


عدد المقالات 101
تدخل الثورة السورية اليوم مرحلة جديدة في خضم تحد ثقافي واجتماعي وأمني وسياسي كبير. ينبع هذا التحدي ابتداء من محاولة شرسة لمحاصرة الوعي السوري بين فكي (كماشة) حضارية تهدف لإشاعة اليأس والحيرة بخصوص أدوات وملامح هذه المرحلة. وإذ كان من مباعث فخر تلك الثورة وملامحها المضيئة إصرارها على السلمية لمدة تقارب العام الكامل، فإنها توضع اليوم في مقام الاتهام بتخليها عن تلك الصفة، يطلق البعض، حتى ممن يسمون أنفسهم معارضة سورية، الاتهام بشكل مباشر. ويتجاهل هؤلاء كل ممارسات النظام الوحشية ومذابحه المتكررة وينظرون إلى الحدث بعين واحدة، يتجاهلون حق الشعوب في الحياة، لا نتحدث هنا عن حياة حرة كريمة، وإنما عن مجرد (الحياة) دون وصف أو إضافة. لا يقدمون أي بديل يندرج في إطار الحفاظ على تلك الحياة أو التعامل مع وحشية النظام سوى كلمات الإدانة الملتبسة بتأكيدهم على ضرورة (سلمية) الثورة، وبشكل يكاد يكون عدميا وبعيدا عن كل معطيات الواقع وحقائقه الواضح. لكن المشكلة تصبح أكبر حين ترى كيف يؤثر الضغط النفسي الناجم عن ذلك الحصار الموهوم حتى على معارضين يفترض أنهم حسموا أمرهم في دعم الثورة وعونها على تحقيق أهدافها، بدءا بإسقاط النظام وصولا لإقامة سوريا الجديدة. يتقدم هؤلاء مرة ويتراجعون مرة أخرى، يعطون تصريحا واضحا ثم يصدر عنهم تصريح آخر يكون في أحسن الأحوال حمال أوجه. لسنا هنا في معرض الإدانة على الإطلاق، ونحن ندرك حجم التعقيد والحسابات المطلوبة فيما يتعلق بهذه القضية بغض النظر عن الأحكام المستعجلة لدى بعض من يسارع للإدانة والاتهام. وندرك أيضا حجم المداخلات الدولية التي تريد أن تستغل الظرف وتتلاعب بالورقة بشكل أو بآخر. لكن خطورة المرحلة وحساسيتها يقتضيان إنجاز تلك الحسابات بشكل مدروس وعاجل، واتخاذ قرارات تتعامل مع متطلبات المرحلة بكل حسم وقوة. إن كرة الثلج السياسية والأمنية المتعلقة بهذا الموضوع تتدحرج بشكل كبير. فالكل يراهن، والكل يرمي بجميع أوراقه على طاولة اللعبة السياسية، والكل يحاول أن يرفع وتيرة الصخب والضجيج السياسي والإعلامي إلى أقصى حد ممكن، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو عبر الوكلاء والوسطاء. لهذا يصبح مطلوبا من أصحاب العلاقة الأساسية بالموضوع أن يحسموا أمرهم ويمتلكوا زمام المبادرة، وفي مقدمة هؤلاء المجلس الوطني السوري. لا يجوز أن نسمح لأحد أن يضع الثورة السورية في هذا الحصار الموهوم، ليس مقبولا أن توضع الثورة وأهلها بين فكي (الكماشة) المزعومة. فإذا اختاروا الدفاع عن حياتهم وأهلهم ومدنهم وقراهم في وجه آلة البطش التي لا تعرف حدودا إنسانية، يوضعون في خانة أعداء السلمية الثورية. لا يصح أن يقع في هذا ساسة ومثقفون يدركون حقيقة ما يجري على أرض الواقع بعيدا عن مثالية مفرطة ليس لها مكان في هذا الواقع. ومن الجانب الآخر، فإن التعامل المطلوب مع المرحلة الجديدة من الثورة، التي يمكن أن نسميها مرحلة المقاومة الشعبية المسلحة، لا يجب أن تكون عملية عشوائية يغلب عليها طابع الحماس والعفوية ومحاولة البحث عن (حل) بأي ثمن، وبغض النظر عن أي حسابات، فالضغط النفسي المشروع الناجم عن حجم القتل والترويع والتدمير الذي يمارسه النظام يمكن أن يوقع الكثيرين في هذا الفخ. ثمة قوانين وتقاليد وضوابط لهذه المرحلة الجديدة يجب أن يتم وضعها والاتفاق عليها والعمل وفقها. وأهم هذه الضوابط يتمثل في أن يجرى العمل فيها باحتراف ومهنية يدركها أهل الاختصاص، وأن تتم تحت السقف الوطني الخالص بعيدا عن محاولة وضعها تحت أي أجندات جانبية، وأن تبقى في نهاية المطاف محكومة بالقرار السياسي. لكن هذا يقتضي مرة أخرى تصدي المجلس الوطني تحديدا للعملية بشكل عاجل وجدي ومدروس، لاسيما أن دولا عربية صرحت علنا أنها مع هذا التوجه بطريقة واضحة، وأنها لن تتوانى في تقديم كل أنواع الدعم والمساعدة، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ودولة قطر، وإلا فإن أي تأخير من أصحاب العلاقة مهما كانت دواعيه سيكون مدخلا لفلتان الأمور على كثير من المستويات. من الواضح أن الثورة السورية متروكة عمليا لتتدبر نفسها بأهلها على الأقل بالنسبة للمجتمع الدولي. ونحن لا نريد الدخول في ممارسة توجيه الاتهامات والشتائم لهذا المجتمع على موقفه المخزي من الثورة السورية، فالجميع يعلم أن له حساباته ومصالحه التي يتحرك وفق أجندتها، وإذا كان ثمة دور للاستجابة لنداءات المبادئ فإنها لا تتجاوز الاستجابة الإعلامية القائمة على التصريحات المضادة للنظام السوري أكثر من أي شيء آخر. هناك رأي يقول إن المجتمع المذكور يغفل عن خطورة التصعيد الحاصل في سوريا، وكيف سيؤثر سلبا على مصالحه في نهاية المطاف. قد يكون هذا صحيحا، وأحداث التاريخ القريبة والبعيدة تدعم هذه المقولة، فأن يكون الغرب مثلا قادرا على امتلاك مؤسسات الأبحاث والدراسات، وأجهزة الاستقراء والرصد والتحليل لا تعني بالضرورة أنه كان دائما يخرج من أبحاثه ودراساته بالقرارات الصحيحة، حتى فيما يتعلق بمصالحه. والأزمات التي مرت وتمر بها أميركا وأوروبا في السنوات الأخيرة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، تشهد على تلك الحقيقة بشكل واضح. من هنا، يبقى الحكم على مدى دقة القراءة الغربية للظاهرة وآثارها متروكا الآن على الأقل للتاريخ، ويصبح مطلوبا من الثورة السورية وأهلها التركيز على جهدهم الذاتي لتحقيق أهدافها، خاصة في ظل المرحلة الجديدة التي دخلتها الثورة في الأسابيع الأخيرة. ما من شك أن المسؤولية كبيرة، وأن طريقة تحملها والاستجابة لها ستكون مفرق طريق.
بعد بضعة أيام من نشر هـذا المقال، يعقد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية اجتماعاً سيكون من أكثر الاجتماعات حساسية في تاريخه وتاريخ الثورة السورية، إن لم يكن أهمها على الإطلاق. وتنبع خطورة الاجتماع بالدرجة...
{وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة قالوا أتجعلُ فيها من يُفسدُ فيها ويسفكُ الدماء ونحنُ نُسبّحُ بحمدك ونُقدّس لك قال إني أعلمُ ما لا تعلمون}. بغضّ النظر عن الحشو الذي يملأ بتفاصيله...
لم يعد ثمة مجالٌ على الإطلاق، وبأي حسبةٍ من الحسابات، أن يسمح عربُ المشرق، ومعهم تركيا، لهذا الطوفان الإيراني أن يجتاح المنطقة بهذا الشكل الصارخ، ليس فقط في قباحته وابتذاله، بل وفي دلالات الموقف الدولي...
منذ بضعة أيام، صدرت عن الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مواقفُ نعتقد أنها غير مسبوقة، وأن دلالاتها السياسية والدينية والثقافية تحتاج إلى كثيرٍ من التأمل. خاصةً عندما نفكر بأسبابها من جهة، ومآلاتها...
قلائلُ هم الرؤساء الأميركان الذين يعرفون لماذا وصلوا فعلاً إلى البيت الأبيض, وماذا سيفعلون فيه على وجه التحديد. هذه حقيقةٌ معروفةٌ في أميركا، رغم أن عدد ساسة هذا البلد الذين يحلمون بالوصول إلى أهم موقعٍ...
ما من شكٍ أن ثوار سوريا على الأرض كانوا ولا يزالون وسيبقون أصحاب القرار الحقيقي، لا نقول فيما يتعلق بمصير الثورة السورية، وإنما في تحقيق نصرها المؤزر في نهاية المطاف. لكن هذا لا يتناقض مع...
من الممكن جداً أن يكون تشكيل الحكومة السورية المؤقتة نقلةً هامة على طريق تحقيق أهداف الثورة السورية. ثمة مؤشرات عديدة على أن هذا الأمر في وارد الحصول، رغم الشكوك التي يطرحها البعض هنا وهناك. يبدأ...
منذ أكثر من خمسة شهور، وفي لحظة تأسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، كان أعضاؤه يعرفون، ومعهم العالم أجمع، أن الائتلاف هو المؤسسة الأم التي ستتولد عنها ثلاث مؤسسات أخرى أحدُها الحكومة المؤقتة. لم...
كثيرةٌ هي التحديات التي تواجه الثورة السورية، لكن تحدي الحفاظ على (الاستقلالية) بحساباتها وموازناتها الشاملة قد يكون أكثرهاً خطورةً وأهمية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الموقع الاستراتيجي لسوريا فإن التعامل مع هذا التحدي كان وسيبقى مهمةً...
كلما قلتُ متى موعدُنا ضحكت هندٌ وقالت بعد غد. قد يعبّر هذا البيت من الشعر العربي عن حال الثورة السورية مع معارضتها السياسية. فرغم المحاولات المختلفة للقيام بالدور المطلوب من قِبلها، لا تبدو هذه المعارضة...
يمكن وصف الثورة السورية بألف طريقة وطريقة، فهي تحمل في طياتها بحراً من المعاني سيأتي قريباً اليومُ الذي تظهر دلالاتهُ الحقيقية للناس. لكن وصف (الهجرة) قد يبدو في هذه المرحلة مُعبّراً عن واقع السوريين أكثر...
في عددها مطلع الأسبوع الماضي، نشرت مجلة الإيكونوميست البريطانية مقالاً بعنوان «سوريا، موت وطن». وعلى غلاف العدد، وضعت المجلة رسماً من ثلاثة أسطر يُعبّر عن دمار سوريا بشكلٍ تدريجي وصولاً نحو الخراب الكامل. بعدها بأيام،...