عندما يصبح رأيك «عامّاً»

نسمع كثيراً في نشرات الأخبار عن الرأي العام واستطلاعات الرأي العام ولكن ما حقيقة هذا «الرأي»؟ وما درجة عموميته؟ ومتى يتحول من خاص إلى عام؟ يعرف الرأي العام على أنه مجموع الاتجاهات والقناعات الخاصة بالأفراد البالغين في المجتمع. هذا التعريف وإن كان عاماً فهو يشير إلى أن الرأي العام مركب من آرائنا جميعاً، وهذا لا يعني بطبيعة الحال أنه رأي موحد نحمله جميعاً ولكنه، إن صح التعبير، رأي يشترك غالبيتنا في الإيمان به أو أجزاء منه حول قضية ما، هو إذاً مزاج عام يحكم اتجاه مجرى النهر ولكنه لا يمنع وجود موجات صغيرة في اتجاهات مختلفة. دراسة الرأي العام تتمثل في محاولة التعرف على المزاج العام لأفراد المجتمع من خلال أدوات مختلفة للرصد والإحصاء، وكما يحلو لأحد الباحثين أن يمثل قياس الرأي العام مثل أخذ عينة الدم التي تنبؤك عن محتويات دمك وخاصياته، فرغم كونها قطرات من ليترات فإنها تحمل خواص الدم الذي يدور في أنحاء جسمك وبالتالي تعبر عنها. في دراسات الرأي العام تختار العينة بطريقة عشوائية مما يعني أنه لا توجد محاباة أو أفضلية لفئة معينة دون أخرى من المجتمع المزمع استطلاع الآراء فيه. كما تكون العينة كذلك ممثلة لخواص وتركيبة المجتمع فلا تغلب سكان منطقة على غيرهم ولا جنسا على آخر بل تكون صورة مصغرة عن المجتمع الكامل. علمياً إذا أجريت دراسة الرأي العام بشكل مناسب تكون الثقة في النتائج عالية جداً بحيث أنك لو أجريت ذات الدراسة 100 مرة مع 100 عينة مختلفة ستجد أنه في 95 مرة أو أكثر منها ستكون النتائج متشابهة بفوارق محدودة تندرج ضمن ما يسمى معامل الخطأ، وهو رقم يحسب علمياً لإمكانية الصعود أو الهبوط عن النتيجة بناءً على مقاييس علمية ويحسب عادة بالنقاط المئوية، فلو كانت إجابة معينة بالرفض على سؤال ما في الدراسة وصلت النصف -مثلا (%50) من المستطلعة آراؤهم يرفضون لعب الكرة- فإن معامل الخطأ ولنفترض هنا أنه «2+» يعني أن إجراء هذه الدراسة 100 مرة على عينات مختلفة سيرجع بنسبة رفض على هذا السؤال ستكون بين %48 و52 في 95 مرة. ما يهمنا هو أن نتاج الدراسات العلمية لقياس الرأي والتي يقوم بها مختصون هي نتائج علمية رصينة وليست انطباعات تطلق جزافاً، ولكن المشكلة تكمن في أن الكثير من الأرقام التي نقرؤها في الصحف وتطلقها بعض الهيئات منبعه استطلاعات غير علمية كتلك التي تعتمد على وقوف شخص أمام مدخل مكان عام ومحاولة تصيد المارة لتعبئة الاستبانة فبالتالي تكون العينة غير متطابقة مع تركيبة المجتمع وتكون هناك أفضلية لمن يمر في هذا المكان على حساب من لا يأتي إليه، فلو كان مثلاً مجمعاً تجارياً في شمال الدوحة فقد استثنى هذا الاستطلاع كل من لا يزور هذه المنطقة أو حتى من لا يزورها في ذلك اليوم بل ويستثني كل من دخل من بوابة أخرى للمجمع. بالتالي نتيجة الاستبيان هي استطلاع آراء الذين يدخلون من هذه البوابة في هذا المجمع في هذا اليوم فقط وليس المجتمع ككل. تعتمد المؤسسات الكبرى التجارية منها والحكومية عالمياً على دراسات الرأي العام ودراسات السوق -التي تتبع نفس المنهجية العلمية- في تصميم خدماتها للجمهور ووضع سياساتها العامة والخاصة وتعتبر استطلاعات الرأي من أهم أدوات صناع القرار لاتخاذ قرارات متناسبة مع حاجة المجتمع وتوقعات المواطنين. في المرة القادمة عندما يأتي إلى بابك باحث ليجري معك مقابلة لصالح دراسة استطلاعية ما، تذكر أن رأيك الخاص يساهم في تشكيل الرأي العام واعلم أن إجاباتك الدقيقة والصريحة على الأسئلة الموجهة إليك ستترجم كإرادة عامة في المجتمع. رأيك الخاص يمثلك ولكن الرأي العام يمثلنا جميعاً.