جهل المعلوم

«جهل المعلوم: هو أن يتضح جهلك بشيء ما كنت على ثقة بأنك على علم جيد به».. هذا الوصف الدقيق استخدمه وزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد لتصوير وضع الساسة الأميركيين تجاه العراق، حيث إنهم كانوا على ثقة بأنهم على علم بما ستسفر عنه حرب العراق، إلا أنهم اكتشفوا من خلال سلسلة أخطاء سياسية جهلهم بمغامرتهم المكلفة. كذلك نجد القرار السياسي الأخير من الأشقاء بعزل أنفسهم عن دولة قطر -بسحب السفراء وهو شيء مخيب للظن بلا شك- هو الآخر أتى من باب «جهل المعلوم»، نعم هو إجراء مخيب للظن، فشعوب تلك الدول أشقاؤنا رغم كل التغيرات السياسية الداخلية في دولهم، وسيبقون كذلك مدى الدهر، فدولة قطر تتصرف دوماً «بحكمة» و»أمانة» قلما توجد في المنطقة، إلا أن التسرع بالرمي بالحكمة عرض الحائط من قبل الأشقاء لن يثري أياً منهم بعد أن عزلوا أنفسهم عنا دبلوماسياً، ولن يرضي تطلعات الشعوب في تعاون الدول الخليجية نحو تحقيق الأهداف المشتركة واتحاد خليـــ... إلخ إلخ إلخ. مشكلة قيادة؟ لا أريد أن أطيل في موضوع السفراء، ولا أريد أن أعطي الموضوع «أكبر من حجمه»، ولذلك سأكتفي بهذا القدر وأنتقل إلى النقطة الأخرى التي طالما تسببت في أرق شعوب الخليج «لسنوات»، فلقد طرحت الصحافة الغربية مؤخراً -والأميركية تحديداً- سلسلة تساؤلات حول الخليج وظهور «فراغ قيادي» -على حد تعبيرهم- في «بعض» دول الخليج، وأن منظومة مجلس التعاون تعاني من «مشكلة قيادة» حقيقية نتيجة الخلافات الداخلية، ويجب أن أعترف عزيزي القارئ بأنني تفاجأت وصعقت لهول ما قيل.. «خلافات داخلية»؟ لا.. لا يمكن ذلك، بل هو مرفوض بتاتاً، فمن «المعلوم بالضرورة» أن البيت متوحد، نعم الشعوب الخليجية لديها مشاكل اقتصادية وآلام وضع «الاتحاد الخليجي» في استمرار، إلا أنني لا يمكن أن أتصور أن بعض الخليجيين قد يبحثون عن اتجاهات جديدة وقيادات جديدة في الخليج بعيداً عن الصراعات، هل يعقل؟ لا أظن؟. قصة شكسبيرية.. كان الأديب والمسرحي البريطاني الشهير وليام شكسبير مغرماً بالتاريخ، وقد حرص على سرد الحقائق التاريخية في زمنه -أوائل القرن السابع عشر- وقد اشتهر شكسبير بانتهاج أسلوب جديد في عصره، وهو اختيار طرح تلك الصراعات التاريخية من منظور «الغيرة والعيوب في شخصيات مسرحياته»، وهي نظرية قد تبدو غريبة بأن يبني قصص تلك الصراعات بين الممالك والإمبراطوريات على غريزة بدائية كالغيرة أو الحسد، فهل صدق شكسبير في تحليله الدرامي للتاريخ؟ هل يمكن أن تكون الغيرة سبباً في صراعات الممالك «الأوروبية» قديماً؟ ربما، وربما أيضاً أن النظرية السياسية الحديثة لبعض الدول تتبع نظرية الكاتب الفرنسي الشهير «فرانسوا دوق دي لا روشفوكو» الذي كتب «لا يكفي أن أنجح فحسب بل على الآخرين أن يفشلوا أيضاً». الرأي الأخير... كتب الأب الروحي للعسكرية الحديثة كارل فون كلاوسوفيتس عن «ضباب الحرب» كثيراً، إلا أننا اليوم نجد دولاً عدة بدأت تسير بسرعة البرق في ضباب دبلوماسي وسياسي قد يكون مضحكاً، إلا أنه مخيف لما له من آثار سلبية على شعوب تلك الدول قبل غيرهم، ولكن هذا الشيء لا يمكن حدوثه في الخليج بلا شك، فيجب أن لا ننسى بأن خليجنا «واحد». (أول فصل في كتاب الحكمة هو الأمانة) إلى اللقاء في رأي آخر