alsharq

د. وائل مرزا

عدد المقالات 101

الثورة السورية بين الخذلان الخارجي والخيانة الداخلية

12 أغسطس 2012 , 12:00ص

على مرأى من العالم (المتحضّر)، تقصف طائرات النظام السوري الحربية مدن البلاد بشكلٍ عشوائي، وتهدم المباني والأحياء على رؤوس ساكنيها، في مشهدٍ سوريالي لم يرَ التاريخ له مثالاً. وفي نفس الوقت، يصدر تصريحٌ من سوزان رايس سفيرة أميركا في الأمم المتحدة تُعلّق فيه على إمكانية إعلان منطقة حظر جوي في سوريا على غرار ما حصل في ليبيا، معتبرةً أن «هذا الأمر قد يؤدي إلى تدخل عسكري بري». ولا تقف المسؤولة الأميركية عند ذلك، بل تتابع لافتةً إلى أن نظام الدفاع الجوي السوري «يعتبر من الأكثر تطوراً في العالم»! بعد ساعات من هذا التصريح، يؤكد وزير الخارجية البريطاني أن بلاده ستُقدم مساعدة بمقدار 5 ملايين جنيه إسترليني للمعارضة (السياسية) السورية! مبيناً بما لا يدع مجالاً للشك أن أي جزءٍ من هذا المبلغ لن يذهب في اتجاه دعم الجيش السوري الحرّ أو المقاومة المسلحة. يلفت النظر في هذا المجال ما حصل عندما أثيرت مسألة الأسلحة الكيميائية السورية قبل قرابة أسبوعين، إذ سرعان ما استنفرت القوى الغربية للتأكيد على وجود (فيتو) على استخدام تلك الأسلحة، وسرعان ما تجاوب النظام السوري معها مؤكداً أنها لن تُستخدم داخلياً في (الأحداث)، مع الإشارة إلى إمكانية استخدامها في حال تعرضه لـ (خطرٍ خارجي). تلفت الانتباه أيضاً طريقة التعامل مع الوضع في حلب. فمن ناحية، تصدر تحذيراتٌ لا أول لها ولا آخر عن عشرات الجهات الغربية من دول ومنظمات وهيئات بخصوص إمكانية حصول مذابح في المدينة. ومن ناحيةٍ ثانية، تتصرف نفس الهيئات والمنظمات والدول وكأنها عاجزةٌ تماماً عن فعل أي شيء بخصوص هذه المذابح! ما الرسائل التي يريد النظام الدولي (المؤيد) للثورة السورية أن تصل إلى الجهات ذات العلاقة من وراء تلك التصريحات والمواقف؟ وهل توجد للنظام السوري أي حاجةٍ للموقف الروسي أو الصيني في ظلّ الإشارات الواضحة الكامنة فيها؟ من الواضح طبعاً، مع رصد الأحداث، أن الرسالة وصلت إلى النظام، وأنه أدرك لون الإشارة (الخضراء) التي أعطيت له، حيث بدأ يعمل بموجبها في حلب تحديداً بعد أن أخّر حملته أكثر من أسبوع في انتظار أن يتأكد من طبيعة تلك الإشارة. وكان هذا سبب تأخير الحملة في رأينا أكثرَ من أي سببٍ آخر. ثمة درجةٌ من النفاق الدولي فيما يخصُّ الثورة السورية لا تتجاوز فقط حدود العقل والمنطق، بل إنها باتت تدخل في خانة (الاستغباء) للسوريين، بشكلٍ لا يجوز أن يبقى مقبولاً من جميع شرائحهم على جميع المستويات وفي جميع المجالات. فمن يقرأ التصريحات عن نظام الدفاع الجوي السوري (المُخيف)، يُخيّلُ إليه أن الحديث يجري عن قوةٍ عُظمى، وليس عن نظامٍ سياسيٍ مهترئٍ ومنخورٍ بالفساد أفقدته الشرعيةَ صدورٌ عارية وصرخات حناجر تُطالب بالحرية، وفقدَ سيطرته على كثيرٍ من أنحاء البلاد بأسلحةٍ خفيفة تحملها أيادٍ تؤمن بقضيتها العادلة. أكثرَ من هذا، يعتقد من يسمع التصريح أنه يصدر عن جمهورية لا حول لها ولا قوة، ولا تملك من القدرات العسكرية المتطورة ما يُمكّنها من جعل النظام السوري يتردد ألف مرةٍ في القيام بما يقوم به بمجرد التلويح باستخدام تلك القدرات، ولو من خلال تحرّكات بسيطة على الحدود البرية والبحرية. ومن يقرأ تحذيرات الدول الغربية عن إمكانية حصول مذابح في حلب يظنّ أيضاً أنها تصدر عن قوىً هامشية ليس لها وزنٌ ولا تأثير، ولا تملك عملياً أن تقوم بأي شيءٍ يمنع حصول مثل تلك المذابح، وأن أقصى ما يمكن أن تفعله هو المناشدة والمُطالبة والتحذير!؟ هزُلت. هذه هي الكلمة الوحيدة التي يمكن أن تصف باختصارٍ الموقف الدولي الراهن. لا نتحدث هنا عن روسيا وإيران وأمثالهما من الدول التي تتدخل بشكلٍ سافرٍ وقذر وعلني في المسألة السورية، وإنما عن نظامٍ دولي يرفع تاريخياً شعارات حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، ويتغنّى اليوم ليل نهار بتأييده للثورة السورية. نفهم أن يتخوّف هذا النظام من ظاهرة عسكرة الثورة، لكننا نعرف جميعاً أن تقصيره في القيام بواجبه القانوني والأخلاقي والسياسي كان سبباً رئيساً من أسباب اضطرار الثورة للعسكرة. وبنفس الطريقة، نفهم خوفه من ازدياد ظاهرة التطرف ومن وصول السلاح إلى أيدي جماعاتٍ متطرفة، لكننا نؤكد أن تقصيره مرةً أخرى في القيام بما يمكن القيام به سيكون بمثابة العامل الأكبر في وصولنا إلى ذلك الواقع الذي لا نريد كسوريين الوصول إليه. من هنا، ورغم التقدير للمشاعر التي دفعت لتسمية الجمعة الماضية باسم (سلّحونا بمضادات الطائرات)، يبدو مطلوباً الآن تجاوز أي توقعاتٍ بالاستجابة لمثل هذه الطلبات من قبل المجتمع الدولي (الصديق).. من هنا أيضاً، تبدو الحاجة ماسةً لنقلةٍ حقيقيةٍ في تفكير وعمل الشرائح المختلفة المنخرطة في الثورة السورية مباشرةً أو بدعمها في مختلف المجالات. فقد أظهرت الوقائع قدرة الشعب السوري على إشعال الثورة، ثم على إيجاد ظروف استمرارها ذاتياً، حتى وصلت إلى هذه المرحلة التي تخالف كل ما كان لدى الآخرين من توقعات. وفي حين كان يُعتقد أن الوصول إلى هذه المرحلة سيدفع النظام الدولي لاتخاذ موقفٍ أكثر حزماً، تبدو مراجعةُ هذا الاعتقاد أمراً مطلوباً. لهذا، يُصبح اتفاق أطراف المعارضة السياسية على طبيعة العمل في المرحلة القادمة واجباً، وتُضحي أي ممارسةٍ تصبُّ في خانة التشرذم نوعاً من الخيانة الداخلية للثورة. ويُصبح التنسيق المتزايد بين الكتائب في الجيش الحر وفصائل المقاومة المسلّحة على صعيد التخطيط والتسليح والتمويل واجباً، وتغدو أي ممارسة تصب في خانة التنافس والانقسام نوعاً من الخيانة الداخلية للثورة. ويُصبح الدعم المالي والاقتصادي من القادرين عليه واجباً ومطلوباً بدرجاتٍ مضاعفة عما هو عليه الآن. فحين تُقدّم شرائح كبيرة من الشعب السوري كل ما لديها فداءً للثورة، من الأنفس والأرواح والأبناء والممتلكات، يُصبح من العار أن يُقصّر القادرون في الدعم المالي عن تقديم أموالٍ وضعها الله بين أيديهم على سبيل الأمانة، وملّكهم إياها ملكية انتفاع واختبار ومسؤولية. فاليوم يومُ أداء الأمانة والقيام بالمسؤولية، وبينما يختار البعض الارتقاء الكامل إلى مستوى التكليف المطلوب فينالوا خير الدنيا والآخرة، سيختار آخرون الاستنكاف والتهرّب من الواجب، فيُلبسوا أنفسهم أثواب الخيانة لله والشعب والثورة والوطن.

الحكومة المؤقتة في سوريا.. أو الطوفان

بعد بضعة أيام من نشر هـذا المقال، يعقد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية اجتماعاً سيكون من أكثر الاجتماعات حساسية في تاريخه وتاريخ الثورة السورية، إن لم يكن أهمها على الإطلاق. وتنبع خطورة الاجتماع بالدرجة...

الثورة السورية.. وقصة البشرية على الأرض

{وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة قالوا أتجعلُ فيها من يُفسدُ فيها ويسفكُ الدماء ونحنُ نُسبّحُ بحمدك ونُقدّس لك قال إني أعلمُ ما لا تعلمون}. بغضّ النظر عن الحشو الذي يملأ بتفاصيله...

عرب المشرق وطوفان إيران

لم يعد ثمة مجالٌ على الإطلاق، وبأي حسبةٍ من الحسابات، أن يسمح عربُ المشرق، ومعهم تركيا، لهذا الطوفان الإيراني أن يجتاح المنطقة بهذا الشكل الصارخ، ليس فقط في قباحته وابتذاله، بل وفي دلالات الموقف الدولي...

الثورة السورية بين مفتي السعودية والقرضاوي

منذ بضعة أيام، صدرت عن الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مواقفُ نعتقد أنها غير مسبوقة، وأن دلالاتها السياسية والدينية والثقافية تحتاج إلى كثيرٍ من التأمل. خاصةً عندما نفكر بأسبابها من جهة، ومآلاتها...

هل تفهم أميركا الثورة السورية بشكلٍ استراتيجي؟

قلائلُ هم الرؤساء الأميركان الذين يعرفون لماذا وصلوا فعلاً إلى البيت الأبيض, وماذا سيفعلون فيه على وجه التحديد. هذه حقيقةٌ معروفةٌ في أميركا، رغم أن عدد ساسة هذا البلد الذين يحلمون بالوصول إلى أهم موقعٍ...

الثورة السورية والمشهد الإقليمي

ما من شكٍ أن ثوار سوريا على الأرض كانوا ولا يزالون وسيبقون أصحاب القرار الحقيقي، لا نقول فيما يتعلق بمصير الثورة السورية، وإنما في تحقيق نصرها المؤزر في نهاية المطاف. لكن هذا لا يتناقض مع...

الحكومة السورية المؤقتة نقلة في عمل المعارضة

من الممكن جداً أن يكون تشكيل الحكومة السورية المؤقتة نقلةً هامة على طريق تحقيق أهداف الثورة السورية. ثمة مؤشرات عديدة على أن هذا الأمر في وارد الحصول، رغم الشكوك التي يطرحها البعض هنا وهناك. يبدأ...

الحكومة السورية المؤقتة.. حقائق وشبهات

منذ أكثر من خمسة شهور، وفي لحظة تأسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، كان أعضاؤه يعرفون، ومعهم العالم أجمع، أن الائتلاف هو المؤسسة الأم التي ستتولد عنها ثلاث مؤسسات أخرى أحدُها الحكومة المؤقتة. لم...

تحدي «استقلالية» قرار الثورة السورية

كثيرةٌ هي التحديات التي تواجه الثورة السورية، لكن تحدي الحفاظ على (الاستقلالية) بحساباتها وموازناتها الشاملة قد يكون أكثرهاً خطورةً وأهمية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الموقع الاستراتيجي لسوريا فإن التعامل مع هذا التحدي كان وسيبقى مهمةً...

الحكومة السورية المؤقتة: لماذا وكيف؟

كلما قلتُ متى موعدُنا ضحكت هندٌ وقالت بعد غد. قد يعبّر هذا البيت من الشعر العربي عن حال الثورة السورية مع معارضتها السياسية. فرغم المحاولات المختلفة للقيام بالدور المطلوب من قِبلها، لا تبدو هذه المعارضة...

«الهجرة» السورية الكبرى

يمكن وصف الثورة السورية بألف طريقة وطريقة، فهي تحمل في طياتها بحراً من المعاني سيأتي قريباً اليومُ الذي تظهر دلالاتهُ الحقيقية للناس. لكن وصف (الهجرة) قد يبدو في هذه المرحلة مُعبّراً عن واقع السوريين أكثر...

سوريا.. ولادةُ وطن

في عددها مطلع الأسبوع الماضي، نشرت مجلة الإيكونوميست البريطانية مقالاً بعنوان «سوريا، موت وطن». وعلى غلاف العدد، وضعت المجلة رسماً من ثلاثة أسطر يُعبّر عن دمار سوريا بشكلٍ تدريجي وصولاً نحو الخراب الكامل. بعدها بأيام،...