Good Night. and Good Luck

انطلقت منذ عدة أيام قناة جديدة على الساحة الإعلامية الأميركية ألا وهي «الجزيرة أميركا»، وقد حرصت دولة قطر والقائمون على شبكة قنوات الجزيرة على الدخول إلى السوق الأميركية «الصعبة» منذ عدة سنوات، ومع افتتاح هذه القناة الجديدة تكون الجزيرة أميركا أول قناة إخبارية «بهذا الحجم» تقتحم الساحة الإعلامية المحلية الأميركية منذ عقود. ولقد لفتت قناة الجزيرة الأميركية الأنظار منذ الدقائق الأولى لبثها، فلم تتعود الساحة الإعلامية الأميركية على طرف أجنبي ينافس في سوقها المحلي من قبل، فحتى قنوات عريقة مثل البي بي سي رضخت للأمر الواقع عندما أرادت اقتحام السوق الأميركية، وذلك بالاكتفاء بقنوات ترفيهية أو قناتها الإخبارية العالمية دون الولوج في أدغال الإعلام الأميركي المحلي. الطريق شاق وصعب من دون شك، وربما تتغير قناة الجزيرة الأميركية لتتأقلم مع طبيعة الإعلام الأميركي، فمن وجهة نظري الشخصية لا أظن أن تكرار تجربة الجزيرة الإنجليزية سيكون هو الحل الأمثل لنجاح الجزيرة أميركا، ومع اختلافي الشخصي مع قرار قناة الجزيرة أميركا في الابتعاد عن برامج الرأي إلا أنني أتفهم النظرة الحالية في الجزيرة لتوفير الأخبار بشكل تقليدي لاعتقادها بأن المجتمع الأميركي يتوق إلى مثل هذا التجرد الإعلامي التقليدي الذي كان في خمسينيات وستينيات القرن الماضي والابتعاد عن «دراما» الأخبار، من الواضح أن للقائمين على قناة الجزيرة أميركا وجهة نظر قد تكون مقنعة، وهي أنهم يريدون أن يكونوا مختلفين، ويكون اختلافهم عن باقي القنوات الإخبارية عن طريق عدم دخولهم في «وحل الأخبار التافهة» أو برامج الرأي، وبذلك تريد قناة الجزيرة الأميركية أن تكون «يوتوبيا» الأخبار الأميركية والتي سيلجأ لها المشاهد الأميركي ليستجير بمهنيتها من حلبة المصارعة التي تسمى القنوات الإخبارية الأميركية. ولكنني مازلت هنا أختلف مع هذه النظرة للجزيرة أميركا بل وقد أجزم بتغير نظرة العاملين بها من توجههم الحالي إلى توجه بين الأخبار والترفيه في المستقبل وذلك لجذب المشاهدين لها، فالمجال الإعلامي الأميركي يختلف كلية عن باقي الدول الأخرى، وله نمطه الخاص، والتخوف هنا من أن تتحول قناة الجزيرة الأميركية إلى قناة «للنخبة» وسيكون هذا خطأ فادحاً للجزيرة وللنظرة الأميركية لها وستحيدها، وهنا يجب أن تتخلى الجزيرة الأميركية عن نظرتها «المثالية» للأخبار، وتتأقلم مع مناخها الحالي لتغيير الساحة الإخبارية الأميركية من الداخل. نعم يحب المواطن الأميركي أن يفصح في استطلاعات الرأي أنه قد سئم من القنوات الإخبارية الحالية، ولكن واقع الأمر –ولأي متابع للساحة الإعلامية الأميركية– هو عكس ذلك تماماً، فتلك الاستطلاعات لا تعطي التصور الحقيقي للمعادلة الإعلامية والتي تكونت عبر عقود من قبل كبرى المؤسسات الإعلامية، والتي إن أرادت الجزيرة تغييرها يجب عليها أن تفعل ذلك بالتدريج وبأقصى درجات «الحكمة» لا بخلق واقع بديل قد يمل منه المشاهد الأميركي بعد فترة كطفل يمل لعبة قديمة، وذلك بإيجاد جيل جديد من الإعلاميين «والمحاورين» ومقدمي برامج الرأي في أميركا من مدرسة الجزيرة أميركا على غرار عمالقة الإعلام الأميركي في القرن الماضي «أدوارد أر مورو» و «والتر كرونكايت»، وإلا ستلقى قناة الجزيرة مصير قناة كرنت تي في. الرأي الأخير... قناة الجزيرة أميركا مفخرة لنا في قطر والعالم العربي، وإذا ما اتخذت الخطوات الحكيمة لترويض الإعلام من الداخل لا التغريد خارج السرب ستكون من أبرز القنوات الأميركية بل وقد تشكل الرأي العام الأميركي وهو الشيء الذي لم تستطع فعله أي جهة أجنبية حتى الآن سوى اللوبي الإسرائيلي، وإن فعلت الجزيرة ذلك ستكون أقوى لوبي للمصالح العربية في أميركا. (ليس من واجب الإعلاميين الخلط بين العناوين الرنانة والأخبار) إلى اللقاء في رأي آخر.