


عدد المقالات 105
في بلد الأنوار والحداثة والقيم الديمقراطية فرنسا يتدخل رئيس الجمهورية فرنسوا هولاند شخصيا لأمر وزير الداخلية إيمانويل فالس بالتأكيد على منع عروض فنان فرنسي ساخر بكل أرجاء البلد. وأكثر من ذلك يأخذ حكم المنع صبغة قضائية بعدما كان إداريا فقط، بعد قرار المحكمة العليا الفرنسية (مجلس الدولة) بمنع عرض برنامج «الجدار» للمسرحي الساخر ديودوني مبالا مخافة أن يتضمن إشارات ساخرة لليهود، وهو الذي سبق وأن أدين سبع مرات بتهمة معاداة السامية وعشرين حكما آخر ببراءته من نفس التهمة. محامو ديودوني اعتبروا المنع انتهاكا لحرية موكلهم في التعبير في بلد حرية التعبير، فيما اختلف الفرنسيون إلى فريقين الأول مع حكم المنع وعلى رأسه وزيرة الثقافة الفرنسية أوريليه فيليب وبرنار هنري ليفي لأن ما يقدمه ديودوني كراهية، والثاني ضد المنع احتراما لحرية التعبير. بالطبع سبق القرار سواء الإداري أو القضائي دعوات مقاطعة لعروض ديودوني وجولته من ممثلي الجالية اليهودية والآلة الإعلامية، ومع ذلك كان الإقبال على شراء تذاكر حضور العرض كبيرا كما حوا لحال بمدينة نانت 5000 تذكرة قبل قرار المحكمة العليا. أما ديودوني فيعتبر نفسه ضحية رقابة من السلطة بسبب أفكاره التي يقول: إن لا كراهية فيها أبداً لليهود، وإنه «ضد الصهيونية التي تستمد وجودها من كلمة معاداة السامية التي ترعب الناس» وإنه ليس وحده ضد الصهيونية، بل كثير من اليهود في العالم يشاركونه هذا الرأي والنضال، وإنه انتقد في عروضه التطرف الديني المسيحي والإسلامي واليهودي. ولذلك يختلف تقييم عروض الرجل.. تختلف بين الطائفة اليهودية نفسها من بلد إلى بلد، فالطائفة بفرنسا وفي جانب كبير منها اعتبرت عرض «اعتذاراتي» مثلا مستفزا، بينما لم يعترض عليه المجلس اليهودي العالمي بكندا ولم يعتبره عنصريا. باختصار شديد جدا فرنسا ترفض أي انتقاد سواء كان لليهود أو الصهاينة، وسواء كان بالحق أو الباطل، وتعتبره خطا أحمر لا يمكن القبول بتجاوزه نقطة رجوع للسطر، ولا يهم إن كان ذلك يتعارض مع مبادئ حرية التعبير أو الحداثة والقيم الكونية. بالمقابل تعرض الدين الإسلامي والدين المسيحي أحيانا للانتقاد الظالم والتشويه والافتراء في الإعلام، وأحيانا من سياسيين وفنانين بدون أي منع أو ردع إداري أو قضائي من قبيل الرسوم المسيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين بدعوى حرية التعبير. طبعا معروف أن اللوبي الصهيوني في فرنسا كان وراء منع كثير من الأنشطة الفنية ومتابعات وحملات ضد صحافيين ومفكرين وأشهرهم رجاء جارودي رحمه الله. وفي كل الأحوال هذا شأن فرنسا والفرنسيين وهم أحرار في بلدهم التي لم تعبأ حتى بإدانة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وقول رئيس لجنة حقوق الإنسان بفرنسا بيار تارتاكوسكي: إن «منع ديودوني بقرار من مجلس الدولة سيكون له عواقب وخيمة من الناحية القانونية، فيما يخص حرية التعبير». لكن ما يعنيني وما يحز في النفس هو أن «علمانيي» و «حداثيي» و «ليبراليي» العالم العربي لا يستوعبون هذا الدرس وغيره في دول غربية أخرى، وبلعوا ألسنتهم ولم يعلقوا على ما فعلت فرنسا بحق الفنان ديودوني ومنع عرضه ممارسة بذلك الرقابة والوصاية على الفرنسيين وكأنهم قصر لا يميزون. ولم يتباك علمانيونا ولا إعلامهم على حرية التعبير وحقوق الإنسان لأنه ذلك ببساطة ينسف منطقهم نسفا، فلكل بلد قيمه وخطوط -معقولة أو غير معقولة، اتفقنا أو اختلفنا معها- لا يسمح بمسها أو تجاوزها إما بنصوص قانونية أو قرارات إدارية أو سياسية يقبل بها المجتمع أو غالبيته ولا يعترض عليها بمبرر حفظ النظام العام. علمانيونا المتطرفون وليبراليونا وحداثيونا المتشددون لا يستطيعون انتقاد فرنسا، لأنهم تلاميذ غير نجباء، ويدوسون أو يدافعون عن كل من يدوس ثوابت المجتمع وقيمه، ضاربين عرض الحائط بقوانين بلدانهم ومقتضيات الدستور بدعوى حرية التعبير، ويتشدقون بأولوية القيم الكونية وسموها على التشريعات والقوانين المحلية حتى ولو كانت أحكاما دينية قطعية، كالدعوة لمراجعة أحكام الإرث ومنع (وليس تقييد) تعدد الزوجات، وغيرها من الدعوات من جهات وأطراف جمعوية أخرى كالدعوة للسماح بإفطار رمضان علانية وغيرها كثير. وأصحاب هذه الدعوات يعرفون أنه رغم نفوذهم وردحهم الإعلامي، لن يستطيعوا إقناع المجتمع بدعواتهم بعد إفلاسهم وفشلهم السياسي، ولكنهم يحاولون خلق ضجيج يغطي على ذلك الفشل وحالة البؤس المزرية التي وصلوا إليها.
«فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل حدوثها وكنت نسياً منسياً»، هكذا تحدث المؤرخ ابن الأثير الجزري -بعد طول تردد- في كتابه «الكامل في التاريخ» من شدة صدمته من همجية التتار «المغول» وتنكيلهم...
بعد أيام يودعنا عام 2016 وقد سقطت حلب الشرقية في الهيمنة الروسية الإيرانية بعد تدميرها وتهجير أهلها، واحتكار الروس والإيرانيين والأتراك والأمريكان الملف السوري وتراجع كبير للدور والتأثير العربي يكاد يصل لدرجة الغياب في المرحلة...
قرأت بالصدفة -وليس بالاختيار- كتابا مترجما للأديب والمفكر الإسباني رفائيل سانشيت فرلوسيو بهذا العنوان «الآتي من الزمان أسوأ»، وهو عبارة عن مجموعة تأملات ومقالات كتبها قبل عقود عديدة. قال فرلوسيو في إحدى تأملاته بعنوان «ناقوس...
«الحب السائل» عنوان كتاب لزيجمونت باومان أحد علماء الاجتماع الذي اشتغل على نقد الحداثة الغربية باستخدام نظرية السيولة -إذا جاز تسميتها بالنظرية- والكتاب ضمن سلسلة كتب «الحداثة والهولوكست»، «الحداثة السائلة» و «الأزمنة السائلة»، «الخوف السائل»...
لم تتضح بعد تشكيلة الحكومة المغربية الجديدة رغم مرور قرابة شهرين من إعلان نتائج الانتخابات التشريعية بالمغرب فجر الثامن من أكتوبر الماضي وتكليف الملك محمد السادس الأمينَ العام لحزب العدالة والتنمية عبدالإله بنكيران بتشكيل الحكومة...
تعيش الأمة العربية والإسلامية أسوء أحوالها منذ الاجتياح المغولي لبغداد قبل أكثر من ثمانية قرون تقريبا، فهولاكو روسيا يواصل مع طيران نظام الأسد تدمير سوريا وتحديدا حلب بدون أدنى رحمة في ظل تفرج العالم على...
«من الواضح أن انتصار دونالد ترامب هو لبنة إضافية في ظهور عالم جديد يهدف لاستبدال النظام القديم» هكذا قالت أمس زعيمة اليمين المتطرف بفرنسا عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية. وظهر جليا أن تداعيات فوز ترامب...
رغم مضي قرابة شهر على إعلان نتائج الانتخابات التشريعية المغربية التي توجت حزب العدالة والتنمية (إسلامي) بالمرتبة الأولى بـ125 مقعداً، وتكليف الملك محمد السادس عبد الإله بنكيران الأمين العام للحزب المذكور بتشكيل الحكومة، لم تظهر...
ثمة حرب شرسة وخطيرة تجري، لكن من دون ضوضاء، لن تظهر كوارثها وخسائرها إلا بعد عقد أو عقدين من الزمن، وهي حرب التسطيح والضحالة الفكرية والثقافية، عبر استخدام غير رشيد للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وجعلهما...
تنتقد جهات غربية العرب والمسلمين بشكل عام، بأنهم لا يعرفون للديمقراطية سبيلا، وحتى صنيعة الغرب؛ الكيان الإسرائيلي يتبجح بأنه ديمقراطي، وقال رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو قبل أيام في الاحتفال بمرور67 سنة على تأسيس (الكنيست): إنه...
شهور ويغادر باراك أوباما كرسي رئاسة الولايات المتحدة الأميركية دون أن يحقق وعوده للعالم الإسلامي، فالرجل كان مهموما بمصالح بلاده أولا وأخيرا. ومن أكبر الوعود التي أطلقها في خطابه بالبرلمان التركي في أبريل 2009، وخطابه...
خلق موضوع استقبال اللاجئين في الغرب نقاشات كبيرة، وخلافات عميقة، سواء داخل أوروبا أو الولايات المتحدة الأميركية، جعلتهم في تناقض مع المواثيق الدولية التي تنظم كيفية التعامل مع اللاجئين سبب الحروب والعنف. ورغم أن أزمة...