«الحالة النفسية».. إفك الحكومات!!

كنت أكتب زاوية تحليل اقتصادي يومي في إحدى صحف الكويت وهو يتناول أحداث التداول اليومي في سوق الكويت للأوراق المالية. وكنت أستطلع آراء المختصين في «البورصة»، ومن ثم أبدأ بعرض مركب من التعاملات التي تمت والآراء التي تفسر الأرقام وتعرف أسبابها بالضرورة لتخصصها وتعاملها المباشر. وفي فترات هبوط مؤشر السوق بلا سبب منطقي أو يمكن قياسه لعامة الجمهور غير المختص بالأوضاع الفنية لأسواق المال. أبحث عن الفنيين الأشد عمقاً بتحليل المشهد. وذلك لإثراء المادة الصحافية. ولطرح التفسيرات أمام المتداول البسيط ليتخذ قراراته بناء على رأي قريب من الحقيقة. فلا حقيقة مطلقة تأخذها من تاجر ومستفيد ليشاركه بها متداوِل ساعٍ لمنفعة ورفع مستوى دخله. بعض الأغنياء يظنون الثراء نادياً هم يقررون عضويته! المهم. أن في حال الهبوط غير المبرَّر. كلما أردتُ رأياً فنياً حول سبب هبوط السوق. أو كما نسميه اللون الأحمر للمؤشر. كان يأتيني رد ذاك الفني المختص «السبب حالة نفسية عند الناس أدت لإحجامهم عن وضع الأموال في السوق»! وقد تكرر هذا الجواب مع احمرار المؤشر! وعندما كنتُ في نيويورك لم أسمع «أبداً» حجة «الحالة النفسية» هذه! ولكن كنتُ أكتب ما يقولون. مؤمنة أن ناقل «الهبل» ليس بأهبل! ولم يغنِ النقل عن عمل العقل. فأُسر لنفسي السؤال ذاته في كل مرة «كيف يعني حالة نفسية»؟! كيف نطلق وصفاً كهذا على عملية حسابية مكونة من أرقام؟! ولكن أعود وأقنع عقلي أن للأرقام دافعاً خفياً هو «الحالة النفسية»! الغباء معدٍ! سبب «الحالة النفسية» يتصدر التعليقات السياسية أيضاً في الأزمات المتتالية في العلاقات الكويتية-العراقية. وأبرزها أزمة ترسيم الحدود بين البلدين. وما ينجم عن التحرشات التي تقوم فيها العراق تحت مسمى «سكان المزارع على الحدود»، وتتبرأ من دورها في تحريشهم لمضايقة الكويت. الوضع باختصار. أن العراق دولة تستفز الكويت بأسلوب «زوجات يقتسمن رجلاً واحداً» والكويت تقول: لا بأس إنها «حالة نفسية»! وأترك لكم الإبداع في تخيل التفصيل! علاقة الكويت والعراق كدوليتين وشعبين أيضاً. لا نجد لتوترها المستمر وصفاً سوى ما دفع به صاحبنا إياه «أبو نظرية الحالة النفسية»! فوضع البلدين «النفسي» سيئ جداً منذ عقود، ولا نعلم متى ستبدأ البلدين باستخدام العقاقير الدوائية لتهدأ تلك الحالة العضال! لأنها يبدو أنها مستعصية مثل الأمراض النفسية. ولا علاج لها إلا المهدئات! أما بعض الكويتيين فاعتبروا هذه «الجيرة ابتلاء» وأنهم سيكافؤون يوم القيامة على صبرهم عليه! وأنا منهم. العراق في مناهجها وفي المدارس تقنع شعبها أن الكويت جزء من أراضي العراق «نتفها» اتفاق قام بدور قاطع الطريق عبر اتفاقيات جائرة لتصير دولة! ولذلك فالعراقيون. وإن نكر بعضهم مُكرَه. مؤمنون أن الكويت وجود عابر طارئ، وسيأتي يوماً أبيض عليهم «صخاماً» على الكويتيين ويعود الفرع للأصل! «يخرب بيت» الانتقاء في بنود المواثيق الدولية! هذه رؤية بسيطة وعامة لفكرة «الحالة النفسية» التي نصبوها مشنقة لكل سؤال لا يجدون له إجابة منطقية. أو شماعة لكل جواب دبلوماسي! ولا تصدقوهم، فالحكومات تكذب «دائماً» ليصدق الشعوب أنهم «مجانين» ويكون سهل الدفع بعدم أهليتهم للقرار والقيادة. حتى إذا جاء وقت النفرة ضدهم. تكون التهم معلبة وجاهزة «الشعب مخبل» وما يلحق بهذه النتيجة معروف: تأديب الشعب عبر عزله وعلاجه بالمصح والذي بات يحمل اسماً مختلفاً هو «السجن»! وما دمنا في سيرة «الشعب المخبّل السفيه الذي يجهل مصلحته ويجب تأديبه». ففي الكويت يوم الاثنين الماضي هبط سوق الكويت للأوراق المالية موازياً للحكم «التأديبي للشارع» بالسجن خمسة أعوام على المعارض رقم واحد في الكويت مسلم محمد البراك. ولكن الحكومة لم تشع أن السبب «حالة نفسية»! بل ضخت الهيئة العامة للاستثمار الأموال لتحافظ على توازن السوق. القرار الذي لم تتخذه عند انهيار السوق لأكثر مرة وإفلاس كثير من صغار المتداولين وتضرر بعض كبارهم! لماذا بظنكم تخلوا عن نظرية «الحالة النفسية»؟! وكما يقولون: «اللي يخاف من العفريت يطلع له» فقلق الحكومة من تأثر الاقتصاد الكويتي ممثلاً بالبورصة من تدهور الأوضاع السياسية حلّ عليه ما إن صدر منطوق الحكم على البراك لمكانته الشعبية عند المعارضة الكويتية. ولنزاهته وجرأته على مواجهة الحكومة والتصدر بتوجيه خطاب قاسٍ لأقطاب أسرة الحكم بلا خوف! بالطبع هم ينكرون حتى «عين الشمس» فقد أضحت تلك هي المنهجية للحكومات عامة. تكذب وتكذب حتى تصدق وتتصرف على أساس أن التلفيق حقيقة وهلم جرا! ويقولون «حالة نفسية»!