هل اقتربت الثورة في إيران؟

لا تزال السلطة الدينية في طهران تمسك بمفاصل القوة وتبدو مطمئنة لولاء الحرس الثوري والجيش، ولا يزال رئيس الدولة مسيرا بإرادة المرشد. لكن هذا الوضع لا يعكس البتة ما يعتمل في الشارع؛ فالمؤشرات تدل على أن باب التغيير فتح على مصراعيه في إيران. ثنائية المحافظين والإصلاحيين تنطبق فقط على النخب السياسية، بينما السواد الأعظم من الناس ضاق ذرعا بنظام الجمهورية الذي اختُطف في اللحظات الأولى من تشكّله وفقا لكثيرين في إيران. لقد اندلعت ثورات عارمة في الشرق الأوسط طيلة العام الماضي، وقهرت الشعوب عتاة المستبدين وبات جليا أن الدعوة للتغيير لم تعد انتحارا ولا مجازفة. صحيح أن المنطقة العربية أهم وكر للتخلف والاستبداد، لكن هذا لا ينافي أن هناك معاقل أخرى للدكتاتورية مرشحة لأن تطالها الثورات. العديد من الشعوب التي ثارت على تغييب الحريات والغبن الاقتصادي، لم تختبر من قبل الثورة بينما يملك الإيرانيون رصيدا كبيرا في هذا المجال. ولكن ليس هذا ما يدعو إلى استشراف حصول منعطف سياسي في إحدى أهم دول الشرق الأوسط، إنما هناك العديد من المؤشرات وربما البراهين التي تقطع بأن إيران على أعتاب التغيير. إن الأغلبية في إيران لم تعد مقتنعة بالوضع القائم، فبعد أكثر من ثلاثة عقود على الثورة يجد الإيرانيون أنفسهم من أفقر شعوب الإقليم، فإنجازات النظام لا تتجاوز استعداء الغرب. وحتى البرنامج النووي الذي ملّ الإيرانيون من تحمل تبعاته لا يزال يراوح مكانه. ومما يدعو للاستغراب أن باكستان الفقيرة بكل المقاييس أنجزت قنبلة نووية في أقل من عشرة أعوام، في حين لا تزال إيران رغم إمكاناتها العلمية والمادية تعلق فشلها في هذا الجانب على ما تسميه غطرسة الغرب وقوى الاستكبار. إن ضجر الإيرانيين من سياسة الصدام مع العالم أحد أهم روافد الثورة، فلم يعد واردا حشد الدعم الشعبي بحجة مواجهة الإمبريالية وغير ذلك من الشعارات التي لا تجد تطبيقا على أرض الواقع. العامل الثاني الذي يدفع باتجاه التغيير في إيران، هو الاحتقان السياسي؛ حيث يخضع العديد من الساسة للإقامة الجبرية، وقد استُخدم القضاء لتغييب العديد من الناشطين خلف القضبان. وإلى جانب التأزم السياسي وتردي الوضع المعيشي للكثير من الشرائح الشعبية، توجد في إيران أقليات دينية وطائفية تعاني من التهميش وستكون في طليعة المنتفضين على النظام. كذلك، يواجه النظام الإيراني تحديا مهما؛ حيث أصبحت المنطقة غير مكترثة بالنموذج الذي يروج له قادة طهران. بعد سقوط القذافي وترنح الأسد لم تعد عقيدة المانعة مغرية للشعوب خصوصا بعد أن جنح الإسلاميون للشارع وركنوا لتفاهمات مع الغرب. بيد أن أكثر ما يهدد ولاية الفقيه هو نضج الشارع وإيمان الشباب بضرورة التغيير. وإذا كان الثوار العرب وظفوا التقنيات الحديثة في تأجيج المظاهرات ضد الحكام، فإن الإيرانيين كانوا أول من ابتكر هذا الأسلوب من النضال. لقد تحدى الشباب في إيران الحظر الذي فرضته الحكومة على الاتصالات الهاتفية ووظفوا الوسائل التقنية في نقل قمع الحكومة للمحتجين على نتائج الانتخابات الرئاسية قبل ثلاثة أعوام. إيران إذن تندفع بسرعة نحو التغيير، وربما تكون الانتخابات النيابية المقبلة نقطة الانطلاق؛ حيث يتوقع العديد من المراقبين أن تكون مناسبة للتظاهر ورفض سياسات النظام، ما دام التيار الإصلاحي يرفض المشاركة فيها بحجة عدم شرعية حكومة أحمدي نجاد. sidhadee@hotmail.com •