عدد المقالات 101
منذ أيام ظهرت إلى الواقع الذراع الاقتصادية للثورة السورية بشكل معلن وواضح. وبقراءة سياسية بحتة، يمكن القول: إن ظهورها سيكون نقلة نوعية في مسيرة الثورة، لأنها تمثل عملية انقلابٍ حاسمة لها الكثير من الدلالات، وكان الكثيرون ينتظرونها منذ زمن. من نافلة القول أن الثورة السورية لم تبق مشتعلة لأكثر من عام في معزل عن عمليات دعم وإسناد كان يقوم بها بعض أفراد مجتمع الأعمال والاقتصاد السوري بشكل متفرق وفردي في أغلب الأحيان. والمعلومات المتوفرة تؤكد أن هؤلاء ضخوا مبالغ كبيرة لدعم الثورة في مختلف المجالات. بل إن عودة قيمة الليرة السورية للارتفاع بعد أن هبطت بشكل حاد منذ أشهر يُعزى في جزءٍ كبيرٍ منه إلى السيولة التي تم صبها في الاقتصاد من خلال ألوان الدعم والمساندة. لا يختلف اثنان هنا على أن الصمود الأسطوري للشعب السوري خلال تلك الفترة ناتج أولاً وقبل كل شيء عن قوة نفسية هائلة لهذا الشعب، أفرزت إرادة عملية لا تقهر، بهرت العالم بتجلياتها وأمثلتها التي باتت أكثر من أن تُحصى وتُعد. والحديثُ هنا عن قوةٍ لا تنفع في غيابها أي ثروة اقتصادية ومالية، وعن إرادةٍ فولاذية لا يمكن للمال أن يصنعها، كما يدعي النظام زورا وبهتانا. وإنما العكس هو الصحيح. بمعنى أن تلك القوة ومعها الإرادة كانا بمثابة القاطرة الأساسية التي جرت باقي مقطورات الثورة السورية، والتي فرضت ولا تزال تفرض اتجاه وسرعة الأحداث، ليس فقط على النظام وشرائح الشعب المختلفة، وإنما على العالم بأسره. رغم هذا كله، يعرف القاصي والداني أن الثورة بقيت قرابة عام (متروكة) من قبل النظام الدولي، كي لا نقول أكثر من ذلك.. ويُصبح منطقياً الحديث عن وجود رأسمال وطني صاحب الثورة منذ البدايات، وكان رغم التقصير نسبة لما هو مطلوب، يلعب دورا في عمليات الدعم والإسناد، ولو في حدها الأدنى. ثمة وقائع ومعلومات ستظهر في الوقت المناسب بهذا الخصوص بعيدا عن الشعارات، لكن استنتاج الحقيقة السابقة ممكن منطقياً، على الأقل الآن، فيما يتعلق بهذا الموضوع. لكن من الواقعية أيضاً القول بأن صمت مجتمع الأعمال -خاصة في الداخل- كان يصب بشكل قوي في مصلحة النظام. سيما أن الأمر لم يقتصر لدى شريحة من هذا المجتمع على الصمت، وإنما تجاوز ذلك إلى دعم النظام بمختلف الأساليب. بدءا من تمويل (الشبيحة) وخدمة متطلبات العمل الأمني والعسكري بشكل عام، مروراً بالارتزاق القذر من الواقع الذي أحاط بالثورة اقتصادياً ومعيشياً، وانتهاء بتمويل الحرب الإعلامية والدبلوماسية والتقنية والنفسية للنظام، من خلال شبكات وشركات صناعة الرأي والعلاقات العامة الداخلية والخارجية. لهذا، كان طبيعياً أن يتبجح النظام أن مجتمع الأعمال والاقتصاد السوري يقف إلى جانبه، وكان طبيعياً أن يشكل موقف هذا المجتمع أكبر علامة استفهام يطرحها النظام السياسي الدولي دائماً على المعارضة السورية، وكان طبيعياً أن يكون هذا الموقف، (المُلتبس) في أحسن الأحوال أرضية لتردد المترددين، وعذراً للخائفين والمتشككين من أبناء الشعب السوري. لكن عزيمة الثورة وقدرتها المهولة على الاستمرار تبقى دائماً العنصر الرئيس في قلب المعادلة رأساً على عقب، وبصورة واضحة وقوية. فالثوار مرةً أخرى وأخرى هم الذين يحددون اتجاه البوصلة. وهم الذين يضعون الأجندة. وهم الذين يصنعون الفعل. وهم الذين يحددون طبيعة الحدث وسرعته واتجاهه. ومن لا يفهم هذه الحقيقة أياً كان داخل سوريا وخارجها سيكون عاجزاً عن فهم ظاهرة الثورة السورية، وعاجزاً بالتالي عن التعامل معها بأي أسلوبٍ وعلى أي مستوى من المستويات. ها نحن إذا أمام لحظة مفصلية انكسرت فيها ركيزة أساسية من ركائز النظام السوري. والأرجح أن ارتفاع منسوب العنف الوحشي الذي ترتكبه عصاباته نتج عن إدراكه للدلالات الاستراتيجية لما حصل بعد انقلاب مجتمع الأعمال عليه بشكلٍ كامل. فمن ناحية لم تبق لدى النظام الآن سوى الركيزة الأمنية والعسكرية التي أنهكت إلى درجةٍ كبيرة، ومعها ثلة من المرتزقة الذين ارتبطت مصالحهم كلياً ببقاء النظام، وأصبح وجودهم بأسره مهدداً في غيابه. لقد كان من ملامح التوفيق أن يتضمن البيان الصادر عن (المنتدى السوري للأعمال) والذي يمثل الآن الذراع الاقتصادية للثورة الفقرة التالية: «إن أعضاء المنتدى يعلمون أن قطرة دم شهيدٍ سوري من شهداء الثورة تفوق بقيمتها أي ثروةٍ مادية، لكنهم يدركون أن انتصار الثورة لا يتحقق إلا من خلال تكامل الأدوار. ومن هنا فإنهم يؤكدون إصرارهم على أداء دورهم وواجبهم بطريقتهم الخاصة، وبأساليب يدركون أكثر من غيرهم مدى تأثيرها على النظام، بحيث يكونون -بإذن الله- رأس حربةٍ في إسقاطه المدوي، وفي بناء سوريا جديدة تكون منارةً للعلم والإخاء والتنمية والسلام في المنطقة والعالم». فمجتمع الأعمال يُعطي الحق لأصحابه بهذا الاعتراف، ويُعيد التأكيد على الدور القيادي للثوار في رسم اتجاه البوصلة ووضع الأجندة وتحديد طبيعة الحدث وسرعته واتجاهه. لكنه في الوقت نفسه يرسل رسائل سيفهمها أصحاب العلاقة أن دخوله الميدان بهذا الشكل المباشر والواضح والشامل سيكون المسمار الأخير الذي يُدقُّ في نعش النظام.
بعد بضعة أيام من نشر هـذا المقال، يعقد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية اجتماعاً سيكون من أكثر الاجتماعات حساسية في تاريخه وتاريخ الثورة السورية، إن لم يكن أهمها على الإطلاق. وتنبع خطورة الاجتماع بالدرجة...
{وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة قالوا أتجعلُ فيها من يُفسدُ فيها ويسفكُ الدماء ونحنُ نُسبّحُ بحمدك ونُقدّس لك قال إني أعلمُ ما لا تعلمون}. بغضّ النظر عن الحشو الذي يملأ بتفاصيله...
لم يعد ثمة مجالٌ على الإطلاق، وبأي حسبةٍ من الحسابات، أن يسمح عربُ المشرق، ومعهم تركيا، لهذا الطوفان الإيراني أن يجتاح المنطقة بهذا الشكل الصارخ، ليس فقط في قباحته وابتذاله، بل وفي دلالات الموقف الدولي...
منذ بضعة أيام، صدرت عن الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مواقفُ نعتقد أنها غير مسبوقة، وأن دلالاتها السياسية والدينية والثقافية تحتاج إلى كثيرٍ من التأمل. خاصةً عندما نفكر بأسبابها من جهة، ومآلاتها...
قلائلُ هم الرؤساء الأميركان الذين يعرفون لماذا وصلوا فعلاً إلى البيت الأبيض, وماذا سيفعلون فيه على وجه التحديد. هذه حقيقةٌ معروفةٌ في أميركا، رغم أن عدد ساسة هذا البلد الذين يحلمون بالوصول إلى أهم موقعٍ...
ما من شكٍ أن ثوار سوريا على الأرض كانوا ولا يزالون وسيبقون أصحاب القرار الحقيقي، لا نقول فيما يتعلق بمصير الثورة السورية، وإنما في تحقيق نصرها المؤزر في نهاية المطاف. لكن هذا لا يتناقض مع...
من الممكن جداً أن يكون تشكيل الحكومة السورية المؤقتة نقلةً هامة على طريق تحقيق أهداف الثورة السورية. ثمة مؤشرات عديدة على أن هذا الأمر في وارد الحصول، رغم الشكوك التي يطرحها البعض هنا وهناك. يبدأ...
منذ أكثر من خمسة شهور، وفي لحظة تأسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، كان أعضاؤه يعرفون، ومعهم العالم أجمع، أن الائتلاف هو المؤسسة الأم التي ستتولد عنها ثلاث مؤسسات أخرى أحدُها الحكومة المؤقتة. لم...
كثيرةٌ هي التحديات التي تواجه الثورة السورية، لكن تحدي الحفاظ على (الاستقلالية) بحساباتها وموازناتها الشاملة قد يكون أكثرهاً خطورةً وأهمية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الموقع الاستراتيجي لسوريا فإن التعامل مع هذا التحدي كان وسيبقى مهمةً...
كلما قلتُ متى موعدُنا ضحكت هندٌ وقالت بعد غد. قد يعبّر هذا البيت من الشعر العربي عن حال الثورة السورية مع معارضتها السياسية. فرغم المحاولات المختلفة للقيام بالدور المطلوب من قِبلها، لا تبدو هذه المعارضة...
يمكن وصف الثورة السورية بألف طريقة وطريقة، فهي تحمل في طياتها بحراً من المعاني سيأتي قريباً اليومُ الذي تظهر دلالاتهُ الحقيقية للناس. لكن وصف (الهجرة) قد يبدو في هذه المرحلة مُعبّراً عن واقع السوريين أكثر...
في عددها مطلع الأسبوع الماضي، نشرت مجلة الإيكونوميست البريطانية مقالاً بعنوان «سوريا، موت وطن». وعلى غلاف العدد، وضعت المجلة رسماً من ثلاثة أسطر يُعبّر عن دمار سوريا بشكلٍ تدريجي وصولاً نحو الخراب الكامل. بعدها بأيام،...