


عدد المقالات 73
كان صاحبي كثير المجاملة مع كل من حوله، من عرف ومن لم يعرف، فهو لا يجيد الاعتذار ولا يستطيع أن يرفض أي طلب مهما كان ثقيلاً عليه أو على الأقل غير مقتنع بفعله أو ليس لديه وقت لذلك. وفي هذا السياق بدأت تتكون لدى المجتمع الذي يعيش فيه صورة ذهنية خاصة به بأنه لا يقول (لا) و(لا يمانع) و(لا يعارض) وذلك كله جعل الكثير ممن حوله يطمعون أكثر بكرمه ويطلبون منه الكثير من الأعمال والمهام والمسؤوليات بشكل لا يعقل ولا يقبل!! هذا الأمر زاد الطين بلة فهو أيضاً في عمله كذلك، فعمل أصدقائه المتقاعسين والمهملين يحول عليه لأنه لا يناقش، وبالتأكيد لا يعتذر حيث يجامل الجميع على حساب نفسه!! ازدادت الأحمال على كاهله وكثرة الضغوط جعلته غير راض عن نفسه وبدأ يشعر بالتعب والإرهاق وتراكم الأعباء ويتساءل في خلوته مع نفسه، لماذا يطلبون مني فعل كل شيء ولا يطلب من فلان أو فلان؟ لماذا أعمل الكثير من الأشياء رغماً عني مهما كان الثمن؟ لماذا أصبحت حياتي كلها مجاملة لفلان وفلان وها أنا قد نسيت حياتي الشخصية وأعمالي الخاصة!! كان يتساءل بحرارة وحماس: كيف (أقول لا) ولا يغضب مني الناس؟ كيف (أقول لا) ولا أخسر علاقاتي وصدقاتي؟ كيف (أقول لا) ولا أخسر رحمي أو عائلتي؟ كيف (أقول لا) وتكون مبررة يقتنع بها الطرف المقابل ويتفهم موقفي ويعذُرني؟ كيف أكون مجاملاً بحدود؟ وكيف أسعى بحوائج الناس بغية الأجر أو بمهام عملي الواجبة علي ولا أكلف نفسي فوق ما تطيق؟ كانت الأسئلة واقعية وجوهرية لكن الإجابات تحتاج إلى تدرب ثم تطبيق بتدرج، حيث تكون بعد ذلك عادة يمارسها الإنسان بكل انسيابية وراحة. وفي هذا الأثناء بدأ صاحبي يعكف على إعادة تقييم وضعه وتعاملاته في الحياة، من حيث الأولويات ووضع علاقته بالآخرين وفق توازنات معينة لا يخسر فيها أحدا@ من الأطراف ولا يخسر فيها نفسه وحياته. جعل الله هذا الكون متوازناً، ولا تعيش البشرية فيه سعيدة مستقرة مطمئنة إلا وهي تعيش حياة التوازن لا إفراط ولا تفريط. خدمة الناس شرف وبركة وأجر عظيم، ولكن علينا أن نميز بين ما يجب أن نفعله نحن وما يتم تفويضه للآخرين وما نعتذر عن القيام به لأسباب وجيهة نسوقها مع الاعتذار، ولهذا من تعلم فن الاعتذار واستخدمه استطاع أن يدير وقته بدل أن يدير الآخرون وقته، واستطاع أن يكسب علاقاته بدل أن يخسرها، واستطاع أن يتميز في عمله بل ويحبه لأنه يشعر بأن هذه البيئة فيها قدر من العدالة والإنصاف في توزيع المهام. وهنا يبرز سؤال خطير عن المجاملة وحدودها، وهذا سؤال في غاية العمق فأي مجاملة جلبت الضرر في النفس أو البدن أو نمط العيش أو عمل ما حرم الله فهي مذمومة، وأي مجاملة جلبت الخير والسعي بحوائج الناس باعتدال وتعميق العلاقة معهم ولم تجلب أي شر أو ضيق أو ضرر أو تفريط بما هو أهم فهي محمودة بل يؤجر عليها الإنسان أجراً عظيماً. من أصول فن الاعتذار أن نكون مباشرين وواضحين في سرد الأسباب مع الاحتفاظ بالهدوء وعدم الانفعال، وأن نطرح وجهة النظر الخاصة بنا بكل جُرأة لكن بعيدا عن التجريح أو الشخصنة أو الغضب والانفعال، فكلما تعلم الإنسان أن يعتذر عن القيام بعمل ما أو الذهاب إلى مكان ما أو المشاركة في مشروع ما لا يمثل له أهمية، كلما كان أكثر انسجاماً مع ذاته وأكثر قرباً إلى دائرة ما يحب وما يتقن. كلمة لا أو أعتذر كلمة في ذاتها ثقيلة على النفس لكن يخففها الابتسامة والشكر والثناء للطرف الآخر على الثقة وذكر الأسباب لهذا الاعتذار، بالإضافة إلى الحوار الراقي الذي يخرج عنه توصيات جديدة ربما لم تكن موجودة على الطاولة من قبل مثل تحويل الأمر لشخص آخر أو ترشيح جهة أخرى لذلك أو تأجيل تنفيذه إلى وقت قادم يكون أكثر مناسبة. وفي المقابل ففن الاعتذار مع الشخصيات التي تربطنا فيها علاقة عميقة أو رحم أو علاقة زواج لا بد أن تكون أكثر دفء وأكثر احتراماً لأهمية تلك العلاقة وحساسيتها، وحبذا لو خالط الاعتذار دعاء لطرف المقابل ومحاولة مساعدة الطرف الآخر في بعض المقترحات التي تضيف للموضوع فيشعر بحماسك ورغبتك في تمام الأمر رغم عدم قدرتك على تنفيذه. ومن استراتيجيات الاعتذار طرح الحل الوسط أي أن نصل مع الطرف الآخر صاحب الطلب إلى حل وسط نتفق عليه جميعاً. أيضا علينا أن نفهم أن هناك شخصيات متحفزة للخلاف وتحب إلقاء اللوم على الآخرين دوماً وهي لا ترضى أبداً، فلا نكترث كثيراً أو نتحسس من ذلك بل علينا تفهم شخصياتهم مع الاحتفاظ بمواقفنا. إن تعلمنا لهذه الفنون يجنبا الكثير من الحرج والارتباك في محيط العمل والعلاقات وفضاء حياتنا الخاصة كما أنه يجنبنا ما يستخدمه البعض من أساليب اعتذار غير مجدية مثل التلميح أو المماطلة أو الرسائل الغير مباشرة أو المبطنة أو توسيط طرف ثالث بين الطرفين والتي ربما تفهم على غير مقصدها ونقع في إشكال أكبر وهو الفهم الخاطئ للتصرف. إن قدرتنا على نطق كلمة لا وهي مغلفة بالحُب والاحترام والرقي للطرف الآخر سوف تجعلنا لا نعيش الضرر على المستوى الشخصي ونكسب الآخرين بدل أن نخسرهم. وهنا نذكر موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اعتذر عن أكل الضب ولم ينكر على أحد أكله، فأعطى إشارة احترام لرغبته الشخصية واحترام في ذات الوقت لرغبات الآخرين في الأكل، وهنا يكون رقي التعاطي مع ما أريد أنا وما يريدون هم. محبرة الحكيم مثل إنجليزي.. عندما تقول كلمة لا لشيء ما فلديك في داخلك كلمة نعم لشيء آخر. • مدرب ومستشار معتمد في التنمية البشرية وتطوير الذات CCT وعضو الجمعية الأميركية للتدريب والتطوير ASTD.
نيران تصول وتجول في أعماقه أطفأت العقل وعطلت الحكمة وحجبت البصر والبصيرة. أصبح ذاك الإنسان الوادع والمهذب وحشا كاسرا استبدل الهدوء بالغضب والعقل بالانفلات والحكمة وبالانتقام وأصبح إنسانا آخر لا يعرف مدى نقمته وحدود عدوانيته...
يبحر كثيراً مع رياح الماضي وانكساراته وانتصاراته وآهاته وتعقيداته وأمجاده. فالمتعة العظيمة في مخيلته هي العودة للماضي أو الهروب للمستقبل. وبين هذا وذاك ضيع الحاضر الذي ينتظر منه الكثير من العمل والتركيز والمبادرات والمشاريع. والحاضر...
في يرعان الشباب وعلى أعتاب المرحلة الثانوية وسؤال الوجهة والتخصص والمسار هو السؤال الأبرز على طاولة حياته. الكل حوله يوجهونه ويقترحون عليه لكن حسب ما يردون هم وليس حسب ما يريد هو!! أحس بالممل من...
لطالما أمعن النظر في أحوال الناس من حوله وكان يركز على جانب السعادة لديهم. نظرات الغبطة تخرج من عينه والكثير من الأسئلة يطرحها عقله حيث ظل يردد «يا سعدهم». على الضفة الأخرى كان يقارن أفضل...
كان يُشاهد نشرة الأخبار وحيث السياق في تلك النشرات عن الحروب والدمار. فرئة الإعلام لا تتنفس إلا من خلال الإثارة التي لا تتوفر إلا في مواطن الصراع أو التنافس. كان المذيع يصف حالة الحرب حيث...
عينه دائماً في أعينهم, يرقب ردود الأفعال ويتأمل الوجنات والإيماءات, حريص جداً على رضاهم مهما كلف الأمر. قبل أن ينام يبدأ بعد الأشخاص ويتساءل هل فلان راض علي؟ ويعتقد أنه سوف يحصل رضا كامل الدسم...
وجد ضالته بها؛ فأصبح يستخدم هذه الكلمات لتبرير الكثير من الأحداث من حوله. تعثره الدراسي وانعزاله الاجتماعي وفشل تجارته وأعماله وتأخر الكثير من ملفات حياته. بدأت اللعبة تكون أكثر إغراء ومتعة!! فبدأ الأصدقاء والأقارب من...
تعرفه من قيادته للسيارة، فهو في عجلة دائماً، يصيبه الاكتئاب من منظر الإشارة الحمراء، ويشعر بالضيق عندما يرى السيارات تمشي ببطء من الزحمة! يقود السيارة بتهور لا محدود، وفي النهاية المشوار الذي يذهب إليه هو...
يبهرني مشهد رسول عظيم عليه الصلاة والسلام وهو المعصوم عن الخطأ والمسدد بالوحي يُلح على أصحابه قائلاً «أشيروا عليّ». وعمر رضي الله عنه يدين لأحد الصحابة لأنه أنقذه من قرار خاطئ ويقول «لولى معاذ لهلك...
خرج من منزله وفي جيبه العلوي 500 ريال تدفي قلبه وتحسسه بالأمان المالي على الأقل لفترة قصيرة.. لكن بعد أن عاد إلى المنزل في نهاية اليوم, صاح يردد وعلامات التعجب تملئ وجهه «وين فلوسي وين...
بعد زيارته لتلك المدينة سألته عن انطباعاته عنها. فقال لي: جميلة بس كل أهلها بخلاء. وعندما انعطف بنا الحديث لسؤاله عن إحدى الشركات قال: شركة ممتازة لكن القائمين عليها كلهم فاسدون!! استمر الحديث حول مرئياته...
تجده يعمل في كل صنعة ويهتم بكل خبر، في الحوار مع الآخرين يفتي في كل شيء ولن تجد لكلمة «لا أعلم» أي تواجد في قاموسه. متعة في العمل التجريب الدائم والانتقال المستمر، فاليوم في وظيفة...