


عدد المقالات 129
تنثال ذاكرة شفيق الغبرا على صفحات كتاب جديد عن تجربة الثورة بعنوان «حياة غير آمنة-جيل الأحلام والإخفاقات». ذاكرة تنزف وجدا وحسرة على ما آلت إليه حال الثورة الفلسطينية عموما، وفتح خصوصا، وبأكثر خصوصية، تجربة الكتيبة الطلابية كتيبة الجرمق». ألقى شفيق ضوءا على طفولته وشبابه الأول وظروف عائلته وأصلها وانتقالها من مكان إلى آخر إلى أن انتهى بها المطاف في الكويت منذ أوائل الستينيات، ودور والده الطبيب ناظم الغبرا، خريج الجامعة الأمريكية في بيروت في خدمة محيطه الأمر الذي قاد إلى منحه وعائلته الجنسية الكويتية، فبدأت ثنائية الولاء والانتماء، فقد وجد شفيق نفسه، ككل الفلسطينيين الذين انتقلوا إلى بلاد ومجتمعات أخرى، يبنون فيها وعينهم على فلسطين، يتوقون للعودة ولا يتوانون عن بذل الغالي والنفيس في سبيل الحفاظ على هويتها ومنع شطبها عن خارطة العالم الجغرافية والسياسية. هيأ والد شفيق له حياة آمنة ورغيدة، وفر له التعليم في أفضل المدارس والجامعات في الكويت ولبنان والولايات المتحدة، وكان يمكن أن يتبوأ منذ البداية مناصب رفيعة في الكويت خاصة وانه كان لوالده علاقة صداقة خاصة وعائلية مع أمير الكويت الذي نصحه أكثر من مرة خلال لقاءات حميمة أن يتخلى عن طريق المقاومة ويبقى في الكويت، معززا مكرّما، لكنه، مثل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، بإصرار وإحساس بالمسؤولية لبّى نداء الواجب، والتحق بفتح وعاش حقبة مع كتيبة نسور العرقوب ليستقر لسنوات طويلة مناضلا في صفوف كتيبة الجرمق، بعد أن وجد فيها ما يتلاءم مع أفكاره وأخلاقياته حيث تعدد الأفكار والانتماءات الدينية واليسارية والقومية موّحدة في خط جماهيري مقدام، ينحاز للناس ويحترم الآخر ودائما في طليعة المواجهين للأعداء باقتدار وجسارة دون التباهي والتفاخر، ينحني أعضاؤه احتراما لبقية كتائب العاصفة والمناضلين في الفصائل الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية ويحتضن عربا وأجانب اختاروا أن يواجهوا العدو الصهيوني وحلفاءه، دون أن تحرفهم المعارك التي فرضت عليهم خارج مواجهة العدو عن هدفهم الرئيس دائما، مواجهة العدو على أمل الانتصار، الحلم الذي لم يتحقق حتى الآن، لكنهم اختاروا أن يؤسسوا لتحقيقه بتضحياتهم الكبيرة. في الطريق إلى العرقوب بصحبة محجوب عمر، اختار شفيق اسمه النضالي الذي عرف به «جهاد» ليكون لقاءه الأول مع محمد علي، الذي علّمه من البداية التواضع والإقدام والجسارة. على مدى صفحات تقترب من الأربعمئة، يعرض «جهاد» تجربته الشخصية في كافة المواقع، في العرقوب، وبيروت والجبل والجنوب وتفاصيل معارك ومواجهات قاسية هددت حياته وشهد خلالها فقدان إخوة ورفاق درب.تنير الصفحات أسماء مناضلين استشهدوا وآخرين ما زالوا على قيد الحياة، تفر الدمعة من عين من شهد التجربة، أو لامست وجدانه وكان خارجها. إنها تفاصيل الحياة القاسية والمواظبة والصبر التي مر بها كل فدائي ومناضل حيث يجد في رواية «جهاد» بعضا مما مر به وما كابده. شهد «جهاد» المعارك والتحولات السياسية والفكرية، وأعطى من تذكر من إخوته في المعركة حقهم بحدود ما عرف أو عاش، صحيح انه كان يروي قصته، لكنها في الواقع قصة كل من عاش التجربة، لذلك لم استسغ مراجعة الكاتبة منى سكرية للكتاب في صحيفة الحياة اللندنية حيث غمزت في أكثر من موقع من قناة جهاد بدعوى فردانية الحكاية وتركيزها على الذات وطرحت أسئلة ليس من واجب جهاد أن يرد عليها، فيها قصدية التقليل من جهد المقاومة بمجموعها. في الكتاب روح النسور المحلقة في فضاء الجنوب وقراه، ترتفع لتصل إلى فلسطين، تضيء سهولها وهضابها وجبالها بأمل التحرير بمداد الدم والتضحيات، وفيه ذكر لمناضلين استمروا وانتقلوا إلى مواقع كثيرة، كأبي الفتح، وأبي حديد، ومحمود العالول، وعشرات غيرهم، كبروا منذ كانوا في ربيع العمر على أخلاقيات الثورة وخط الجماهير ومناقبية العاصفة والجرمق. يرصد الكتاب بأسى نهاية كتيبة الجرمق وفق رؤية «جهاد» بتحوّل بعض كوادرها ومنظريها إلى الإسلام السياسي، الأمر الذي أدى إلى مغادرة عدد من خيرة شبابها أرضها ليعودوا إلى أصولهم الدينية المذهبية أو الفكرية أو إلى مواقع عمل في بلاد مختلفة دون التقليل من شأن العدد الأكبر الذين استمروا في المواجهة دون الالتفات إلى الصراع الفكري فخاضوا معارك الثورة التي تلت مغادرة «جهاد» للكتيبة عام 1981. نعم، حياة المناضلين لم تكن آمنة، لكنهم لم يكونوا جيل الأحلام والإخفاقات كما ورد في العنوان الفرعي.كانوا جيل العمل والتضحية والفداء والإيثار، غلبتهم الظروف، وتقاعس الحلفاء، وتقاتل أصحاب المشاريع الثانوية، واستفراد العدو بهم بعد أن سكتت الجبهات، لكن الأمل سكنهم دائما ويعيشون بمن فيهم «جهاد» قناعة أن تضحياتهم لم تذهب هباء، ففلسطين على الخارطة، جغرافيا وسياسيا وثقافيا وهوية ومؤسسات وأفرادا، يعتزون بأنهم ينتمون إلى شعب عجزت آلة الحرب الغاشمة، ومؤامرات الأعداء والحلفاء، عن إلغاء هويتهم أو وقف مسيرتهم، رغم كل الصعاب. حياة غير آمنة، كتاب يستحق القراءة والتأمل والتفكير، ومراجعة ما ورد فيه من تجربة، وفيه تحفيز لكل المناضلين من أبناء شعبنا لكتابة تجربتهم الشخصية، فتجارب الأفراد تروي تجربة المجموع، لعل الأجيال الجديدة، تكتب حكاية الانتصار. أكرر ما قلته إذ رويت تجربتي في كتابي «انثيال الذاكرة» وفي آخر جملة وعلى لسان كل جيلي: قهرتنا الأيام لكنها لم تهزمنا بعد. ? المقال منشور بالتعاون مع مشروع «منبر الحرية» www.minbaralhurriyya.org
مر على النكبة 66 عاماً، اختلطت فيها آلام اللجوء مع الكفاح والثورات وأحلام العودة. فالنكبة بصفتها عملية اقتلاع شملت مصادرة الأراضي والمنازل واحتلال المدن وتدمير مئات القرى وسط مجازر وتهجير جماعي ومنع السكان المواطنين من...
كان الهدر بجميع جوانبه المادية والزمنية والنفسية سمة من سمات حقبة الاستبداد العربي طيلة أكثر من أربعين عاما، سحق المواطن سحقا ثقيلا وكبتت أنفاسه وتحول إلى جثة متحركة بجسم لا روح فيه، في عملية تشيؤ...
درج النظام السوري على تأخير وتأجيل (بهدف إلغاء) استحقاقات الإصلاح السياسي، وكل ما يتصل به ويترتب عليه من متعلقات ومتطلبات اجتماعية واقتصادية ومؤسساتية إدارية، وما يترتب عليه من تنمية إنسانية حقيقية تتحقق من خلالها تجسيد...
لقد أفرز الحراك العربي نقاشات عميقة حول مجموعة من المواضيع التي كانت تستهلك بشكل سطحي وبدون غوص في حيثياتها وأبعادها. ويعد من بينها المجتمع المدني كمفهوم متجدر في الغرب، فقد عرفه «توماس هوبز» في منتصف...
بعد أحداث طهران 2009 الدامية على إثر الانتخابات الإيرانية التي اتهم فيها المحافظون بالتزوير، وصعد الإصلاحيون -بقيادة حسين موسوي وكروبي- احتجاجاتهم مطالبين بإعادة الانتخابات التي قوبلت بالرفض القاطع من المحافظين الأمر الذي أثار شكوك الإصلاحيين...
قدم أحفاد كمال أتاتورك – مرة أخرى – درسا جديدا من دروسهم للعرب، فبعد أن نجحوا في إرساء دعائم دولة الحق والقانون، وبناء المؤسسات التي أهلت دولة تركيا للالتحاق بنادي الديمقراطيات ( معدل دخل الفرد...
.. شعب سوريا كما قلنا حضاري منفتح على الحياة والعصر، وعرف عنه تاريخياً وحضارياً، عشقه للعمل والإنتاج والتجارة والصناعة وغيرها من الأعمال.. وحضارة هذا البلد العريقة -وعمرها أكثر من7000 سنة- ضاربة الجذور في العمق التاريخي...
باعتقادي أن التسوية السياسية الكبرى المتوازنة المنتظرة على طريق المؤتمرات والتفاوضات المرتقبة عاجلاً أم آجلاً (مع الأمل أن يكون للسوريين أنفسهم الدور الرئيسي في بنائها والوصول إليها) التي تحفظ حياة وكرامة المواطن-الفرد السوري، وتعيد أمن...
لاشك بأن التغيير البناء والهادف هو من سمات وخصائص الأمم الناهضة التي تريد أن تتقدم وتتطور حياتها العمرانية البشرية والمجتمعية..وفي مجتمعاتنا ودولنا العربية والإسلامية عموماً المحمّلة بحمولات فكرية ومعرفية تاريخية شديدة الحضور والتأثير في الحاضر...
في خضم الثورات العربية أو ما يسمى بالربيع العربي يمكن القول إن صوت المثقف العربي خافت من جوانب عدة فبعد مرور حوالي سنتين على بدء هذا الربيع يحتاج المشاهد والقارئ وبالتالي المواطن العادي إلى تحليلات...
يسهل نسبياً الانتقال من حكومة ديمقراطية إلى أخرى ديمقراطية بواسطة الانتخاب، كما يسهل الانتقال من حكم ديكتاتوري إلى آخر مثله من خلال الانقلاب، إلا أن الثورات الشعبية التي لا تتضمن سيطرة جناح محدد على بقية...
هبت رياح التغيير على بعض الأقطار العربية منذ ما يربو عن سنتين من الآن، فصار مطلب الحرية والديمقراطية ودولة القانون يتردد على أكثر من لسان، وأضحى الالتحاق بنادي الديمقراطيات حلم الشعوب المنعتقة من نير النظم...