دلالات القمة العربية

مع تحفظي الشديد في الحديث بالأمور السياسية لاعتقادي أن من يتحدث ويمارس السياسة لا بد أن يكون من العالمين والعارفين بخفاياها وكواليسها، وأن يكون من أصحاب المناصب القيادية على الأقل حتى يحاسب بما يقوله أو يصرح به، ولذلك فإن كثيرين من المطلعين يتحاشون الحديث عن الكثير من المستجدات، ليس لعدم اهتمام أو إدراك بأهمية ذلك، بل لأن الفترة الحالية أصبح الكثير من الناس يخوضون فيما لا يعرفون، ويتحدثون عما لا يعلمون، وأصبحت النتائج السلبية لمثل هذه الممارسات واضحة، حيث زادت الخصومات بين الناس وزاد التوتر والجفاء، خاصة بين العامة الذين ليس لديهم الدراية الكاملة أحياناً بتفسير بعض المصطلحات، هذا عدا ما هو أعمق من ذلك من سياسات أو خلافات لا يعرفون عن حقائقها شيئاً. ويتضح ذلك من خلال ما يتم تداوله عبر وسائل الإعلام الحديث التي أصبحت متاحة للجميع دون استثناء، فإذا كانت الدول في السابق لديها محطة تلفزيونات رسمية تبث من خلالها ما تريده، ولا يمكن لأي جهة أخرى الحصول على هذه الميزة، فقد أصبح الآن لكل شخص ما يشبه المحطة التلفزيونية المتنقلة، بل وأسرع منها، وأفضل أداء منها، ونقصد بها وسائل التواصل الحديثة التي أصبحت في أيدي الجميع، هذه الوسائل جعلت من يريد أن يتحدث أو يعبر أو يعلق أو يشارك يفعل ذلك خلال ثوان معدودة، وليس الضرر فيمن يعرف كيفية استخدام هذه الوسائل والتعامل معها، بل المشكلة فيمن يتخذ من هذه الوسائل منبراً للتطاول على الآخرين والسب والشتم والمشاركات المسيئة التي تضر ولا تنفع، وتفرق ولا تجمع، كما لاحظنا ذلك بعد قرار الإخوة في الإمارات العربية المتحدة والسعودية والبحرين سحب سفرائهم من قطر، حيث أخذ البعض في الدخول في مهاترات واتهامات لا طائل من ورائها مع توجيه الاتهامات التي لا برهان عليها، وتلا ذلك تطاير التغريدات يمنة ويسرة وتناقلها دون إدراك لما قد تسببه بين العامة من آثار سلبية، فإذا كنا نقدس حق التعبير ونحترم الاختلاف، فإن ذلك لا بد أن يكون وفق الأسلوب الحكيم، وضمن إطار أخلاقنا الإسلامية العربية السليمة التي تحتم على كل طرف أن يحترم من يقابله، وإن اختلف معه، لكن أن تتحول المواقع الإلكترونية والوسائل الأخرى إلى مواقع للشتامين والمغردين بالسوء، فهو ما لا نريده بأي حال من الأحوال. وبالمتابعة لمجريات القمة العربية يتبين أن هناك الكثير من الخلافات بين أعضاء في الجامعة العربية لم يتم التركيز عليها، كما كان يعتقد الكثير من جماهير وسائل التواصل الحديثة، وكانت كلمات القادة المشاركين فيها الكثير من الرمزية والرسائل التي لا يمكن فهمها إلا من خلال تفكيك محتويات تلك الكلمات، ورغم عدم تطرق الكثير منها لهموم المواطن العربي، عدا كلمة سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي تجلت في كلمة سموه مفردات دعم التآخي والتلاحم ونبذ الخلافات بين الأشقاء. وركز سموه على ما يجمع لا ما يفرق، وهذه من الدلالات المهمة التي يجب أن تؤخذ بالحسبان لدى الجميع، فليس معنى أن نختلف أن يسل كل منا سيف قلمه ويطلق العنان لنفسه بتوجيه الاتهامات والتخبط فيما يعرف وما لا يعرف، كما يحصل الآن مع الكثير من المغردين الذين هم أبعد ما يكون عن المعنى اللطيف للتغريد.