alsharq

د. أحمد موفق زيدان

عدد المقالات 272

لماذا نجح مشروع أميركا بدعم المجاهدين الأفغان وفشل في سوريا؟

05 أكتوبر 2015 , 12:59ص

كتب زبيغينو بريجنسكي مستشار الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر أيام الجهاد الأفغاني إنهم من سعوا إلى جرّ الاتحاد السوفيتي لأفغانستان لتلقينه درساً والتخلص من عقدة فيتنام. ليس من السهل التحقق من صحة كلامه، لاسيَّما وأن الدعم الأميركي الحقيقي للمجاهدين أتى بعد سنوات من الغزو، بعد أن تيقنوا من جدية المجاهدين في قتال الدب الروسي وقدرتهم على إلحاق الهزيمة به، ولكن على الأقل تلك هي الرواية الأميركية التي لا نريد مناقشتها الآن. فالدعم الأميركي آنئذ باختصار جاء متقاطعاً مع مصالح المجاهدين والشعب الأفغاني بطرد الاحتلال السوفيتي وإسقاط نظام الدمية الشيوعي، كما كانوا ينعتونه، فتحقق بذلك هدف الداعم والمدعوم، مما نسج أغنية النصر ولو بعد حين، أما على الأرض فرضخت أميركا لباكستان في توكيلها حصرياً بالتعاطي مع الأرض، وهو التوكيل الذي اتفقت عليه مع الممول الرئيسي لها من أجل توحيد الجهد لتحقيق النصر، مما جعل الطباخ واحداً فلم تحترق الطبخة لوجود طباخين كثر فيها، لاسيَّما باكستان ضياء الحق اكتسبت ثقة غالبية الشعب الأفغاني يومها. المشروع الأميركي ظل متماشياً طوال سنوات الجهاد مع سياسة المجاهدين ورغبات شعبهم، إلا في سنواته الأخيرة حين أعلنت بعض الأوساط الأميركية عن رغبتها بعودة الملكية وحرمان المجاهدين من الثمرة، مما أربك المشروع وحصل على أساسه افتراق المصالح، وما زالت مقولة زعيم الجماعة الإسلامية القاضي حسين أحمد رحمه الله الذي كان أول مبعوث للإمام أبي الأعلى المودودي مؤسس الجماعة للمجاهدين الأفغان في كابول مطلع السبعينيات ترن في أذني حين رد على سؤال من أن أميركا استخدمت المجاهدين فأجاب المجاهدون هم من استخدموها والدليل غضبها عليهم لاحقاً، ولذا فقد رأينا التخبط الأميركي بعد افتراق المصالح هذا، ولا يزال مشروعها يزداد تخبطاً اليوم مع انفراج زاويته عن هموم الحاضنة الاجتماعية وإصراره على فرض نموذج حياة وأدواته على الشعب الأفغاني وكذلك العراقي والسوري. أنتقل إلى ما يجري في الشام اليوم فنذكر بردّة فعل الشعب السوري الثائر على الظلم الطائفي حين زار السفير الأميركي في سوريا روبرت فورد حماة يوم مظاهراتها التي قُدرت بستمئة ألف متظاهر وكيف نثروا عليه الورود ورفعوا سيارته كما قيل، وانتظر السوريون طويلاً أن يُترجم أوباما تصريحاته التي غدت ممجوجة لاحقاً من أن «الأسد فقد شرعيته» وعليه أن يرحل لكن دون جدوى فقد ابتلعها كما ابتلع عشرات التصريحات والتهديدات بحق الأسد، ليتحول إلى زعيم جمهورية موز بكل معنى الكلمة. إذن ليست العلة في الشعب السوري الذي انتفض على الظلم والاستبداد فهب الأميركي كذباً وزوراً يدعي مساعدته، فسعى إلى حرف المعركة من مطلب الشعب بإسقاط الأسد وهو المرض، ليلتهي الأميركي بالعرض وهو مقاتلة داعش، وفقاً للروزنامة الأسدية بتقديم مقاتلة داعش على إسقاط النظام، وسعت أميركا لاحقاً إلى تكييف مشروع تدريب كتائب الجيش الحر لهذا المفهوم فحصرت المتدربين بقتال داعش، والتعهد خطياً منهم بعدم مقاتلة العصابة. انفضت كثير من كتائب الجيش الحر عن الممول والمدرب الأميركيين وحين دخل أخيراً حوالي 72 متدرباً بقيادة الرائد أنس أبوزيد الشمال السوري من تركيا لقتال داعش، آثر الأخير مبايعة النصرة وتسليمها أسلحته، وخسرت أميركا مشروعها وأعلنت عن توقفه متزامناً مع الغزو الروسي للشام، الذي ترافق أيضاً مع إعلان أميركي رسمي من أنهم لا يستطيعون حماية من دربوهم من القصف الروسي، وهي فضيحة بامتياز، إذ إنها ستؤثر مستقبلاً على هيبتهم. الأمر الآخر الذي شلّ القرار الأميركي وتناغمه مع مطلب السوريين بإسقاط العصابة البرميلية هو خلق أكثر من باكستان في التحكم عملياً على الأرض فتشتت القرار، وظهر الأردن ومصالحه المتناقضة مع تركيا تجاه الثورة، وبينما نرى تسخيناً واضحاً في الجبهة الشمالية لحظنا تبريداً بالجنوبية، مما طمأن النظام تماماً إزاءها ليتفرغ للجبهة الشمالية مستدعياً معه الدب الروسي ليدمر ما تبقى من خزف شامي في الشمال والوسط عجزت عنه العصابة البرميلة وأسيادها في قم وطهران. بالتأكيد فإن ثمة أصواتاً أميركية ارتفعت لكن في البرية بعد أن علا الصوت الصهيوني بالإبقاء على طاغية الشام حاكماً، فقائد القوات الأميركية بالعراق سابقا ومدير مخابراتها سابقا ديفيد باتريوس قال لا بد من منطقة آمنة تحمي المدنيين من براميل الأسد، والأمر نفسه كررته وزيرة خارجية أوباما سابقاً هيلاري كلينتون، وكذلك جون مكين، ووفقاً لخبرة باتريوس صاحب مشروع الصحوات العراقية فإن المشروع في العراق نجح لكسبه ثقة المدنيين. إذن المشروع الأميركي يتخبط في المنطقة كلها وليس في سوريا فحسب ففي أفغانستان يفتقر إلى الأدوات التي تشاطره المغرم وليس المغنم، ولذا نرى هذه الأدوات يرتفع صوتها فقط عند المغنم ولكنها سريعا ما تفر وقت المغرم، وهو ما يشير إلى تناقض المصالح بين الشعوب وأميركا، وانفصال الأخيرة عن واقع غدا صعب التحكم به وفقاً للروزنامة الدولية بعد عصر الحرية والانعتاق من الاحتلال والظلم والاستبداد. أخيراً لا أميركا التي حوّلت 39 دولة بحسب بعض الدراسات خلال العقود الماضية إلى دول فاشلة بتدخلاتها قادرة على إحلال عملية تغيير ديمقراطي حقيقي تتناغم مع أشواق الشعوب، ولا روسيا المجرمة التي يذكرها العالم كله بقمعها ربيع براغ ومجازرها الوحشية ضد الشعبين الأفغاني والشيشاني قادرة على سحق مطالب الشعوب، ولكن التحدي الحقيقي أمام الجماعات الجهادية والثورية في أن ترتقي إلى مستوى الحدث أولاً وإلى عظم المواجهة، وطموحات ورغبات شعوبها بالوحدة والتلاحم مع الحاضنة الاجتماعية، وإلا فإن مصير إبادة القياصرة لما أطلق عليهم «قوات الباسمتشي» في آسيا الوسطى ينتظرها، أو عاقبة الشعب الأفغاني بالتحرر من السوفيت بغض النظر عما دار لاحقاً ويدور هناك. @ahmadmuaffaq

موسكو تعود إلى أفغانستان من البوابة السورية (1-3)

كشفت الوثائق الأميركية الأخيرة عن عودة روسية قوية إلى أفغانستان للانتقام من القصف الأميركي الذي قضى على المئات من قوات الفاغنر الروسية في دير الزور بسوريا بشهر فبراير من عام 2018، ابتلعت موسكو يومها الإهانة...

الشمال المحرّر معاناة لا تنتهي (2-3)

قطاعا التعليم والصحة في الشمال المحرر من القطاعات المهمة التي تستأثر باهتمام الشمال وأهله، لا سيما في ظل الحاجة إليهما، يضاعفهما الحالة الاقتصادية الضعيفة لدى ساكني المنطقة، لقد ظل القطاعان مدعومين من المؤسسات الدولية، لكن...

الشمال المحرر معاناة لا تنتهي (1-3)

أوجه معاناة الشمال السوري المحرر لا تنتهي، فبعد أن كان الخوف والقلق من العدوان العسكري يسيطر على تفكير الأهالي، صار اليوم القلق أكثر ما يكون بشأن معاناة الحياة اليومية الممتدة من المعيشة إلى العودة للبيوت...

مدن الشام فارغة وأهلها يرقبونها من خيامهم

لم تكن لتتخيل عائشة وفاطمة وأحمد للحظة أن يحلّ بهم ما حلّ في أول عيد يمضونه خارج البيت الذي ضمهم لسنوات، فجأة وجدوا أنفسهم في خيام رثّة على الطريق الرئيسي الواصل بين اللاذقية وحلب، ليرقبوا...

المشروع الروسي خارج الزمان والمكان

ما جرى أخيراً في ليبيا من انهيار وهزيمة لم يكن لقوات الانقلابيين والثورة المضادة بزعامة خليفة حفتر، ولا للمشغل الروسي والإماراتي، بقدر ما هو انهيار للأسلحة الروسية، وعلى رأسها منظومة سلاح «بانتسير» المفترض أن تكون...

خرْق السفينة الأسدية

الخلاف الذي برز للسطح أخيراً بين رامي مخلوف وبشار الأسد ليس من طبيعة نظام السلالة الأسدية، التي عرفت بالغموض والتستر على بعضهم بعضاً، ولعل ما حصل في عام 1984 بين حافظ الأسد ورفعت دليل يمكن...

السوريون وثورة الجياع اللبنانية

منذ بوادر الثورة اللبنانية قبل أكثر من عام تقريباً، وحتى الآن، والسوريون ينظرون إلى ما يجري في لبنان، على أنه انعكاس وربما امتداد لما جرى ويجري في سوريا، نتيجة العلاقات المتشابكة بين البلدين، فضلاً عن...

الأسد بين موسكو وطهران (2-2)

تتحكم القوى المتنافسة أو المتصارعة بشكل مباشر على سوريا، وهي تركيا وروسيا وإيران بدوائر معينة، ولكن باعتقادي أن الدائرة السورية الأكبر تتحكم بها الولايات المتحدة الأميركية، وقد تدخل إسرائيل على الخط أحياناً مساعداً أو مكملاً...

دروس من وباء عام 1918

يظل التاريخ هو الحكم بين البشرية، ليس في مجالات السياسة والاقتصاد والإدارة فحسب، وإنما حتى في المجال الطبي حديث الساعة اليوم، والذي استُدعي على عجل خلال هذه الأزمة، فبدأ العلماء ينبشون دفاتره القديمة، يستذكرون تاريخ...

أفغانستان ما بعد الاتفاق الطالباني- الأميركي (2-2)

أفغانستان أمام خيارين، تماماً كما كانت قبل سقوط كابل بأيدي المجاهدين في أبريل 1992، إما حل سياسي تفاوضي يؤدي إلى تسوية، أو حرب تعيد مآسي الحرب الأهلية التي خاضها الإخوة الأعداء في تلك السنوات العجاف،...

الثورة السورية في عالم ما بعد «كورونا» (2-2)

الحالة الصحية الموجودة في مناطق نظام الأسد سيئة، سواء كان من حيث الخدمات أم من حيث هروب الأدمغة الطبية المعروفة التي كانت في سوريا قبل الثورة، وقبل هذا كله التخبّط في القيادة والتحكّم على الأرض،...

الثورة السورية في عالم ما بعد «كورونا» (1-2)

لا سرّ وراء بقاء سلالة «آل الأسد» على مدى نصف قرن في السلطة، كسرّ ولغز احتكارها وتغييبها المعلومة، فلا شيء أخطر على ماضي وحاضر ومستقبل الأنظمة الشمولية الديكتاتورية من المعلومة الحقيقية والواقعية. ومن هنا نستطيع...