


عدد المقالات 198
أتعجب من بعض المصريين من أبناء وطني الذين يسخرون من المواطن الهندي لدرجة أن قمة السخرية والاستهزاء الذي يمكن أن يطلقه مصري على نفسه في مواجهة موقف يظن فيه أنه سوف يتم خداعه من شخص آخر هو أن يقول له: «أنت فاكرني هندي؟!!» وهو استفهام استنكاري في اللغة العربية الفصحى ويعني بالعامية المصرية إنكار قابلية الشخص للخداع من شخص آخر. والحقيقة أن هذا الأمر يجافي الحقيقة تماما، بل إنه نوع من العنصرية البغيضة التي تكذبها الوقائع. فالهند حاليا هي أكبر ديمقراطية من حيث العدد على ظهر الأرض، وهي من أكبر 10 اقتصادات على مستوى العالم، ولديها نظام تعليمي على الطراز الإنجليزي يضاهي أحدث النظم التعليمية العالمية يضم 3 جامعات على قائمة أفضل الجامعات العالمية، وغير ذلك الكثير والكثير. فأين ذلك من مصر؟!! أتذكر أن الأستاذ محفوظ الأنصاري رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط (1997-2005) -متعه الله بالصحة والعافية- فاتحني في عام 1999 باعتزامه أن يكلفني برئاسة مكتب (أ ش أ) في نيودلهي في أوائل عام 2000، وطلب مني أن أستعد لتلك المهمة بدراسة الهند كمجتمع ونظام اقتصادي ومنظومة ثقافية وغيرها. وحفزني بالقول إنها مدرسة سياسية واقتصادية لمن يرغب في التعلم، وقال لي إنه يلاحظ شغفي الشديد بالمعرفة والتعلم ولهذا اختارني لتلك المهمة. وبعد أن قرأت كتابا عن شاعر الهند العظيم طاغور، وجدت نفسي ألتهم كل ما تقع عليه عيناي من كتب ودراسات عن الهند وثقافتها وتجربتها في التنمية الاقتصادية والديمقراطية السياسية، غير أنه بعد كل ذلك الجهد، قرر رئيس التحرير أن يكلفني -رغم حداثة سني- بإعادة افتتاح مكتب الوكالة الرسمية المصرية (أ ش أ) في بريطانيا بعد إغلاقه في العاصمة لندن لأكثر من 8 سنوات كاملة. المهم، أنني وجدت خلال فترة عملي في لندن أن كل ما قرأته ودرسته عن التجربة الهندية لم يكن منفصلا عن المكان الجديد الذي كلفت بالعمل به، حيث إن الهند كانت لقرون عديدة بمثابة «درة التاج في الإمبراطورية البريطانية التي كانت يوما لا تغيب عنها الشمس». وبدأت كباحث سياسي -لا كمجرد صحافي- في إعادة الربط بين تجربة بريطانيا في الديمقراطية، والتي بدأت مع وثيقة العهد الأعظم (ماجنا كارتا) منذ العام 1215 ميلادية والتي أسست أعرق تجربة ديمقراطية في العالم، وتجربة الهند ومدى تأثير بريطانيا كمستعمر سابق للهند على تجربتها الوليدة في الديمقراطية، والتي انطلقت في أحسن الأحوال في ثمانينيات القرن الماضي لتؤسس لأكبر ديمقراطية في العالم. الهند كانت تعاني من ثلاثية التخلف الأزلية (الفقر والجهل والمرض)، كما تعاني من تشرذم المجتمع الهندي بين عشرات الأديان ومئات القوميات والأعراق واللغات، وأصبح النظام الديمقراطي هو الحل الوحيد لبقاء وتماسك كل تلك المكونات المتنافرة في إطار واحد. بدأت الهند تجربتها في التنمية الاقتصادية منذ ستينيات القرن الماضي بالتوازي مع تجربة مصر الناصرية في تلك الفترة، بل إن جمال عبدالناصر في مصر مع الزعيم الهندي نهرو ونظيره اليوغوسلافي جوزيف بروز تيتو أسسوا حركة عدم الانحياز، وكانت هناك مشروعات تعاون مشتركة بين مصر والهند لإنتاج معدات ثقيلة وطائرات وسيارات وغيرها، وعندما توقفت تلك المشروعات سارت الهند في خطة دقيقة وصارمة للتصنيع المحلي بالتعاون مع شركاء دوليين آخرين، ثم باتت حاليا من أكبر المصنعين الدوليين في العديد من المجالات الصناعية. انطلقت الهند في التنمية وتراجعت مصر بعد حرب 1967 وانكفأت على ذاتها رغم سياسات السادات التي عرفت بالانفتاح الاقتصادي منذ العام 1974، وصولا إلى المعاهدة المصرية الإسرائيلية في العام 1979، وعقود حكم مبارك الثلاثة الكئيبة التي تم خلالها تجريف مصر في كل المجالات، وبذر بذور ما نعانيه حاليا في ظل الانقلاب. مبارك هو الأب الشرعي لانقلاب السيسي. سارت مصر وراء شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، بينما لم تتوقف الهند -رغم حروبها المتكررة مع الصين وغريمتها اللدود باكستان- عن تدعيم جناحي التقدم: التنمية الاقتصادية والديمقراطية السياسية. كانت النخبة الهندية على قدر المسؤولية التاريخية، فلم تمنعهم مشاكل الديمقراطية والتعثر الاقتصادي، وارتفاع أسعار النفط الذي تستورده الهند عن المضي قدما في خطط تستهدف أن تصبح الهند قوة دولية لا يستهان بها على المستوى الدولي. كان يحدث ذلك بينما النخبة المصرية والعربية لا تزال ترتعد من تبعات الديمقراطية في السياسة وتنبطح أمام قوة الفساد في الاقتصاد. النخب الهندية كانت تؤمن بنفسها وبشعبها وببلادها، بينما افتقدنا ذلك في مصر. الهند ومصر.. تقدمان نموذجين متميزين، والفارق بينهما هو الفارق بين الديمقراطية والاستبداد.. بين النجاح والفشل.. بين التصميم والعزيمة وصلابة الإرادة من جهة، والخضوع والركون والاستسلام للخداع من جهة أخرى. الهند تقدم لمنطقتنا العديد من الدروس في السياسة والاقتصاد.. وآن الأوان أن نتوقف عن الاستهزاء بمواطني دولة أصرت على التقدم والنمو، وحقق مثقفوها ما فشلت النخب العربية -خصوصا النخبة المصرية- في تحقيقه!! وربما يكون للحديث بقية في الأسابيع المقبلة إن كان في العمر بقية إن شاء الله. • Sharkawi.ahmed@gmail.com
اليوم نستكمل معكم بقية الحكاية التي بدأناها في خاتمة المقال السابق عن أطماع اليهود في سيناء منذ قرون طويلة، فهي بالنسبة لهم في قلب العقيدة الصهيونية، لدرجة أن تيودور هرتزل -مؤسِّس الصهيونية العالمية- أطلق عليها...
يبدو من المرجح حالياً أن أزمة سد النهضة لن تجد حلاً، وأن السد سيتم تشغيله، وأن ملء بحيرة السد سيحجب كمية كبيرة من حصة مصر في مياه النيل، لكن ماذا عن شبه جزيرة سيناء؟! يلاحظ...
السؤال الذي يتردد بكثافة في أوساط الأميركيين، وربما في أنحاء العالم في الوقت الحالي هو: هل يفوز الرئيس الجمهوري دونالد ترمب بقترة رئاسية ثانية تمتد حتى 2024؟ أم يتمكن غريمه الديمقراطي جو بايدن من هزيمته...
رغم مرور 4 أعوام ونصف العام على وفاة الباحث الإيطالي جوليو ريجيني الغامضة بالقاهرة، لا تزال ملابسات وظروف الوفاة غير معروفة، ويبدو أن صبر الحكومة الإيطالية نفد، وبدأت تطالب القاهرة بردود حاسمة وتوضيحات مقبولة، فقد...
من منّا لا يعرف قصة سندريلا والأقزام السبعة، كلّنا تربّينا عليها، وتعاطفنا مع السندريلا التي كان عليها أن تتقبّل قهر وظلم زوجة أبيها وبناتها المتعجرفات، حتى تأخذنا القصة للنهاية الجميلة حين تلتقي السندريلا بالأمير، فيقع...
أحد أصدقائي أوشك على الانتهاء من كتابة رواية طويلة عن أحوال المعارضة المصرية في الخارج منذ 2013م، وقد اقترحت عليه اسماً للبطل الرئيسي لروايته، وهو معارض ليبرالي يسحق الجميع من أجل مصالحه الشخصية الضيّقة. اقترحت...
عندما تغيب المنافسة العادلة أو تكون محدودة، هل يمكن أن تعرف الصحافي الجيد أو الكاتب الأكثر براعة أو الأجزل في العبارة، أو الأغزر إنتاجاً، أو الأعمق فكراً، أو الأفضل أسلوباً؟! كيف ستعرفه إذا لم تتوافر...
في جامعة القاهرة في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، كنت مندفعاً في دراسة العلوم السياسية، وكنت قرأت كتاب «البرنس» لميكافيللي قبل دخول الجامعة، ولم يعجبني! دخلت في مناقشات جادة وأحياناً حادة مع أساتذة درسوا في الجامعات...
بعد المعركة الصحافية الشهيرة التي خاضتها صحيفة «بوسطن جلوب» خلال عامي 2001 و2002، والتي انتهت باستقالة الكاردينال لاو رأس الكنيسة الكاثوليكية في عموم أميركا، ترسخ اعتقاد لدى مواطني مدينة بوسطن من الكاثوليك، أن الصحيفة الأكبر...
ليالي زمن «كورونا» تمرّ بطيئة وطويلة، لكنها ليست كذلك لمن يقرأون طوال الوقت حتى يستطيعوا الكتابة الأديب المصري الفذّ مصطفى لطفي المنفلوطي، كتب في بداية القرن العشرين أن الكاتب يشبه «عربة الرشّ» وهي عربة كانت...
لا أخفي عليكم، أن الكتابة وفق مواعيد محددة مسألة مرهقة، في بعض الأحيان لا توجد فكرة واضحة للمقال، أو يصاب الكاتب بالحيرة في الاختيار بين أكثر من فكرة، وفي أحيان أخرى يقترب موعد تسليم المقال،...
الصحف الأميركية هي قلاع حقيقية تصون الحريات العامة فى البلاد، هذه حقيقة يفتخر بها الأميركيون على بقية أمم الأرض. في عالمنا العربي تختفي تلك القلاع، فيحدث أن تتجرأ النظم المستبدة على تلك الحريات، وتعصف بها...