عدد المقالات 272
رحل مدير المخابرات العسكرية الباكستانية الأسبق الجنرال المتقاعد حميد جول أمس الأول عن دنيانا بعد حياة حافلة بالعطاء، قد يخالُ البعض أن منصباً كهذا لا يُمنح إلا لعدو للدين والوطن أسوة بأنظمة الاستبداد والإجرام اليوم، لكن الحالة الباكستانية في حميد جول مختلفة، فهو لم يُبدل تبديلاً، كان صقراً في دعمه للمجاهدين الأفغان بكافة فصائلهم ضد الغزاة السوفييت، وصقراً بدعمه ومساندته لمقاتلي حركة طالبان أفغانستان ضد الغزو الأجنبي المكون من 38 دولة بقيادة أميركا والذي أسفر عن خلع الحركة عن السلطة عام 2001، لم يُخف الرجل دعمه وتأييده حتى لتنظيم القاعدة ولزعيمه أسامة بن لادن. كانت آخر مكالمة بيننا قبل أيام فقط من رحيله حين وجهت له دعوة لحضور حفل مغادرتي مكتب باكستان إلى مركز قناة الجزيرة، كان الرجل ودوداً كعادته، اعتذر قائلاً لي إن زوجتي كما تعرف مريضة وأنا أمضي معها هذه الأيام في منتجع مري قرب إسلام آباد، وحين أعود سنلتقي، لنتحدث كثيراً، لم يدر أنه سيرحل قبل زوجته المريضة، تماماً كما لم يتوقع أن تكون نهايته في مري نفسها، بعد أن نقل إلى المشفى العسكري براولبندي إثر نزيف دماغي، ولم أدر معه أيضاً أنها المكالمة الأخيرة مع شخصية شاهدة على عصر الاضطراب الحقيقي، كنت قد عزمت هذه المرة على تسجيل حوار مطول معه عن تاريخ الجهاد الأفغاني ولكن سبق الموت كل ما عزمت عليه. وصلني خبر وفاته ليلة الأحد، كان صادماً ولكن لا عزاء بالموت برأيي، فمن يعزي ينبغي ألا يُعزّى، فكيف تعزي بشيء أنت ضحيته بعد لأي، وكما قال عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه إن ميت الغد يعزي ميت اليوم. كانت علاقتي بالجنرال قد بدأت بعد سنتين ربما عن تنحيته من إدارة المخابرات العسكرية الباكستانية على يد رئيسة الحكومة حينها بي نظير بوتو، وتحديداً عام 1992 التقيته بمكتب الحزب الإسلامي حكمتيار ببيشاور، كنت أعمل مراسلاً لصحيفة الحياة اللندنية، كان اللقاء قصيراً، لكن اللقاء الأهم حصل في تشارسياب جنوب كابول معقل زعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار بعدها بأشهر حين كان جول أحد أعضاء لجنة الوساطة بين حكمتيار وبرهان الدين رباني، يومها تركز الخلاف بينهما على تشكيلة الحكومة الأفغانية فأعدّ جول ولجنة وساطته قائمة بتشكيلتها، وحصلت على نسخة منها فنشرتها في الصحيفة، وفي اليوم الثاني عاتب رباني لجنة الوساطة من أنه اطلع على التشكيلة من خلال صحيفة الحياة، اقترب مني حميد جول يعاتبني، قلت يا جنرال عليك أن تعاتب من سرّبها، فوظيفتي هنا كمراسل هي النشر مثلما وظيفتك المصالحة ومن قبل القتال والتجسس، ضحك وضحكنا، وكان لطيفاً ومنذ تلك الفترة توثقت العلاقة بيننا، فكان خير مصدر للمعلومات والتحليلات، مسانداً لقضايا العرب والمسلمين في البوسنة والشيشان وفلسطين وأفغانستان وفي كل مكان. عادة رجال المخابرات فروق الظاهر والباطن، لكن في حالة حميد جول لم أجد رجلا بمنصبه ظاهره كباطنه، فكان معاديا شرساً للاتحاد السوفيتي في عدوانه على أفغانستان كما كان تماماً في معاداته للغزو الأجنبي لها بقيادة أميركا، ومعادياً تماماً للهند وداعماً قوياً لكل حركة جهادية ضدها. رحل حميد جول أحد رجالات مشروع ضياء الحق الأوفياء بعد أن ترك بصمات حقيقية على جهاز المخابرات العسكرية بدعم القضايا الجهادية وتحديداً في كشمير وأفغانستان وغيرهما، وهو إرث أسسه ورسخه من قبل سيده الرئيس الراحل الجنرال ضياء الحق رحمه الله، والذي تشير كل التقديرات أن ثمة مؤامرة غربية لتصفيته بعد أن تيقن الغرب أن سقوط النظام الشيوعي في أفغانستان عسكرياً سيؤسس لوحدة وتعاون بين أفغانستان وباكستان. لا زلت أذكر حين قال لي حميد جول إن المخابرات المركزية الأميركية أعدت دراسة من أن عادة المسلمين بعد سن الستين عاماً يكونون أقرب إلى الله كونهم يستعدون للرحيل إليه، وقد تعدى ضياء الحق سن الستين عاماً يومها بحسب الدراسة، وعليه سيكون أقرب إلى الله، وستكون قراراته معادية لنا ولذا يتوجب تصفيته، هكذا روى لي، والآن هو في ديار الحق. قد تختلف أو تتفق مع الجنرال الراحل لكن لا تستطيع إلا أن تحترمه في مواقفه المشرفة والواضحة والناصعة في تأييد القضايا الإسلامية وعدم اللف والدوران إن كان في خطاباته أو في تصريحاته ومقابلاته السياسية أو في سياساته العامة، فقد تصادف أن كنت قبل أيام ببيت القائد الأسبق للجيش الباكستاني الجنرال المتقاعد أسلم بيغ أحدثه عن ضرورة تسجيل مقابلات معه عن مرحلة الجهاد الأفغاني التي تصوغ وتؤثر حتى على حالنا اليوم، فرحب بالفكرة ونصحني ألا أنسى الجنرال حميد جول الذي كان شاهداً على عصر مهم. فقد العالم العربي والإسلامي نصيراً ومؤيداً لقضاياه في باكستان، ولكن تلك هي سنة الحياة، وعزاؤنا الخالص لزوجته وبناته وأبنائه ونسأل الله تعالى أن يبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله، وأن يجزيه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء. 
كشفت الوثائق الأميركية الأخيرة عن عودة روسية قوية إلى أفغانستان للانتقام من القصف الأميركي الذي قضى على المئات من قوات الفاغنر الروسية في دير الزور بسوريا بشهر فبراير من عام 2018، ابتلعت موسكو يومها الإهانة...
قطاعا التعليم والصحة في الشمال المحرر من القطاعات المهمة التي تستأثر باهتمام الشمال وأهله، لا سيما في ظل الحاجة إليهما، يضاعفهما الحالة الاقتصادية الضعيفة لدى ساكني المنطقة، لقد ظل القطاعان مدعومين من المؤسسات الدولية، لكن...
أوجه معاناة الشمال السوري المحرر لا تنتهي، فبعد أن كان الخوف والقلق من العدوان العسكري يسيطر على تفكير الأهالي، صار اليوم القلق أكثر ما يكون بشأن معاناة الحياة اليومية الممتدة من المعيشة إلى العودة للبيوت...
لم تكن لتتخيل عائشة وفاطمة وأحمد للحظة أن يحلّ بهم ما حلّ في أول عيد يمضونه خارج البيت الذي ضمهم لسنوات، فجأة وجدوا أنفسهم في خيام رثّة على الطريق الرئيسي الواصل بين اللاذقية وحلب، ليرقبوا...
ما جرى أخيراً في ليبيا من انهيار وهزيمة لم يكن لقوات الانقلابيين والثورة المضادة بزعامة خليفة حفتر، ولا للمشغل الروسي والإماراتي، بقدر ما هو انهيار للأسلحة الروسية، وعلى رأسها منظومة سلاح «بانتسير» المفترض أن تكون...
الخلاف الذي برز للسطح أخيراً بين رامي مخلوف وبشار الأسد ليس من طبيعة نظام السلالة الأسدية، التي عرفت بالغموض والتستر على بعضهم بعضاً، ولعل ما حصل في عام 1984 بين حافظ الأسد ورفعت دليل يمكن...
منذ بوادر الثورة اللبنانية قبل أكثر من عام تقريباً، وحتى الآن، والسوريون ينظرون إلى ما يجري في لبنان، على أنه انعكاس وربما امتداد لما جرى ويجري في سوريا، نتيجة العلاقات المتشابكة بين البلدين، فضلاً عن...
تتحكم القوى المتنافسة أو المتصارعة بشكل مباشر على سوريا، وهي تركيا وروسيا وإيران بدوائر معينة، ولكن باعتقادي أن الدائرة السورية الأكبر تتحكم بها الولايات المتحدة الأميركية، وقد تدخل إسرائيل على الخط أحياناً مساعداً أو مكملاً...
يظل التاريخ هو الحكم بين البشرية، ليس في مجالات السياسة والاقتصاد والإدارة فحسب، وإنما حتى في المجال الطبي حديث الساعة اليوم، والذي استُدعي على عجل خلال هذه الأزمة، فبدأ العلماء ينبشون دفاتره القديمة، يستذكرون تاريخ...
أفغانستان أمام خيارين، تماماً كما كانت قبل سقوط كابل بأيدي المجاهدين في أبريل 1992، إما حل سياسي تفاوضي يؤدي إلى تسوية، أو حرب تعيد مآسي الحرب الأهلية التي خاضها الإخوة الأعداء في تلك السنوات العجاف،...
الحالة الصحية الموجودة في مناطق نظام الأسد سيئة، سواء كان من حيث الخدمات أم من حيث هروب الأدمغة الطبية المعروفة التي كانت في سوريا قبل الثورة، وقبل هذا كله التخبّط في القيادة والتحكّم على الأرض،...
لا سرّ وراء بقاء سلالة «آل الأسد» على مدى نصف قرن في السلطة، كسرّ ولغز احتكارها وتغييبها المعلومة، فلا شيء أخطر على ماضي وحاضر ومستقبل الأنظمة الشمولية الديكتاتورية من المعلومة الحقيقية والواقعية. ومن هنا نستطيع...