر» -في إشارة إلى رئاسة الجمهورية والنظام الرئاسي- يقترب من نهايته، وسيأتي بعده نظام الجمهورية التركية. وبعد هذه التصريحات، خرجت رئيسة فرع اسطنبول لحزب الشعب الجمهوري، جانان كافتانجي أوغلو، وقالت إن هذه الحكومة ستسقط إما بانتخابات مبكرة، أو بطرق أخرى. تصريحات أوزل وكافتانجي أوغلو، دعوة إلى الانقلاب العسكري؛ لأن الحكومة في النظام الديمقراطي يتم تغييرها عبر صناديق الاقتراع، إلا أنه ليس في أفق تركيا حالياً أية انتخابات، ما يعني أن هؤلاء يعلّقون آمالهم على «الطرق الأخرى» التي أشارت إليها كافتانجي أوغلو، المعروفة بولائها لتنظيم «جبهة حزب التحرير الشعبي الثوري» الإرهابي. كما توحي هذه التصريحات بأن هناك تحركات مشبوهة تشجّع الحالمين بإسقاط الحكومة عبر انقلاب عسكري. تنظيم الكيان الموازي الإرهابي اليوم أضعف مما كان قبل محاولة الانقلاب الفاشلة، وتم تطهير خلاياه من أجهزة الدولة، إلا أنه قد يسعى إلى إثارة الفوضى والفتن، وإعادة المحاولة لانقلاب عسكري، بالتنسيق والتعاون مع تنظيمات إرهابية أخرى، مثل حزب العمال الكردستاني، وجبهة حزب التحرير الشعبي الثوري، وتحت مظلة سياسية يوفرها حزب الشعب الجمهوري الذي نجح التنظيم في التغلغل في صفوف قيادته. الشعب التركي الذي تصدى للانقلابيين، وأفشل محاولاتهم ليلة 16 يوليو / تموز 2016، عازم على الدفاع عن إرادته الحرة بأي ثمن. ومن المؤكد أنه سيقاوم بشدة أية محاولة للانقلاب على الحكومة المنتخبة، كما أن قوات الأمن والاستخبارات ستكون للانقلابيين بالمرصاد. كما أن الظروف الراهنة ليست لصالح الحالمين بالانقلاب العسكري؛ لأن رصيد الحكومة التركية ارتفع لدى الشارع التركي بعد نجاحها في مكافحة جائحة «كورونا». وتشير استطلاعات الرأي إلى أن شعبية رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان لدى عموم الناخبين وصلت إلى 55.8%، كما ارتفعت في صفوف المؤيدين لحزب الشعب الجمهوري من 4.3% إلى 19.6%.