alsharq

أحمد بن راشد بن سعيّد

عدد المقالات 189

موت «حزب الله»!

22 مايو 2013 , 12:00ص

وصل ما يُسمى "حزب الله" إلى نقطة اللاعودة في مشروعه "المقاوم"، وألقى بثقله في ريف القصير بحمص، كاشفاً بذلك القناع عن حقيقته، ومؤكداً الاتهامات التي طالما وجهت إليه باتخاذه "المقاومة" ذريعة لتنفيذ أجندة إيرانية في المنطقة لا علاقة لها بالاحتلال الإسرائيلي، وتتجاوز لبنان إلى المنطقة العربية بأسرها. وما كان لهذه الحقيقة أن تظهر جلية، لولا الثورة السورية، وإصرار الحزب على الزج بنفسه فيها، والتورط في أتونها. وكما خسر نظام بشار الأسد كل رصيده الخطابي "المقاوم"، فعل "حزب الله" الشيء نفسه، و"ذبح" دعايته على الأرض السورية عندما أوغل فيها سافكاً الدماء وهاتكاً الأعراض. توارى الحُلُم الفارسي الذي ضرب أطنابه في الضاحية والجنوب، وتعرّى وجه الطائفية الكريه الذي لا يمكن أن يبقى حبيس الشعارات إلى الأبد، وبدا أن كل هذا "الاستثمار" الدعائي يتهاوى، وكل ما بنته إيران وتولى كبره حسن نصر الله يفقد بريقه: التمويل الهائل، التدريب المستمر، التسليح النوعي، شبكة المؤسسات المنبثقة من الحزب والتي تشكل روافد لتغوله في الأرض اللبنانية، التمثيل السياسي في البرلمان وما يسمى "كتلة الوفاء للمقاومة"، الأقنية الدعائية للحزب، وغيرها مما يشكل في حقيقة الأمر "دولة" مكتملة برموزها وأعلامها وممثليها الذين يتلقون التعليمات من "الولي الفقيه" في طهران، ويتحدثون باسمه، ويرفعون صوره، ويزورونه من آن لآخر ليقبلوا يديه ويحظوا ببركته، ويرددوا أمام الكاميرات شعارات "النصر الإلهي" و "الوعد الصادق". لكن الامتحان الأكبر لصدقية "المقاومة" لم يتأخر كثيراً، ولم يملك حسن نصر الله إلا طاعة وليه، والتوجه إلى دمشق للدفاع عما يسمى "مقام السيدة زينب"، ثم التورط في العدوان على القصير بدوافع طائفية بحتة لم يخفها الشبيح المعمم. لا تقية بعد اليوم، فقد بلغت القلوب الحناجر، و "النواصب" يهددون "أهل البيت" من جديد. موقع "شفاف الشرق الأوسط" قال إن نصر الله خاطب من الهرمل عصاباته في القصير عبر اللاسلكي هاتفاً: "لبيك يا صاحب الزمان، وأدركنا يا صاحب الزمان...لكم منا كل التحايا أيها الحسينيون..أنتم شجاعة العباس، وأصحاب الحسين بكربلاء، يا صرخة زينب عبر التاريخ التي هزت عرش يزيد واليزيديين...أنتم في القصير تقولون: "لن تُسبى زينب مرتين"، ليتني كنت معكم، ليتني رصاصكم، ليتني زغردة حناجركم، حياكم الله، ونصركم على الضلال كله والكفر كله" (19 أيار/مايو 2013). كأنما يعيد التاريخ القريب نفسه عندما حاصرت حركة أمل مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في بيروت الغربية عام 1985 حتى اضطر سكانه إلى أكل العشب والقطط والكلاب، وكان شعار الحركة حينها: "يا لثارات الحسين!". ها هو "حزب الله" يخسر "شرعيته" التي بناها وحاول تسويقها من خلال تصديه لإسرائيل. إنه "بيت العنكبوت" الذي ينسج خيوطه من الوهم، ثم لا يلبث أن يتداعى، "وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت". هي قصة الباطل الذي لا يصمد أمام الحقيقة، فيتحول إلى "زبَد" سرعان ما يتلاشى، فينفض من حوله الجمع، ويتفرق السامر. "كذلك يضرب الله الحق والباطل، فأما الزبد فيذهب جفاءً، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض". عندما سقطت بيروت عام 1982 أمام آلة الغزو الشارونية، صدح ممدوح عدوان: "سقطت بيروت..سقطت آخر ورقة توت". لكنها لم تكن الأخيرة، لأن ثمة "ممثلين" جدداً ظهروا على المسرح. وهنا جاء دور دمشق لتسقط اوراق التوت الجديدة؛ لتعري الممثلين الجدد. "أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانَهم. ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتَهم بسيماهم، ولتعرفنّهم في لحن القول". كنت أتساءل: كيف سينتهي هذا الحزب الذي تغول على الأرض اللبنانية عقوداً، حتى تحول إلى "أخطبوط" يكاد يأتي على الدولة من القواعد، ومن هي القوة التي ستقص مخالبه وتحبط أهدافه، لاسيما في ظل "تكيّف" إسرائيل مع وجوده، وامتناع الغرب عن تصنيفه "منظمة إرهابية"، وتقبلهما مشاركته في النظام السياسي اللبناني، فإذا به يخرج إلى حتفه بظلفه. "ما ظننتم أن يخرجوا"! تأبى فلسطين أن يدعي وصلاً بها رموز النفاق. تأبى إلا أن تكون ناصعة كفاتحها عمر، ونقية كمحررها صلاح الدين. وحدها "الأيدي المتوضئة" ستعيدها إلى حضن الأمة، لا الأيدي الوالغة في دم بانياس وداريا وجديدة عرطوز. ذات يوم غنت فيروز: "وستمحو يا نهر الأردن..آثار القدم الهمجية". لن تستبدل القدس الذي هو أدنى بالذي هو خير. إنها تكره وجه حسن نصر كما تكره وجه أرئيل شارون. إنها تمقت العمامة الشيعية كما تمقت الطاقية اليهودية. القدس لا ترى فرقاً بين عباءات المتدينين اليهود الذين يهزون رؤوسهم باكين أمام حائط البراق في القدس، وبين عباءات المعممين الشيعة الذين يلطمون صدروهم أمام "السيدة زينب" في دمشق. إنها تبصق في وجوههم جميعاً؛ لأنهم غرباء عنها، ويختزنون في صدورهم إرثاً من الحقد على هذه الأمة منذ فجر التاريخ. فريق يستدعي أسطورة "أرض الميعاد"، وفريق يستدعي أسطورة "مظلمة أهل البيت". نحن لا نفرق بين من ذبح أهلنا في دير ياسين المقدسية عام 1948، وبين من ذبح أهلنا في بانياس على الساحل السوري عام 2013. هي الأيدي نفسها. العقيدة المتوحشة نفسها. الوجوه القبيحة نفسها. وحدنا نحن المسلمين (أهل السنة) من يملك ثقافة جميلة متحضرة لا سراديب فيها ولا حوزات؛ لا "مراجع" يفتون بقتل "الآخر" السني"، ولا "حاخامات" يفتون بقتل "الآخر العربي" بالصواريخ "على كيف كيفك" كما قال يوماً الحاخام اليهودي عوفاديا يوسف. يتساءلون: هل سيموت ما يسمى "حزب الله؟". الجواب: مات الحزب. لقد لفظ أنفاسه في الشام، حتى وإن بقي "سريرياً" تحفه شياطين الخزي واللعنة. كبيرة جداً هي تضحيات أهلنا في الشام. مؤلمة حد القهر هي الخسائر الباهظة في الأرواح والممتلكات والآثار. لكن قدر المؤمن أن يكون صابراً عند البلاء، ثم إن العدو يألم كما نألم، ونرجو من الله ما لا يرجو. عندما تضع الحرب أوزارها، سنعد الدروس التي تعلمناها، وسنكتشف أنه لولا الله لبقينا أسرى "العنكبوت". كان القيادي الفلسطيني صلاح خلف (أبو إياد) يقول إن إسرائيل ليست أكثر من جرح في جسد الأمة، ولا بد للجرح أن يندمل. الصفوية الشعوبية ليست أكثر من جرح آخر، وملامح التعافي منه باتت وشيكة. ستنتصر الأمة على عدوها الداخلي، لأن قتلة الأطفال والنساء ليسوا "عباداً صالحين"، ولا يمكن أن تكون لهم عاقبة الدار. ستنتصر الشام؛ لأن معركتها كفلسطين؛ ببساطة اللونين الأبيض والأسود: بين الإنسانية والوحشية، وبين العدالة والظلم. وبرغم كل هذا الليل، تضيء وجوه ثوارنا في القصير، ويطل علينا هادي عبد الله عبر الشاشات بعزم المؤمن ليؤكد لنا صمودهم وتقدمهم رغم خذلان ذوي القربى. كأن محمود درويش يختصر لنا المشهد بهذه الكلمات: دمشقُ انتظرناكِ كي تخرجي منكِ كي نلتقي مرةً خارج المعجزات انتظرناكِ والوقتُ نام مع الوقت والحبُّ جاء فجئنا إلى الحرب نغسلُ أجنحةَ الطير بين أصابعكِ الذهبية يا امرأةً لونُها الزّبَدُ العربيُّ الحزينُ دمشقُ النّدى والدماء دمشق النّدى دمشق الزمان دمشق العرب كوني دمشقَ التي يحلُمون بها فيكونُ العرب والشامُ تبدأ منّي أموتُ و يبدأ في طرُقِ الشام أسبوعُ خَلقي و ما أبعدَ الشامَ، ما أبعد الشام عني..! و سيفُ المسافة حزَّ خطاياي...حزّ وريدي فقرّبني خنجران العدوُّ وموتي وصرت أرى الشامَ.. ما أقرب الشامَ مني! أراكِ على بُعد قلبين في جسدٍ واحد كنتِ العقيدة وكنتُ شهيدَ العقيدة وكنتِ تنامين داخل جرحي وفي ساعة الصفر تمّ اللقاء وبين اللقاء وبين الوداع أودّعُ موتي وأرحل ما أجمل الشام.. لولا الشآم وفي الشام يبتدئ الزمنُ العربي وينطفئ الزمنُ الهمجي أنا ساعةُ الصفر دقّت وشقّت خلايا الفراغ على سطح هذا الحصان الكبير الكبير الحصانِ المحاصَر بين المياه وبين المياه أعدَّ لهم ما استطعتَ وفي جثّتي حبةٌ أنبتتْ للسنابل سبعَ سنابل...في كلِّ سنبلةٍ ألفُ سنبلةٍ هذه جثّتي أفرغوها من القمح ثم خذوها إلى الحرب أحرقوها بأعدائها ليتسعَ الفرقُ بيني وبين اتهامي وأمشي أمامي ويُولد في الزمن العربيّ نهار *أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الملك سعود https://twitter.com/LoveLiberty

رسالة اعتذار من صهاينة الخليج

نحن الموقّعين أدناه نعتذر إلى الإنسانيّة عن تاريخنا؛ عن ثقافتنا المفخّخة بالعنف؛ عن سيرة أجدادنا الملّطخة بالدماء. نعتذر عن ما كانوا يسمّونه «الفتوح الإسلامية»، وما كانت سوى عمليات غزو واسترقاق، وإجبار للسكان الأصليين على دفع...

السكوت علامة العار

في البدء كانوا مجاهدين، ثم صاروا فدائيين، ثم مقاومين، وتدريجاً أصبحوا مسلّحين، فكان طبيعياً أن يصبحوا في نهاية اليوم، «إرهابيين»، ثم يُسدل الستار على الفاجعة، ولمّا تنته. يصبح الإسرائيلي ضحية، وتصبح أفعاله دفاعاً عن النفس...

اليمن: الانفصال انقلاب آخر

اليمن تاريخياً بلد واحد غير مقسّم، والتقسيم إضعاف لهذا البلد، وتشتيت لشعبه، وفتح أبوابه لتدخّلات عسكرية وقواعد أجنبية واضطرابات وحروب قد تكون أسوأ من وضعه إبّان الانفصال القديم في الستينيات والسبعينيات. وبينما يتّجه العالم إلى...

ابن الغلامي والكرتون!

حدّث سهم بن كنانة، قال: كان في القرن الخامس عشر بجزيرة العرب، رجل يزعم أنّه واحد دهره في الأدب، وأنّه أدرك من أسرار البيان، ما لم يدركه إنسٌ ولا جان، وقد اشتُهر بابن الغلامي، أو...

لن أتوقّف عن الصّمت!

علّمونا ونحن صغار أنّ «الصمت من ذهب»، وكان جدّي لأمّي يكرّر لي البيت: يموت الفتى من عثرةٍ من لسانِهِ/وليس يموت المرءُ من عثرة الرّجْلِ، وقديماً قال جدّنا أكثم بن صيفي: «الصمت حُكمٌ وقليلٌ فاعله». كبرنا،...

إذا كان الاستفتاء انقلاباً فالحياة هي الموت!

قبل الاستفتاء على التعديلات الدستورية في تركيا، وأثناءه وبعده، لم تتوقف جريدة الحياة اللندنية عن الهجوم على الحكومة التركية. كانت هذه الصحيفة معروفة إلى عهد قريب بحرصها على عدم إبراز أيديولوجيتها، وباستقطابها كتّاب رأي ليسوا...

تركيا: الرجل لم يعد مريضاً!

كان يا ما كان، في آخر الزّمان، أنّ رجلاً كان مريضاً فتعافى، فغضبت عجوزٌ كانت ذات يوم سبباً في إمراضه حتى مزّقته إرباً إرباً، وطفقت تولول وتشقّ جيبها، وتدعو بالثبور، وعظائم الأمور، فلم تكن تتوقّع...

كوني حرّة: كم من باطل أزهقته كلمة!

حدّث سهم بن كنانة، قال: في أواخر القرن الرابع عشر، قبل أن تُولد الفضائيات وتنتشر، ظهرت في جريدة اسمها «اليوم»، قصيدة أثارت كثيراً من اللوم، وكانت متحرّرة القوافي، واسم كاتبها حميد غريافي، وقد جاء في...

الأمير تميم: خطاب العقل في مواجهة الذين لا يعقلون

تسعى الخطابة السياسية عادةً إلى توحيد المواقف، وردم الفجوات، والتركيز على القواسم المشتركة. هذا هو لبّ الخطابة وفلسفتها عبر التاريخ: الدعوة إلى «التعاون»، وإحياء الروح الجماعيّة، وتغليب المصلحة العامة على الخلافات البينيّة. لكنّ ذلك لا...

الموصل: الموت على أيدي «المحرِّرين»!

كنّا نعرف أنّ «تحرير» الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، من قبضة تنظيم داعش سيكون دامياً، وكنّا نترقّب فقط مشاهد القتل الجماعي لأهل تلك المدينة بحجة تحريرهم من الإرهاب. لكن لم نكن نتوقع أنّ المجازرستثير في...

اليوم العالمي للنّوم!

حدّث سهم بن كنانة، قال: اعتراني ذات يوم السأم، وشعرت بأنواع الألم، وجفا عينيّ الكرى، وعادت صحّتي القهقرى، فراودتني الرغبة في الخروج، والاستئناس بين المروج، ودُللتُ على قرية تُسمّى «سراج»، شعارها «لدينا كلّ ما تحتاج»،...

أقوى من النسيان: التشنّج الأوروبي من الاستفتاء التركي

كان الرئيس التركي، أردوغان، محقّا في اتهامه عدداً من دول الاتحاد الأوروبي بالارتهان للفاشية والنازيّة إثر إلغاء ألمانيا عدداً من التجمّعات الانتخابيّة التي كان من المقرّر أن يحضرها وزراء أتراك في مدن ألمانيّة، ومنع هولندا...