سوريا بين مهزلتين.. المعارضة والدستور

يصر النظام السوري دائما على إثبات أنه بمعزل عن الكون. يحدث هذا في السياسة والاقتصاد والأمن وحتى السياحة. كل شيء مختلف وكل شيء صمم على أساس خدمة الحاكم دون ذرة من حياء. الدستور الجديد الذي استفتي عليه السوريون مهزلة بما في الكلمة من معنى، ليس لأنه موجه لأناس بات همهم الأول إيجاد فرصة لدس قتلاهم في التراب، بعد أن لم ير الأسد على شعبه حرجا في قصف مواكب الدفن. ليس الدستور مهزلة لهذا، ولا لأن المعنيين به فقدوا القدرة على الاختيار بحكم عقود من القمع والتسلط، إنما لكونه بدعا من الدساتير، ولا يرقى لأن يوصف بأنه لائحة أحرى عن دستور يحدد شكل الحكم وينظم عمل السلطات. إن الدساتير في كل العالم تتناول أمورا كلية مثل طبيعة النظام والعلاقة بين السلطات والقواعد الأساسية المتعلقة بالحريات والحقوق والواجبات، بتعبير آخر: وثيقة مبادئ عامة أسمى من كل القوانين ولا تتناول مجالا معينا بالتفصيل. لم ينتبه المشرع الأمني السوري لخصوصية الدستور، فأنتج نصوصا غارقة في الجزئية، همها الأول أن يبقى الرئيس في الحكم حتى عام 2028، أي بعد أن يتجاوز الثالثة والستين.. يقول الدستور الجديد، إن الرئيس السوري الحالي بعد أن يتم ولايته في 2014، يمكنه الترشح لولايتين أخريين مدة كل منهما 7 سنوات. في حين لا يجوز لأي كان أن يتولى المنصب لأكثر من ولايتين! إن تناول دستور دولة جمهورية لحالة شخص معين سابقة لم تحدث على مستوى العالم، وتعني أن المشرعين السوريين لم تتح لهم الحرية في صياغة النصوص، أو أن الأمن تولى المهمة أصلا. لكن الخطير في الحالة السورية ليس في طرح دستور معيب، إنما لكون النظام لم يستوعب بعد رسالة الشارع، وما زال حبيس ثنائية الغي والوهم: يبيد شعبه بسلاح لم يوجه يوما إلى إسرائيل، ويؤمن في ذات الوقت بأنه محط إعجاب الملايين وبإمكانه البقاء 16 عاما! يبدو أن على الشعب السوري أن يبذل المزيد من التضحيات حتى يفهم الأسد الرسالة، فلا يزال مشوش الذهن وتختلط عليه عبارة «ارحل» بأخرى من قبيل: بالروح بالدم نفديك يا بشار. في الحقيقة، إفهام شخصية بحجم غباء الأسد مسؤولية صعبة، ولكن الشعب السوري أهل لكل التحديات، وبإمكانه نقل الثورة إلى قلب دمشق وحلب رغم زخات الرصاص وهدير الطائرات.. إن الشعب السوري الذين فجر الثورة جدير بإنجاز أهدافها وتخليصها من المختطفين. المعارضة السورية مهزلة أخرى تضاعف متاعب الثورة، فقد تسلقت نضالات الشارع دون أن تكون بحجم وعيه، وهذا ما يفسر خلافاتها وانشقاقاتها وتباين وتعدد مرجعياتها وولاءاتها. في الحالتين التونسية والمصرية، سلمت القوى السياسة بتقدم الشارع على أطرها الحزبية وأطروحاتها، فدعمت حركة الاحتجاج من الخلف إلى أن حسمت الجماهير الموقف بتنحي النظام في البلدين. على الشعب السوري أن يعيد الزخم للشارع الذي لا يفاوض ولا يهادن ولا يحج إلى الخارج، حتى يتجنب نتيجة اليمن: نهاية مؤسفة وصفقات حزبية وإقليمية تخطف نضال الشباب. إن تفويض أي من أطراف المعارضة للحديث باسم الشعب، أو تسليح الجيش الحر، سيرهن الثورة لطموحات داخلية، وأطماع خارجية لن يكون من السهل تسديد فواتيرها. ليس قدر الشعب الاختيار بين النظام أو التبعية للخارج. يستطيع أبطال سوريا إرغام الأسد على الرحيل وتبقى لهم الكرامة والسيادة. إن المعارضة برهنت على وهنها، ومن الأجدى للثورة أن ترحل عن المشهد قبل النظام.