alsharq

د. وائل مرزا

عدد المقالات 101

حين (يندسّ) المثقفون والفنانون في الثورة السورية

24 يوليو 2011 , 12:00ص

أين نجد الإجابة الواضحة على الأسئلة المطروحة في سوريا اليوم حول (السلفيين المندسّين) و(العصابات المسلّحة) و(الطائفية)؟ يمكن الحصول على الإجابات في ألف مكان ومكان. لكننا سنحاول البحث عنها في هذا المقال من خلال أقوال ومواقف مجموعة من الفنانين والمثقفين والكتاب السوريين. ذكر الكاتب والفنان إياد شربجي منذ أيام في صفحته مايلي: «يتلقّى أصدقائي الفنانون مي سكاف وفارس الحلو ومحمد آل رشي عشرات الاتصالات البذيئة يومياً تعقيباً على موقفهم من الثورة السورية، لكن البارحة وصلت بعض التهديدات إلى القتل والتصفية الجسدية، وقد تبين لنا أن الجيش الإلكتروني (البطل) هو من عمم أرقامهم وطلب من (جنوده) فعل ذلك.. استمرّوا في إعطاء المبررات للناس بالنزول إلى الشارع.. ما أغباكم! وما أقذركم!. للعلم، إياد فنان سوري شاب حصل حين كان عمره 21 عاماً على المرتبة الثانية لمسابقة كاتب أفضل قصة قصيرة عربية، وهو يكتب مقالات صحافية في الصحف السورية والعربية فضلا عن سيناريوهات لمسلسلات معروفة مثل (بقعة ضوء)، كما أنه نائب رئيس اتحاد الصحافيين الشباب العرب ورئيس تحرير مجلة (شبابلك). كان إياد قد اعتُقل مع مجموعة من الفنانين والمثقفين الذين خرجوا تأييداً للثورة السورية ومطالب الشعب بالحرية والكرامة وإقامة دولة مدنية تعددية. حصل هذا يوم الأربعاء 13 يوليو الحالي حين خرجت تلك المجموعة في قلب دمشق وهي تضم المذكورين أعلاه ومعهم آخرون منهم الكاتبتان ريم فليحان ويم مشهدي، والمخرج السينمائي نضال حسن، والمصور فادي الحسين، والمصور الصحافي مظفر سلمان، والسينمائية ساشا أيوب، والمخرج الفني فادي زيدان، والحقوقية مجدولين حسن، والناشطة دانا بقدونس، والناشط وطبيب الأسنان بلند حمزة، والفنانة غيفارا نمر، والإعلامي مهند منصور، والناشطتان سارا الطويل ونور بوتاري، والفنانان محمد وأحمد ملص. ذكر إياد الأسماء المذكورة وكتب على صفحته شهادته على ثلاثة أيام من الاعتقال، نورد منها هذه الفقرة المُعبّرة: [... بعد قليل تقدّم منا ضابط برتبة رائد، عرفنا لاحقاً أن اسمه (أمين هواش) وهو من دير الزور (احترامي لكل أهالي دير الزور لكنني أصف واقع الحال فحسب)، كان يتحدّث بعنجهية وأنفة كبيرة وينظر إلينا بازدراء شديد، وطلب أن ينفصل الفتيات عن الشباب ففعلنا، تفحّصنا واحداً واحداً، سأل يم مشهدي عن اسمها فأجابته، ثم قال لها: «شو بتشتغلي؟» ردت: «كاتبة سيناريو» فرد عليها بغباء شديد: «شو يعني؟» قالت: «بكتب مسلسلات» قال: «وبتمثلي فيها يعني؟» فتنهّدت وقالت «لأ... أنا بكتب القصة ايللي بيمثلوها الممثلين» قال «تبع التلفزيون يعني؟» قالت:»إي»، ثم عاد إلى الخلف... نظر إلينا جميعاً وقال: «مين زعيمكن؟» فقلت له أنا: «ما عنا زعيم... كلنا مثل بعضنا» لم أكن أدري ماذا ستجني علي هذه الكلمة لاحقاً، أشار لي بإصبعه وقال» تعا لهون لشوف» تقدمت فقال لي: «مين إنت؟» فرددت عليه مباشرة: «أنا مواطن سوري» وإذ بوجهه ينتفخ وعيناه تجحظان، ثم مدّ يده وسحبني من قبة كنزتي بعنف، فتقدمت مي سكاف من خلفي وأرجعوها لمكانها، ثم جرّني الرائد أمام الجميع إلى الغرفة التي تقع مباشرة خلف باب الفرع (غرفة بعرض حوالي 3 أمتار وعمق 8 تقريباً) ولحق به بعض العناصر وأغلقوا الباب خلفهم، وقال وهو يرمي الدفتر من يده على الكرسي استعداداً للهجوم «يعني إنت العر.. تبع هالشرا». فقلت له: «لو سمحت نحن كلنا ناس مثقفين ومتعلمين ما بسمحلك تحكي معنا بهالطريقة» وبالكاد أكملت جملتي وإذ بلطمة قوية تصفق خدي حتى أن النظر غاب عني لثوان، فصرخت بأعلى صوتي ورجعت إلى الخلف وأنا أضع يدي على خدي فاتحاً فمي بدهشة، وقلت له «عم تضرب!!»، حدثت بلبلة وهمهمة في الخارج على صوت صرختي وعلمت لاحقاً أن ساشا أيوب ركضت نحو باب الغرفة فنالت لكمة على وجهها هي الأخرى. أخرج الرائد «أمين هواش» رأسه من باب الغرفة وقال لمن في الخارج «مافي شي مافي شي عميعيط لحالو» ثم أغلق باب الغرفة ورجع إلي والشرر يتطاير من عينه وشهر أصبعه بوجهي مهدداً بصرامة «إذا بسمع صوتك أقسم بالله بقبرك هون يا منـ...». كان وجهه مرعباً، جانب شفته اليمنى التصق بعينه فظهرت أسنانه الوسخة التي تشبه سياج المنازل الصدئ، ومع إشارات مهددة من يديه لم أرها من أيام شغب طلاب المدارس صار هذا الرائد أشبه بالوحش، فعلاً كانت هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها وجهاً فيه كل هذه التفاصيل الحاقدة، ثم اقترب مني، وبدون سابق إنذار بدأ ينهال على وجهي وبطني لطماً ورفساً وأخذ يلكمني على رأسي، وكان يشتم طوال الوقت وهو يضرب «يا بن الشر.....، راسك والثقافة تبعكن بحطهن تحت صرمايتي يا بن العر......، أنا هون ما عندي هالأكل خر.. تبعكن، حقكن صرماية على راسكن وراس أهاليكن يا ولادين الشرا......، أنا بدوي وما أفهم حقكن نص فرنك عندي» كان الأمر صادماً جداً لي، فمنذ 25 عاماً لم يصفعني أحد على وجهي، لا أدري لماذا صمتّ في هذه اللحظات، كان يصفقني ويصفعني ويلكمني وأنا أنظر إليه وعيناي مدهوشتان دون أن أتلفّظ بحرف، حتى اللحظة لا أعرف كيف جبنت وسكتُّ وأنا الذي تعوّدت المواجهة دائماً، لن أنسى تلك اللحظات ما حييت، ولن أنسى أنها أطاحت ببقية خوفي للأبد، رغم ذلك فقد كان الأمر صادماً جداً لثقافتي وأخلاقي وكل شيء، لحظتها طار كل شيء من دماغي، لم أكن أشعر سوى بالألم على رجولتي، وكيف يطيح بها أخ سوري لي بهذه الطريقة، هذه اللحظات ستبقى تحفر مكاناً لها في وجداني حتى أموت..]. للعلم أيضاً، ينتمي أعضاء المجموعة الصغيرة أعلاه إلى معظم الطوائف التي تكوّن الشعب السوري، وهو ما يعني الكثير في معرض الإجابة على الأسئلة المطروحة في بداية هذا المقال. بعد المظاهرة المذكورة بأيام، حضر المفكر والاقتصادي الدكتور عارف دليلة عزاءً للشهداء في حيّ القدم بدمشق وتحدث عن الوحدة الوطنية، وحضَرَت العزاء نفسه السيدة وجدان ناصيف التي نقلت رسالة من أهلها في السويداء وجبل الشيخ تؤكد بأن الشعب السوري يدٌ واحدة وبأن هذا الشعب لن يسمح للفتنة الطائفية بأن تقتل ثورته المباركة. وكان الكاتب والمثقف جورج صبرا قد ألقى كلمة تؤكد على نفس المعاني قبلها بأيام في عزاء شهداء حي معضمية الشام، وتم إلقاء القبض عليه بعد يومين. هكذا، تردُّ شريحةٌ حرة من المثقفين والفنانين والكتّاب السوريين على شبهاتٍ فارغةٍ وهزيلة يُخوّفُ بها النظامُ البعضَ في الداخل والخارج. هكذا، يسترجع هؤلاء دورهم المطلوب بأن يكونوا ضمير الشعب ووجدانه. وهكذا تُثبت الثورة إصرارها على السير في طريقها إلى أن تُولد من رحم التضحية والآلام سوريا الجديدة.

الحكومة المؤقتة في سوريا.. أو الطوفان

بعد بضعة أيام من نشر هـذا المقال، يعقد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية اجتماعاً سيكون من أكثر الاجتماعات حساسية في تاريخه وتاريخ الثورة السورية، إن لم يكن أهمها على الإطلاق. وتنبع خطورة الاجتماع بالدرجة...

الثورة السورية.. وقصة البشرية على الأرض

{وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة قالوا أتجعلُ فيها من يُفسدُ فيها ويسفكُ الدماء ونحنُ نُسبّحُ بحمدك ونُقدّس لك قال إني أعلمُ ما لا تعلمون}. بغضّ النظر عن الحشو الذي يملأ بتفاصيله...

عرب المشرق وطوفان إيران

لم يعد ثمة مجالٌ على الإطلاق، وبأي حسبةٍ من الحسابات، أن يسمح عربُ المشرق، ومعهم تركيا، لهذا الطوفان الإيراني أن يجتاح المنطقة بهذا الشكل الصارخ، ليس فقط في قباحته وابتذاله، بل وفي دلالات الموقف الدولي...

الثورة السورية بين مفتي السعودية والقرضاوي

منذ بضعة أيام، صدرت عن الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مواقفُ نعتقد أنها غير مسبوقة، وأن دلالاتها السياسية والدينية والثقافية تحتاج إلى كثيرٍ من التأمل. خاصةً عندما نفكر بأسبابها من جهة، ومآلاتها...

هل تفهم أميركا الثورة السورية بشكلٍ استراتيجي؟

قلائلُ هم الرؤساء الأميركان الذين يعرفون لماذا وصلوا فعلاً إلى البيت الأبيض, وماذا سيفعلون فيه على وجه التحديد. هذه حقيقةٌ معروفةٌ في أميركا، رغم أن عدد ساسة هذا البلد الذين يحلمون بالوصول إلى أهم موقعٍ...

الثورة السورية والمشهد الإقليمي

ما من شكٍ أن ثوار سوريا على الأرض كانوا ولا يزالون وسيبقون أصحاب القرار الحقيقي، لا نقول فيما يتعلق بمصير الثورة السورية، وإنما في تحقيق نصرها المؤزر في نهاية المطاف. لكن هذا لا يتناقض مع...

الحكومة السورية المؤقتة نقلة في عمل المعارضة

من الممكن جداً أن يكون تشكيل الحكومة السورية المؤقتة نقلةً هامة على طريق تحقيق أهداف الثورة السورية. ثمة مؤشرات عديدة على أن هذا الأمر في وارد الحصول، رغم الشكوك التي يطرحها البعض هنا وهناك. يبدأ...

الحكومة السورية المؤقتة.. حقائق وشبهات

منذ أكثر من خمسة شهور، وفي لحظة تأسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، كان أعضاؤه يعرفون، ومعهم العالم أجمع، أن الائتلاف هو المؤسسة الأم التي ستتولد عنها ثلاث مؤسسات أخرى أحدُها الحكومة المؤقتة. لم...

تحدي «استقلالية» قرار الثورة السورية

كثيرةٌ هي التحديات التي تواجه الثورة السورية، لكن تحدي الحفاظ على (الاستقلالية) بحساباتها وموازناتها الشاملة قد يكون أكثرهاً خطورةً وأهمية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الموقع الاستراتيجي لسوريا فإن التعامل مع هذا التحدي كان وسيبقى مهمةً...

الحكومة السورية المؤقتة: لماذا وكيف؟

كلما قلتُ متى موعدُنا ضحكت هندٌ وقالت بعد غد. قد يعبّر هذا البيت من الشعر العربي عن حال الثورة السورية مع معارضتها السياسية. فرغم المحاولات المختلفة للقيام بالدور المطلوب من قِبلها، لا تبدو هذه المعارضة...

«الهجرة» السورية الكبرى

يمكن وصف الثورة السورية بألف طريقة وطريقة، فهي تحمل في طياتها بحراً من المعاني سيأتي قريباً اليومُ الذي تظهر دلالاتهُ الحقيقية للناس. لكن وصف (الهجرة) قد يبدو في هذه المرحلة مُعبّراً عن واقع السوريين أكثر...

سوريا.. ولادةُ وطن

في عددها مطلع الأسبوع الماضي، نشرت مجلة الإيكونوميست البريطانية مقالاً بعنوان «سوريا، موت وطن». وعلى غلاف العدد، وضعت المجلة رسماً من ثلاثة أسطر يُعبّر عن دمار سوريا بشكلٍ تدريجي وصولاً نحو الخراب الكامل. بعدها بأيام،...