أهلاً وسهلاً بالسلطان سليم الأول!

تصريحات نائب رئيس الوزراء التركي بكير بوزداغ حول مشاركة حزب الله اللبناني في القتال بجانب قوات النظام السوري، ومطالبته بأن يغير الحزب اسمه إلى «حزب الشيطان»، أثارت استياء الموالين لإيران والمتعاطفين معها، وشنوا حملة في مواقع التواصل الاجتماعي ضد بوزداغ للتعبير عن غضبهم. وحتى المؤيدون لموقف الحكومة التركية من الثورة السورية اعتبر بعضهم تصريحات بوزداغ أنها قد تجاوزت حدودها حين سماه «حزب الشيطان»، لأنهم لا يرون إيران وحزب الله كما يرون النظام السوري، بل يعتقدون أن إيران أخطأت فقط في حساباتها بدعمها لبشار الأسد وأن وقوع حزب الله في الخطأ نفسه -لأسباب قد تكون مقبولة من جانبه- لا يمحو محاسن نضاله ضد إسرائيل. لا يمكن اعتبار ما قاله نائب رئيس الوزراء التركي في حزب الله اللبناني رأيه الشخصي لأن تصريحات مشابهة جاءت من أقطاب حكومة أردوغان، حيث لفت بولنت أرينتش، النائب الآخر لرئيس الوزراء، إلى دور حزب الله في مجزرة بانياس وقال «لا يليق بلفظ الجلالة وضعه كشعار لمنظمة ترتكب المجازر بحق الأبرياء». هذه التصريحات تشير إلى تحول في الموقف التركي تجاه إيران وأذنابها، لأن القادة الأتراك كانوا يتحاشون من إطلاق مثل هذه التصريحات رغم كل التهديدات والتصريحات المستفزة التي يطلقها المسؤولون الإيرانيون وتصل في بعض الأحيان إلى درجة الوقاحة. ومن مؤشرات هذا التحول، تسمية الجسر الثالث الذي سيربط بين ضفتي مضيق البوسفور باسم السلطان سليم الأول الملقب بـ «ياووز»، أي «الفتى الشجاع»، إذ لم تكن هذه التسمية من باب المصادفة، بل تم اختيار هذا الاسم بعناية من بين عشرات الأسماء التي كان يمكن إطلاقها على الجسر، ولكن الاختيار وقع على اسم هذا السلطان العثماني العظيم ليحمل معاني ودلالات تشير إلى تطلعات تركيا وتؤكد على استعدادها لمواجهة التحديات بروح السلطان سليم الأول. وفي حفل وضع حجر الأساس للجسر، أعلن الرئيس التركي عبدالله غول الاسم الذي سيسمى به الجسر قائلا: «سميناه باسم السلطان «ياووز» سليم الذي حول الدولة العثمانية إلى إمبراطورية عالمية». السلطان سليم الأول هو السلطان العثماني الذي أذاق الصفويين مرارة هزيمة نكراء في معركة جالدران في أغسطس 1514 الميلادي، بعد أن ضاق ذرعا بتآمر الشاه إسماعيل الصفوي مع الأوروبيين ضد الدولة العثمانية وتحريض رعاياها على السلطان من خلال الخلايا التي زرعها في أنحاء الأناضول. وعلم السلطان سليم الأول بكل تلك المؤامرات وقرر وضع الحد لها والقضاء على الخطر الصفوي وقام بتطهير الأناضول من خلايا الصفويين وجواسيسهم وهزم الجيشُ العثماني جيشَ الشاه في صحراء جالدران شر هزيمة، وهرب الشاه إسماعيل الصفوي من ميدان المعركة حتى لا يقع بيد السلطان سليم الأول تاركا زوجته وراءه لتقع في أسر القوات العثمانية وزوَّجها السلطان لأحد كُتّابه. تركيا تعيش اليوم أوضاعا مشابهة لتلك التي سبقت معركة جالدران، في ظل تنافس إيراني تركي شديد تشهده المنطقة، واصطدام موقفي البلدين في سوريا، وتحريك طهران جميع أوراقها ضد أنقرة. ومن تلك الأوراق خلاياها التي زرعتها في تركيا، سواء هؤلاء الجواسيس الذين يقومون بالتخابر وجمع المعلومات والرصد وغيرها من الأعمال الاستخباراتية أو أولئك الذين يتولون مهمة تعبئة الرأي العام التركي وتوجيهه لصالح إيران ويطلق عليهم «عملاء النفوذ». وقد اعترف وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو قبل أيام في حديثه للصحافيين الأتراك بأن الحكومة لم تكن تعرف أن الرأي العام التركي مكشوف إلى هذه الدرجة أمام التضليل الذي مصدره إيران. وهذا الاعتراف يعني أن حكومة أردوغان تدرك الآن حجم الاختراق ومدى الخطر الصفوي الذي يحاول إثارة الفتن والقلاقل في تركيا كما فعل الشاه إسماعيل الصفوي في عهد الدولة العثمانية. ولعل اللهجة التي استخدمها بوزداغ وأرينتش في تصريحاتهما بشأن حزب الله اللبناني وإطلاق اسم السلطان سليم الأول على الجسر الثالث لمضيق البوسفور خير دليل على ذلك. لا شك أن هذه التسمية رسالة لإيران مفادها أن تركيا تدرك جيدا ما تقوم به إيران من المؤامرات ضدها وأنها سوف تواجه تلك المؤامرات والتحديات بوعي السلطان سليم الأول نفسه. ومن يعتقد غير ذلك ويزعم أن التسمية لا تحمل أي رسالة من هذا القبيل إما جاهل لا يعرف عن السلطان سليم الأول شيئا وإما متجاهل بسبب تعاطفه مع الصفويين الجدد وانزعاجه مما آلت إليه العلاقات التركية الإيرانية.