عدد المقالات 2
بينما لاتزال عيون الدنيا إلى نيويورك ناظرة، هذا الأسبوع بمناسبة الجمعية العامة الثمانين للأمم المتحدة، لأسباب متنوعة، على رأسها مصير هذه المنظمة، البالغة من العمر ثمانين عاما، يبدو واضحاً مدى ضعف هذه المؤسسة. والناظر إلى مسيرة الأمم المتحدة يرى جليا أنها منذ نشأتها تحت هيمنة الأقوياء، رغم مبادئ المساواة ومحاربة الاستعمار والعنصرية واستعباد الشعوب ونهب ممتلكاتها، والإبادات الجماعية والتطهيرالعرقي، وغير ذلك من الشعارات الإنسانية الجميلة التي تضعها على مقدمة أهدافها. الحقيقة المرة أن الجريمة تعتبر جريمة حسب المجرم والضحية. جرائم القوى النازية، مثلا، تم الحديث عنها لأنها وقعت في أوروبا وارتكبها أوروبيون على أوربيين، كما نص على ذلك الرجل السياسي والكاتب الفرنسي الأسود الكبير، إيمي سيزير (Aimé CÉSAIRE ) في خطابه الشهير على الاستعمارية، حينما نوه بأن الهولوكوست سبقتها هولوكوستات ارتكبتها القوى الأوروبية في أفريقيا وآسيا وقت الاستعمار، دون أن يعبأ بذلك أحد. وما تعاني منه غزة من إبادة جماعية وتطهير عرقي علنا تعني أننا ما زلنا في عهد الاستعمار، إذ العقلية السائدة في إسرائيل اليوم تعتبر الفلسطيني وحشا، يجب التخلص منه، كما صرح بذلك غير واحد من أعضاء حكومة نتنياهو، دون أن يسبب ذلك إدانة واضحة وخالصة من كل ريب وغيم لدى المسؤولين الغربيين. بل حتى الآن. وبعد أن صرحت منظمات دولية كثيرة منها منظمة مستقلة تابعة للأمم المتحدة نفسها، بأن ما يجري في غزة منذ سنتين إبادة جماعية محضة، جل ساسة الغرب يتحدثون عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها؟ والسؤال الذي يتبادر إليه الذهن هو: وإلى متى وبعد إبادة كم من سكان غزة والضفة الغربية سيتوقف حد اسرائيل عن الدفاع عن نفسها؟ لكن غزة غيرت إلى الأبد ازدواجية المعايير التي يتعامل بها المجتمع الدولي، حيث أظهرت أن حقوق الإنسان وسيادة الدول، لا فائدة لها كشعار إذا لم يك المصاب أو المصابة غربيا وإذا كان المتهم غربيا. تحركت الدنيا ولم تقعد بسبب العدوان الروسي على أوكرانيا والعقوبات تنزل كالمطر على الروس، بينما لم تفرض عقوبة واحدة على قوات الاحتلال رغم ما ترتكب تحت عيون الدنيا من مجازر وانتهاكات لحقوق الانسان الحيوية. يوميا منذ سنتين. باتت الأمم المتحدة تعاني من المشكلة نفسها، القول الأخير للقوي الغني. أما الصغير، فقد يدافع عنه طالما توافقت مصالحها مع مصالح القوي، وقد تداس، إذا خالفت مصالحها مصالح المهيمن. في النهاية، قانون الغابة، هو السائد، اليوم، مثل البارحة. وهذا التشخيص فعله زعماء الدول غير الغربية تقريبا كلهم في خطاباتهم. لدى الجمعية العامة هذه السنة. منهم، صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر الشقيقة حفظه الله، حيث إن سموه نوه في خطابه بعدم احترام الاحتلال أبجديات القانون، الدولي والمبادئ الإنسانية مما يهدد الأمن والأمان في الشرق الأوسط، بل في العالم برمته، مشيرا سموه بلغة صارمة إلى «أن تراجع منطق النظام الدولي أمام منطق القوة يعني السماح بتسيد حكم الغاب» أما رئيس جمهورية القمر المتحدة، العقيد عثمان غزالي، فقد وجه، في كلمته، عدة استفهامات إنكارية نحو الاحتلال، من ضمنها: كيف يتأتي لقوم مصابين بالهولوكوست أن يرتكبوا مجزرة مثلها؟! إن الأمم المتحدة، إذا عجزت عن تفعيل مبادئها وتطبيق قوانينها في أرض الواقع، يوشك أن تحتضر ليولد مكانها نظام دولي تسوده المساواة بين الشعوب والدول، في صورة يبقى للقادة والمفكرين في العالم إبداعها. والغليان الذي يغوص فيه العالم، مع ما فيه من غيوم وغموض، يحمل كل مواصفات مرحلة انتقالية، قل من يعلم إلى أين تذهب بنا. وهنا يجدر بذكر مقولة غرامشي المفكر الماركسي الإيطالي الشهير: «العالم القديم يحتضر. والجديد يتأخر وبينهما تظهر وحوش». السفير و المندوب الدائم لجمهورية القمر المتحدة لدى اليونسكو
في التاسع من سبتمبر الحالي.. اكتشف فيه العالم أنه على وشك الدخول في قانون الغابة، حيث إن إسرائيل انتهكت سيادة دولة قطر بمبررات زائفة لا تمتّ إلى القانون الدولي ولا العادات الإنسانية بصلة، وذلك على...