


عدد المقالات 73
عاد سُليمان إلى بيته منتصف النهار بعد يوم عمل طويل ومرهق قضاه في عمل وبذل والقليل من الجدل. لم يستطع سليمان أن يخرج من جو العمل فدخل بيته شاحب الوجه متعب الملامح. كانت عائلة سليمان المكونة من الزوجة والأولاد في شوق لوالدهم. ولكن والدهم لم يستطع أن يخرج من مربع الحياة العملية إلى واحة الحياة الأسرية. فهو قلق ومتوتر ويفكر كثيراً في القضايا والملفات والقرارات والاجتماعات. يريد إنهاء الغداء سريعاً ليأخذ قسطاً من النوم بعد يوم مزدحم على سفرة الغداء ساد الوجوم وقل الكلام رغم أن الشوق غلاب وهناك الكثير من الأخبار والحوادث في جعبة الأبناء وأمُهم. لكن سُليمان لا يريد فتح باب الحديث بحجة الإرهاق والتعب وحاجته حسب ما يدعي لهدوء تام. انسحب الطفل الصغير من طاولة الطعام التي لا تمثل له إغراء يذكر وفضل أن يتناول غداءه أمام التلفاز وبعد ذلك بدا ابنة سليمان لا تحرص على تناول الغداء مع العائلة بحجة رغبتها في النوم فور عودتها من الجامعة. أما ابن سليمان الأوسط وهو الشاب اليافع صار يحبذ أن يتناول غداءه في أحد مطاعم الوجبات السريعة مع الأصدقاء قبل أن يعود للمنزل فهو يستمتع هناك كثيراً ويجد ما يفتقده في بيته!! أما الأم فهي حائرة بين الأب المزاجي والمتسلط وبين أبنائها الذين لا يجدون حرارة اللقاء ولا جاذبية المجالسة. العلاقة في المنزل تحوم بين افعل ولا تفعل. أمر ونهي وإن لم يكن فهو الويل والثبور وعظائم الأمور. الأم هي كذلك دخلت في بحر لا تجيد السباحة فيه فهي ترى أن الأوامر والنواهي أعظم دروس التربية فهي غير قادرة على إدارة الموقف ولا التعامل معها ولم تحاول تطوير قدراتها في ذلك فاستكانت إلى الشكوى لمن حولها ورفعت العلم الأبيض بدل أن يكون لديها رغبة في صياغة الحلول والمخارج!! بدأ العدد الذي يحضر اجتماع العائلة على الطعام يتناقص وصارت تلك الأجواء طاردة بدل أن تكون جاذبة وممتعة وجامعة. وعلى الجانب الآخر حيث طاولة العشاء حيث نشاهد الأمر أكثر سوءاً وخطراً حيث يتناوله سليمان يومياً مع الأصدقاء في الديوانية حيث يقضون المساء ثم يعود منتصف الليل إلى منزله لينام ويغادر في الصباح الباكر إلى العمل وكل يوم تُعاد هذه الرواية. هذه العائلة يصح لنا أن نطلق عليها لقب العائلة الفندقية قياس على الشقق الفندقية، فهي أسرة بلا روابط أو حوار أو حُب أو دفئ في العلاقات. أسرة بلا روح مشتركة أو مصير واحد أو اهتمامات متبادلة!! الكل ينظر إلى البيت على أنه مكان للراحة والتزود بالطعام فقط أما باقي الأنشطة والفعاليات والعلاقات وبذل الأوقات فهي تقضي مع دوائر أخُرى خارج الأسرة!! هذا النموذج لهذه الأسرة الفندقية نموذج خطير ومنتشر بكل أسف في مساحات واسعة من مجتمعاتنا، ولكنه إن شاء الله ليس الغالب عليها فهناك حالة من غياب الود في بعض الأسر أو الجفاف العاطفي أو انخفاض لقيمة الأسرة عند بعض الوالدين وهروب من المسؤولية عن البعض الآخر مما يجعلنا أمام نموذج مفكك يقودنا إلى انحرافات أخلاقية وسلوكية وعقلية كثيرة في لبنة من لبنات المجتمع وهم أبناء وبنات الوطن وعماد الأمة. والغريب في الأمر أن عددا لا بأس به من الآباء والأمهات عندما يواجه أبناءهم الكثير من التحديات أو يعانون من الضعف أو التعثر أو لا قدر الله الانحراف يتساءلون لماذا وما الأسباب ويرددون أننا أصبحنا غير قادرين عليهم وهي كلمة تستخدم لتبرئة الساحة من المسؤولية وهذا أمر في غاية الخطورة. أما ملء البيت بالأطعمة أو توفير السكن أو المواصلات أو الرعاية الصحية أو نحوها فهي لا تمثل مفهوم التربية لدينا بل هي رعاية وهنا فرق كبير بين التربية والرعاية وأرى أن الكثير يخلطون بينهما. فالبعض يعتقد أن دوره انتهى بملء البطون وكسوة الملابس وتوفير السكن ونحوه ويغيب عنهم أهمية الحوار والتحفيز والمتابعة والإشراف والتدخل في حال وقوع المشكلات وبث مشاعر الحب والعاطفة وإشباع أجواء المنزل بها وقيادة الأسرة إلى واقع أجمل وأرقى وأفضل في الأبعاد الدينية الأخلاقية والاجتماعية والسلوكية والمالية والعملية والعلمية. إن نموذج الأب المتوازن والأم المتوازنة هو المطلب المهم في هذا الوقت بالذات فالنجاح في العمل أو التجارة أو العلاقات الاجتماعية أو الحياة الشخصية شرف وعزة ومحل فخر ولاشك ولكن أن نبني في مكان ونهدم في آخر فهذا ما يحتاج منا لمراجعة عاجلة وتأمل عميق. إن الكثير من الآباء والأمهات يريدون أن يكون أبناءهم أفضل الناس وأحسنهم وينتظرون الساعة التي يفتخرون بهم وبصنيعهم ونجاحهم وأعمالهم والمراتب العليا التي وصلوا إليها ولكن عليهم أن يعوا أنهم المعنيون بهذا الإعداد والتأهيل، وأن أوضاع أبنائهم الحالية ناتجة إما عن بيئة صالحة ونقية ومحفزة أو بيئة عائلية فاسدة ومفككة ومتناحرة وهنا يقع الخطر وتنفتح أبواب المشاكل والمفاجأة غير السارة على الأسرة. وتؤكد لنا الدراسات أن الكثير من حالات الطلاق التي تقع في مجتمعاتنا يكون السبب الرئيس فيها هو ضعف الإعداد والتأهيل والذي تلعب فيه الأسرة دوراً كبيراً بالإضافة إلى الدورات التدريبية والتثقيف الذاتي وأنظمة التعليم والإعلام. ونقيس على ذلك أيضاً الضعف الدراسي والانحراف الأخلاقي والعقدي أو فقدان الثقة بالنفس والإرهاب الاجتماعي وضعف الهمة والطموح وسطحية التفكير والارتباك النفسي وغيرها من الظواهر المقلقة والمهددة للفرد والأسرة والمجتمع. محبرة الحكيم لسنا بحاجة لأسرة فندقية لا قيمة لها. بل نحتاج لأسرة ماسية تلمع حبٌاً وتجتمع شوقاً وتتعاون بناءً وتتسابق في الإنجاز والبر والإحسان والعمل الصالح - • مدرب ومستشار معتمد في التنمية البشرية وتطوير الذات CCT وعضو الجمعية الأميركية للتدريب والتطوير ASTD.
نيران تصول وتجول في أعماقه أطفأت العقل وعطلت الحكمة وحجبت البصر والبصيرة. أصبح ذاك الإنسان الوادع والمهذب وحشا كاسرا استبدل الهدوء بالغضب والعقل بالانفلات والحكمة وبالانتقام وأصبح إنسانا آخر لا يعرف مدى نقمته وحدود عدوانيته...
يبحر كثيراً مع رياح الماضي وانكساراته وانتصاراته وآهاته وتعقيداته وأمجاده. فالمتعة العظيمة في مخيلته هي العودة للماضي أو الهروب للمستقبل. وبين هذا وذاك ضيع الحاضر الذي ينتظر منه الكثير من العمل والتركيز والمبادرات والمشاريع. والحاضر...
في يرعان الشباب وعلى أعتاب المرحلة الثانوية وسؤال الوجهة والتخصص والمسار هو السؤال الأبرز على طاولة حياته. الكل حوله يوجهونه ويقترحون عليه لكن حسب ما يردون هم وليس حسب ما يريد هو!! أحس بالممل من...
لطالما أمعن النظر في أحوال الناس من حوله وكان يركز على جانب السعادة لديهم. نظرات الغبطة تخرج من عينه والكثير من الأسئلة يطرحها عقله حيث ظل يردد «يا سعدهم». على الضفة الأخرى كان يقارن أفضل...
كان يُشاهد نشرة الأخبار وحيث السياق في تلك النشرات عن الحروب والدمار. فرئة الإعلام لا تتنفس إلا من خلال الإثارة التي لا تتوفر إلا في مواطن الصراع أو التنافس. كان المذيع يصف حالة الحرب حيث...
عينه دائماً في أعينهم, يرقب ردود الأفعال ويتأمل الوجنات والإيماءات, حريص جداً على رضاهم مهما كلف الأمر. قبل أن ينام يبدأ بعد الأشخاص ويتساءل هل فلان راض علي؟ ويعتقد أنه سوف يحصل رضا كامل الدسم...
وجد ضالته بها؛ فأصبح يستخدم هذه الكلمات لتبرير الكثير من الأحداث من حوله. تعثره الدراسي وانعزاله الاجتماعي وفشل تجارته وأعماله وتأخر الكثير من ملفات حياته. بدأت اللعبة تكون أكثر إغراء ومتعة!! فبدأ الأصدقاء والأقارب من...
تعرفه من قيادته للسيارة، فهو في عجلة دائماً، يصيبه الاكتئاب من منظر الإشارة الحمراء، ويشعر بالضيق عندما يرى السيارات تمشي ببطء من الزحمة! يقود السيارة بتهور لا محدود، وفي النهاية المشوار الذي يذهب إليه هو...
يبهرني مشهد رسول عظيم عليه الصلاة والسلام وهو المعصوم عن الخطأ والمسدد بالوحي يُلح على أصحابه قائلاً «أشيروا عليّ». وعمر رضي الله عنه يدين لأحد الصحابة لأنه أنقذه من قرار خاطئ ويقول «لولى معاذ لهلك...
خرج من منزله وفي جيبه العلوي 500 ريال تدفي قلبه وتحسسه بالأمان المالي على الأقل لفترة قصيرة.. لكن بعد أن عاد إلى المنزل في نهاية اليوم, صاح يردد وعلامات التعجب تملئ وجهه «وين فلوسي وين...
بعد زيارته لتلك المدينة سألته عن انطباعاته عنها. فقال لي: جميلة بس كل أهلها بخلاء. وعندما انعطف بنا الحديث لسؤاله عن إحدى الشركات قال: شركة ممتازة لكن القائمين عليها كلهم فاسدون!! استمر الحديث حول مرئياته...
تجده يعمل في كل صنعة ويهتم بكل خبر، في الحوار مع الآخرين يفتي في كل شيء ولن تجد لكلمة «لا أعلم» أي تواجد في قاموسه. متعة في العمل التجريب الدائم والانتقال المستمر، فاليوم في وظيفة...