alsharq

نواف بن مبارك بن سيف آل ثاني

عدد المقالات 122

من مذكرات مراقب عربي (4/5)

21 مايو 2013 , 12:00ص

نستكمل اليوم عزيزي القارئ الجزء الرابع من سلسلة «المقتطفات المختصرة» من مذكرات مراقب عربي، وأقول مختصرة لأنني وبكل بساطة لم ولن أستطيع التطرق إلى كل التفاصيل التي يمكنني التطرق إليها لدواعٍ قانونية أو اعتبارات إنسانية أخرى، لا سيما أن هناك أشخاصاً يتعلق بهم ما يمكنني قوله، وهم ما زالوا في الداخل السوري، وقد يعرّض ما قد أفصح به أنا -أو غيري- حياة هؤلاء إلى الخطر، ولذلك بذلت قصارى جهدي في توخي الحذر في ذلك، وربما وبعد انتهاء هذه الأزمة أو في أي وقت في المستقبل سأتحدث عن مثل تلك الأمور «بكل تفاصيلها»، أما اليوم فسأتحدث كما في الأسابيع الماضية عن الوضع في بعض المدن السورية التي قمت بزيارتها كجزء من فريق المراقبين العرب وبعض من قابلتهم هناك، حيث كانت آخر تلك المدن هي مدينة الكسوة في ريف دمشق. الكسوة وصلت و«البعثة المصغرة» المعتادة -التي كانت تتألف من خمسة أعضاء- إلى مشارف مدينة الكسوة جنوب العاصمة السورية دمشق، ولقد بذلنا قصارى جهدنا -في ظل تدخلات النظام المستمرة في عملنا وتعاون رئيس البعثة معهم- في الاستقرار على إحدى مدن أو قرى ريف دمشق في اللحظات الأخيرة كي لا نعطي النظام المجال في تحريك قواته إلى تلك المنطقة أو القيام بحملة اعتقالات «استباقية» لمن في المدينة التي سنزورها ممن «قد يشك فيه فقط» بأنه ضد النظام أو الرئيس. وبالفعل قمنا بإبلاغ «مرافق» النظام الأمني بقرارنا في اللحظات الأخيرة بالذهاب إلى مدينة الكسوة، ونظراً لما قامت به مجموعتنا المصغرة في مدينة الزبداني، والتي كان أغلب أعضائها ورئيسها من دولة قطر من كشف للحقائق هناك، حرص جمع غفير من الصحافة الغربية على مرافقتنا إلى مدينة الكسوة. بعد وصولنا قمنا أولاً بزيارة مركز الأمن هناك ومقابلة قائده وبعد دقائق من توجيهه بعدم التدخل في عملنا داخل مدينة الكسوة توجهنا إلى وسط المدينة، التي كانت كباقي المدن السورية التي زرناها بعد دخول شبيحة النظام إليها، فكانت موحشة في بداية دخولنا لها وكأن من بها قد اختفى، إلا أنه وبعد أن وصلنا إلى منتصف المدينة ظهرت الجموع الغفيرة، والتي هتفت بسقوط النظام وإعدام الرئيس. وقامت تلك الجموع بترديد عبارة «كسواني شو عم تستنا هاي اللجنة صارت عنا» في محاولة منهم لإخراج باقي الأهالي من منازلهم، ويجب أن أعترف أنه أثناء تجولي وسط هذا التجمهر في شوارع الكسوة التي كانت جدران منازلها تمزج بين آثار القصف وطلقات النيران وسواد الحرائق التي اندلعت في بعض مبانيها من قبل النظام، فقد لاحظت في وسط كل هذا أن من كانوا هناك إما نساء أو شباناً صغاراً -لا تتعدى أعمارهم الستة عشر عاماً «أي أطفال»- أو رجالاً مسنين، ولم أنتبه إلى هذه الملاحظة إلا بعد ساعة تقريباً من التحدث مع أهالي المدينة، وعند الاستفسار من أهالي المدينة أبلغوني بأن النظام قد أرسل «حافلات» مليئة بالشبيحة قاموا باعتقال أغلب الشبان في أحياء معينة في الكسوة ترقباً لزيارة البعثة، تصرف لم أسمع به أو أشاهده منذ أن قرأت قصص النازية أو التطهير العرقي في أوروبا الشرقية والبلقان، ولم أتوقع يوماً ما أن أشاهد هذا القتل والتشريد والاعتقال بأم عيني قط. بعد مضي ما يقارب الساعة والنصف على وصولنا إلى مدينة الكسوة وفي أثناء تدويني ما يحدث وتحدثي إلى أهالي المدينة أقبلت علي مجموعة من الأطفال تتراوح أعمارها بين العاشرة والسادسة عشرة وقد ظهرت عليها ملامح «تقدم العمر» لما شاهدوه من مآسٍ، وطلبوا مني أن أتبعهم إلى «حيث الدمار الحقيقي»، فأبلغت قائد المجموعة أنني سأبتعد عنهم قليلاً كي أشاهد هذا الدمار، وقال لي أكبرهم سناً «المكان ليس بالبعيد»، فمشينا في الأزقة والشوارع الضيقة لأحياء الكسوة وبين المنازل، حتى لم أعد أستطع مشاهدة باقي رفقائي، فاستفسرت منهم «هل هذا المكان بعيد؟» فقالوا لي: «لا، ليس بالبعيد.. تعال!». وبعد مضي ما يقارب الربع ساعة أو يزيد وصلنا إلى أحد أطراف الكسوة بالقرب من جدار عالٍ، فقال لي الطفل الذي معي متوشحاً بالعلم السوري الحر «انظر خلف الجدار»، ويجب أن أعترف هنا أنني بدأت أنتبه إلى ما يحدث، فنظرت «وبكل حذر» إلى ما خلف الجدار، وهنا شاهدت رتلاً عسكرياً من الدبابات عند حاجز أمني لا يبعد عن الجدار سوى بضعة أمتار، ومن الواضح أيضاً أن بعض الجنود قاموا بالترجل عن آلياتهم وقد بدؤوا بالسير نحو هذا الجدار، وقد علمت لاحقاً أنهم كانوا ينتظرون خروج المراقبين لارتكاب جريمة جديدة بالقرب من مقبرة في الكسوة، وحينها أبلغت قائد المجموعة بالهاتف بما شاهدته وأبلغني بالرجوع فوراً لتحركنا من هذه المنطقة والذهاب إلى حي آخر من أحياء الكسوة، حينها نظرت للشاب وقلت له «يجب أن أعود» ولاحظت حينها اختفاء العلم الحر من على رقبته، وذلك كي لا يراه الجنود المقبلون من خلف الجدار. وهنا عزيزي القارئ تيقنت بأن ارتدائي قبعة بيضاء وسترة برتقالية فاقعة –وهي خاصة بالمراقبين العرب– ووجودي «كعلامة بارزة» في تلك اللحظات لم تكن بالفكرة الجيدة، فنزعت قبعتي وسترتي ومن خلال شباب الكسوة رجعت إلى مجموعتي والتي كانت على وشك المغادرة، وسألني حينها أحد أفراد البعثة «لماذا خلعت سترتك؟»، وحيث إن الوقت كان ضيقاً فاكتفيت بقولي له «سأخبرك لاحقاً». في الحقيقة لا يمكن وصف ما شاهدته في مدينة الكسوة من قتل ودمار بشكل يعطي الواقع حقه، فبين «ممر القناصة» في وسط المدينة ودخول الشبيحة لاختطاف الأبرياء تارة وهدم منازلهم فوق رؤوسهم تارة أخرى، وجدت -كما في المدن السورية الأخرى- نموذجاً لوحشية لا مثيل لها من النظام، ونموذجاً لشجاعة لا مثيل لها من أهالي الكسوة ومدن سوريا الأخرى. الحلقة الأخيرة غداً

شوارع اسطنبول

استكمالاً لمقالات سابقة كتبتها عبر السنوات الماضية عن «شوارع DC» و»شوارع باريس»، وأسرار تلك المدن التي زرعت فيها من خلال مصممي تلك المدن، اليوم أستكمل تلك السلسلة بمقالي عن «شوارع اسطنبول». اختار الإمبراطور قسطنطين عاصمته...

الترامبوفوبيا

بدأت مع أداء الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب اليمين الدستورية، وتسلمه سدة الرئاسة في تمام الساعة 12 وخمس دقائق بتاريخ 20 يناير، وحتى كتابة هذا المقال، حالة من اليأس والفوضى تعمان مدناً كثيرة داخل الولايات...

الهيمنة الطيفية الكاملة

في عالم العمليات العسكرية الحديثة لا يمكن لنا أن نتجاهل أهمية العمل المشترك لتحقيق الأهداف المرجوة، والتي تعتمد على المركزية في القرار، واللامركزية في صلاحيات التنفيذ وأدواته، أو بالمصطلح العسكري «قدرات التنفيذ»، ومن ضمن أسس...

الفضاء السيبراني.. ميدان القتال القادم

لقد اعتدنا في تاريخ القتال عبر العصور على وجود ٣ ساحات للقتال فإما على الأرض أو في البحر أو في السماء، ما أوجد الأسلحة المقاتلة المعروفة لدينا بالقوات البرية والبحرية والجوية، ولقد تطورت الأمور في...

المناظرة

إن السباق الانتخابي الجاري حالياً في الولايات المتحدة الأميركية بين المرشح الجمهوري اليميني المتطرف دونالد ترامب والديمقراطية هيلاري كلينتون ستبدأ مراحله الأخيرة هذه الأيام، ولربما تكون أبرز علامات هذه المرحلة والتي تستمر لشهرين حتى يوم...

لأجل كل «عمران»

كانت صور الطفل عمران، كسابقاتها من صور القتل والدمار من حلب وشقيقاتها التي انتهك إنسانيتها النظام السوري المجرم، قد وضعت علامة جديدة على درب حرب الإبادة في بلاد الشام، علامة يظنها البعض فارقة وبخاصة بعد...

بعيداً عن «الوستفالية»

لقد قامت مؤسسات بحثية عالمية وجامعات مؤخراً بالنظر إلى مكافحة خطر داعش من خلال منظور تهديد دولة الخلافة على حد تعبيرهم، وأن وجود دولة «إرهابية» مسيطرة على مصادر دخل مثل النفط والضرائب، وباسطة «سيادتها» على...

«المفرِّقة» العربية

في مقال لي منذ عدة سنوات وفي زمن «الريس مبارك» كتبت بأن الجامعة العربية أصبحت عبئاً على ذهن وضمير المواطن العربي السويّ وإن إصلاح الجامعة العربية هو السبيل الوحيد لإنقاذ هذه المنظمة وإلا ستستمر هذه...

خيانة الأمانة

تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً مستندات يدعي ناشرها أنها مستندات رسمية لدى جهات التحقيق بالدولة، وللأسف فلقد قام آخرون بإعادة النشر دون اهتمام أو مراعاة للقانون أو سمعة الوطن، نعم للأسف يوجد منا من هم...

الأحمق الذي بالرقم 10

لقد صدم العالم مؤخراً بالقرار الجريء الذي اتخذه شعب المملكة المتحدة من خلال أكبر استفتاء في تاريخ بريطانيا العظمى بالخروج من منظومة الاتحاد الأوروبي بشكل كامل وإلى الأبد في طلاق كاثوليكي لم تشهد بريطانيا طلاقاً...

آلام أوباما

في عالم السياسة الأميركية يوصف الرئيس الأميركي في شهوره الأخيرة بـ «البطة العرجاء» lame duck كناية عن عجزه عن التأثير في السياسات الهامة الأميركية والمبنية على المصالح المتبادلة لكونه في طريقه نحو بوابات البيت الأبيض...

خفاقاً عالياً

استحوذ انتشار مقطع فيديو مصور لضباط أميركيين يتصرفون بشكل غير لائق أمام علم دولة قطر في معسكرهم، على اهتمام العالم في الأيام الماضية، وبالمقابل فإن ردة الفعل الوطنية كما أشار الأخ رئيس تحرير العرب في...