«قمة» الخطأ في بغداد

لعل الوصف الأنسب للقمة العربية المزمع تنظيمها في بغداد هو أنها في قمة الخطأ من حيث الزمان والمكان. طبعا ليس من الجديد إعراض المواطن العربي عن مؤتمرات ولقاءات القادة التي تُجهض أصلا قبل أن تتم بفعل تباين المصالح والولاءات. لكن موجة التغيير العنيفة التي تضرب المنطقة منذ أزيد من عام لم تترك مجالا لتنظيم مثل هذه التمثيليات. إن الجماهير التي أطاحت بالحكام في المشرق والمغرب ليست معنية بقمة بغداد، لأن العالم العربي في طور التشكل من جديد ولم يحن بعد الوقت المناسب لتنظيم مؤتمر من هذا القبيل. هناك دول سقطت أنظمتها وتدار من قبل سلطات انتقالية تقتصر مهمتها على تصريف الأمور ولا تملك الأهلية القانونية لتمثيل الشعوب. وفي الجانب الآخر يوجد رؤساء يتربصهم السقوط ومن المستحيل مشاركتهم في القمة، إلى جانب الفخامة السودانية الملاحقة من قبل القضاء الدولي. من سيحضر إذن، ما دام القادة بين من قضى نحبه وبين من ينتظر؟ لعل مساعد أمين عام الجامعة العربية السفير أحمد بن حلي استخف بعقولنا عندما قال إن قمة بغداد ستحظى بتمثيل واسع ورفيع. ثم ما المواضيع التي ستناقشها القمة؟ تقول الجامعة العربية ومسؤولو المالكي إن مؤتمر القادة سيناقش الحراك الجماهيري وتطلعات الشعوب. استخفاف آخر فآخر ما يهم القادة العرب هو الحريات وخيارات الشعوب. إنه تحايل فقط على تبرير عقد الأمة، بعد أن اقتنع الجميع بأن القادة لن يقدموا شيئا لقضية فلسطين. هي إذن سميفونية أخرى: الحراك الشعبي وتطلعات الجماهير. ليس من المتصور أن يتبنى قادة الدول العربية أي قرارات تحدث تطورا في مجال الحريات والانتقال الديمقراطي. هناك قاسم مشترك بين الأنظمة العربية هو أنها ترفض الحرية والديمقراطية ولا يمكن اعتبار جهود الجامعة مؤخرا تخليا عن عقيدة الاستبداد. علاج الأزمة في سوريا ومن قبلها في ليبيا واليمن يعكس رغبة صادقة في تطويق المد الشعبي وليس الإقرار بعدالته ولا الاقتناع بحتميته. يتجلى هذا في أن أيا من الدول العربية، ما عدا المغرب الذي يخطو بثقة نحو الاستقرار، لم تقم بإصلاحات سياسية تجنبها التغيير العنيف. ما تزال هناك قناعة راسخة لدى الناجين من القادة بأنهم على حق وبأن سقوطهم في قمة المستحيل. إن تبني القمة للحراك الشعبي محاولة واضحة لتسلق المد الثوري وتمييع مطالبه وقصر عدالته في بلد دون آخر. المؤتمر العربي هذا يجب أن يتأجّل لحين انتخاب اكتمال أهداف الثورات وبناء عالم عربي جديد، عالم يتخلص من الجامعة العربية ذاتها التي هي أحد أكبر تجليات الفشل والاستبداد حيث تحتكر دولة المقر رئاستها إلى يوم الدين، وكأنه لا يوجد من بين مواطني اثنين وعشرين دولة عربية دبلوماسي مؤهل لقيادة كيان هش خلق يحتضر. هذا عن التوقيت، ولعل المكان ليس خطأ فحسب إنما خطيئة لا تغتفر، فعقد قمة في بغداد حتى لو كانت مقررة سلفا، يسبغ الشرعية على نظام يحقن شعبه يوميا بالطائفية والبغضاء. إن حكومة المالكي التي تدار بجهاز تحكّم في طهران لا تملك مؤهلات تنظيم ورشة، فما بالكم بقمة تنعقد في ظل حراك شعبي ينادي بالحرية والديمقراطية والحكم الرشيد؟ ما تمارسه حكومة المالكي من إقصاء لكل المكونات الوطنية و «تطييف» للسياسة والقضاء والارتهان للخارج، يعتبر تحديا صارخا لتطلعات العراقيين. ولا شك أن عقد قمة في بلد حكومته بمثل هذا السوء لا يعبر فقط عن تجاهل لتطلعات شعبه، إنما يعكس تواطؤا معها وتزكية لنهجها الفاشل.