


عدد المقالات 105
تعيش كل من مصر وتونس حالة من المد والجزر جعلت كثيرين يعتقدون أن الثورة فشلت في تحقيق أهدافها من حيث بناء مناخ وواقع سياسي جديد، إذ دخلت القوى السياسية في نقاشات هامشية وتجاذبات أيديولوجية، فيما وجوه من نظامي مبارك وبن علي المطاح بحكمهما ما تزال مستمرة عمليا في تسيير هذه المرحلة. وزاد من تعقيد الوضع استمرار التيار العلماني أو الليبرالي في استعمال فزاعة الإسلاميين والتخويف منهم وقد بدا هذا واضحا في البلدين المذكورين وفي ليبيا كذلك، فيما يطل شبح الحرب الأهلية على اليمن وسوريا. وفي الوقت الذي هدفت الثورة في البلدان المذكورة إلى التخلص من الاستبداد الداخلي والوصاية الخارجية الغربية التي كانت تزكي المستبدين وتسكت على مصائبهم، نجد التيارات السياسية المختلفة بقصد أو غير قصد تعطي مجددا الفرصة لتلك الوصاية بالاستمرار، بل منها من يسعى إليها لنيل الدعم لإحساسها بعدم شعبيتها وعجزها عن الدخول في تنافس انتخابي ديمقراطي حر، وهذه كارثة كبيرة وجريمة في حق هذه الشعوب. وما سبق يطرح مسؤولية عظيمة على الجميع في هذه المرحلة الانتقالية الحاسمة التي لا يمكن لتيار وحده أن يزعم تدبيرها بمفرده، مهما كانت شعبيته وجماهيرته وكيفما كانت قدراته وقوته الاقتراحية وكفاءاته، ولا يمكن أن تكون الانتخابات الديمقراطية ولغة الأرقام (أغلبية - أقلية) وحدها المعين على تجاوزها، لأن تصفية تركة الاستبداد وماضي الفساد وبناء المؤسسات السياسية والاجتماعية لمرحلة ديمقراطية حقيقية يحتاج إلى مجهود ومساهمة الجميع، وفيهم مَن كانوا محسوبين على ذلك الماضي، ولكنهم غير متورطين في فساده وكوارثه. بعبارة أخرى: فإن الانتقال في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا فيما بعد إلى بر الأمان، وتجاوز كل المطبات التي تحصل عادة في الثورات وتتسبب في انتكاستها بل إنتاجها مستبدين جددا بأساليب جديدة، بعدما تأكل أبناءها كما يقال، ويحتاج لما سماه المستشار المصري الدكتور طارق البشري لتيار أساسي، وسماه المفكر المغربي الدكتور محمد الجابري رحمه الله منذ بداية الثمانينيات بالكتلة التاريخية مستفيدا في ذلك من المفكر والمناضل الإيطالي أنطونيو غرامشي. ويوضح الدكتور البشري مفهومه للتيار الأساسي، بكونه القاسم مشترك بين التيارات السياسية والاجتماعية والثقافية في بلد ما، والملامح العامة المتضمنة في أطروحات تلك التيارات العديدة والمتنوعة التي تختزل ما تتفق عليه في سياق تعاطيها مع متطلبات مرحلة تاريخية، وإدراكها لأهمية الوحدة الوطنية لحماية المصالح العامة الجامعة التي لا ينبغي أن تمس بأي حال حق التنوع والاختلاف من داخل تلك الوحدة. وكذلك الأمر بالنسبة للدكتور محمد الجابري، الذي اعتبر أن الكتلة التاريخية تجمع فئات مختلفة وعريضة من المجتمع على أهداف واضحة، وتستفيد من برامج ونضالات واقتراحات كل قوى للإصلاح، باختلاف مشاربها الفكرية والسياسية والدينية والجغرافية المناطقية. صحيح أن هناك مشكلة في تجميع التيار الأساسي أو الكتلة التاريخية، سواء في مصر وتونس أو ليبيا وسوريا، في ظل سعي قوى غربية للحيلولة دون ذلك، لأنه يعني إقفال الباب عليها وعلى مخططاتها في المنطقة، لكنه هو الخيار السليم والوحيد ربما لإشراك الجميع في تجاوز المرحلة الانتقالية التي قد تحتاج لوقت «بسلام»، وتأسيس مناخ جديد وقواعد «دستور وقوانين..» متفق عليها لحياة سياسية وديمقراطية يحتكمون فيها لصناديق الاقتراع، وانتخاب مؤسسات لها مصداقية تمكن من التداول السلمي على السلطة وتدبير الاختلاف بشكل حضاري. إن التيار الأساسي والكتلة التاريخية هو المدخل السليم للدول المذكورة لعهد الديمقراطية واحترام إرادة الشعوب واستقلالية القرار السياسي، بشكل سيجعل على سبيل المثال مطالبة المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الدكتور روبرت ساتلوف -يوم 19 من الشهر الماضي في منتدى سياسي الولايات المتحدة الأميركية بـ «المشاركة الناضجة والمباشرة مع القيادة والشعب المصري فيما يتعلق بخطورة القرارات الكبرى المطروحة حاليا على أجندتهم الوطنية»، وأنه «على المصريين أن يدركوا أن أفعالهم حول قضايا تتراوح من الاختيارات الانتخابية إلى السلام مع إسرائيل ستكون لها تبعات خطيرة»- مهزلةً وإهانةً لقيم الديمقراطية واحترام إرادة الشعوب، ويكشف نفاق دعاة الديمقراطية وازدواجية خطابهم، لأن المقصود الحقيقي من قوله «المشاركة الناضجة والمباشرة مع القيادة المصرية» الضغط على المسؤولين المصريين كيلا تخرج لنا صناديق الاقتراع برلمانا وحكومة تطالب بإعادة النظر في البنود المجحفة في حق مصر والمصريين في اتفاقية كامب ديفيد. وأكثر من ذلك ساتلوف يطالب المسؤولين الأميركيين باستعمال لغة التهديد إذا اقتضى الأمر، وإلا ما معنى قوله كما سلفت الإشارة: «ستكون لها تبعات خطيرة». باختصار شديد: يحتاج إنقاذ الثورات في البلدان المذكورة أعلاه وبشكل عاجل إلى تخلي كل القوى السياسية عن أطماعها وأجنداتها وأنانياتها لبناء التيار الأساسي وتكوين الكتلة التاريخية وصياغة برنامج مشترك لتدبير المرحلة الانتقالية كيلا تخلف موعدها مع التاريخ.
«فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل حدوثها وكنت نسياً منسياً»، هكذا تحدث المؤرخ ابن الأثير الجزري -بعد طول تردد- في كتابه «الكامل في التاريخ» من شدة صدمته من همجية التتار «المغول» وتنكيلهم...
بعد أيام يودعنا عام 2016 وقد سقطت حلب الشرقية في الهيمنة الروسية الإيرانية بعد تدميرها وتهجير أهلها، واحتكار الروس والإيرانيين والأتراك والأمريكان الملف السوري وتراجع كبير للدور والتأثير العربي يكاد يصل لدرجة الغياب في المرحلة...
قرأت بالصدفة -وليس بالاختيار- كتابا مترجما للأديب والمفكر الإسباني رفائيل سانشيت فرلوسيو بهذا العنوان «الآتي من الزمان أسوأ»، وهو عبارة عن مجموعة تأملات ومقالات كتبها قبل عقود عديدة. قال فرلوسيو في إحدى تأملاته بعنوان «ناقوس...
«الحب السائل» عنوان كتاب لزيجمونت باومان أحد علماء الاجتماع الذي اشتغل على نقد الحداثة الغربية باستخدام نظرية السيولة -إذا جاز تسميتها بالنظرية- والكتاب ضمن سلسلة كتب «الحداثة والهولوكست»، «الحداثة السائلة» و «الأزمنة السائلة»، «الخوف السائل»...
لم تتضح بعد تشكيلة الحكومة المغربية الجديدة رغم مرور قرابة شهرين من إعلان نتائج الانتخابات التشريعية بالمغرب فجر الثامن من أكتوبر الماضي وتكليف الملك محمد السادس الأمينَ العام لحزب العدالة والتنمية عبدالإله بنكيران بتشكيل الحكومة...
تعيش الأمة العربية والإسلامية أسوء أحوالها منذ الاجتياح المغولي لبغداد قبل أكثر من ثمانية قرون تقريبا، فهولاكو روسيا يواصل مع طيران نظام الأسد تدمير سوريا وتحديدا حلب بدون أدنى رحمة في ظل تفرج العالم على...
«من الواضح أن انتصار دونالد ترامب هو لبنة إضافية في ظهور عالم جديد يهدف لاستبدال النظام القديم» هكذا قالت أمس زعيمة اليمين المتطرف بفرنسا عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية. وظهر جليا أن تداعيات فوز ترامب...
رغم مضي قرابة شهر على إعلان نتائج الانتخابات التشريعية المغربية التي توجت حزب العدالة والتنمية (إسلامي) بالمرتبة الأولى بـ125 مقعداً، وتكليف الملك محمد السادس عبد الإله بنكيران الأمين العام للحزب المذكور بتشكيل الحكومة، لم تظهر...
ثمة حرب شرسة وخطيرة تجري، لكن من دون ضوضاء، لن تظهر كوارثها وخسائرها إلا بعد عقد أو عقدين من الزمن، وهي حرب التسطيح والضحالة الفكرية والثقافية، عبر استخدام غير رشيد للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وجعلهما...
تنتقد جهات غربية العرب والمسلمين بشكل عام، بأنهم لا يعرفون للديمقراطية سبيلا، وحتى صنيعة الغرب؛ الكيان الإسرائيلي يتبجح بأنه ديمقراطي، وقال رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو قبل أيام في الاحتفال بمرور67 سنة على تأسيس (الكنيست): إنه...
شهور ويغادر باراك أوباما كرسي رئاسة الولايات المتحدة الأميركية دون أن يحقق وعوده للعالم الإسلامي، فالرجل كان مهموما بمصالح بلاده أولا وأخيرا. ومن أكبر الوعود التي أطلقها في خطابه بالبرلمان التركي في أبريل 2009، وخطابه...
خلق موضوع استقبال اللاجئين في الغرب نقاشات كبيرة، وخلافات عميقة، سواء داخل أوروبا أو الولايات المتحدة الأميركية، جعلتهم في تناقض مع المواثيق الدولية التي تنظم كيفية التعامل مع اللاجئين سبب الحروب والعنف. ورغم أن أزمة...