alsharq

محمد عيادي

عدد المقالات 105

الغرب بين كييف والقاهرة

23 ديسمبر 2013 , 12:00ص

أن يسافر السيناتور الجمهوري جون ماكين إلى كييف ويدخل على خط الأزمة السياسية بأوكرانيا، ويقول بساحة الاستقلال لمئات آلاف المعارضين للحكومة الأوكرانية إن «أميركا معكم»، فذلك ليس لسواد عيون الأوكرانيين ولا خضرتها بل خوفا على مصلحة بلاده وحلفائها، لأن الحكومة الأوكرانية تخلت عن التكامل الأوروبي لصالح التقارب مع روسيا وبالتالي احتمال فقدان حليف لصالح غريم بعد أن اعتزم الرئيس فيكتور يانوكوفيتش توقيع اتفاقات من أجل انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الجمركي الذي ترأسه موسكو. الخوف على مصالح بلاده جعل ماكين لا يتردد في ممارسة الوصاية على الأوكرانيين بالقول إن «قدركم أن تكونوا في أوروبا ستكون أوروبا أفضل مع أوكرانيا، وأوكرانيا ستكون أفضل مع أوروبا» وقبل ذلك قال السيناتور الديمقراطي كريستوفر مورفي بنفس الساحة إن «مستقبل أوكرانيا هو في إطار أوروبا والولايات المتحدة مع أوكرانيا»، لأن الصراع بين الحزب الجمهوري والديمقراطي لا يكون إلا بالداخل أما بالخارج فالمعركة واحدة وبالأصح المصلحة واحدة. وطبعا انضمام أوكرانيا للاتحاد الجمركي المذكور فيه دعم لمشروع جيوسياسي تسعى موسكو من ورائه لاستعادة الإمبراطورية السوفيتية المنهارة في 1991 أو هكذا ينظر الأميركان والأوروبيين للأمر. ولست معنيا هنا بتفاصيل الأزمة بأوكرانيا وكونها من ساحات الصراع الروسي الأميركي الأوروبي على النفوذ، بقدر اهتمامي بأن يتنبه المراهنون على دعم الغرب للديمقراطية في العالم العربي والإسلامي، بأنهم يراهنون على السراب لأنه يميل مع مصلحته حيث مالت. وما أبداه الغرب من تعاطف في بداية الربيع العربي إنما كان تعاطف المتفاجئ المصدوم بهول التحولات التي لم تتوقعها مراكز بحثه وأجهزته الاستخباراتية أو على الأقل لم تتوقعها بهذا الشكل والسرعة والاتساع، وما أن التقط أنفاسه حتى أعاد ترتيب أموره على أساس نفس القاعدة «لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة المصالح الدائمة». ولان الربيع العربي لا يخدم مصلحة الغرب وزعيمته، رأينا كيف كانت مواقف الإدارة الأميركية غير المشرفة مما حصل في مصر من انقلاب على إرادة الشعب وكلمة صناديق الاقتراع بلغة الحديد والنار، وعدم تحريك أي ساكن على مأساة فض اعتصام رابعة والنهضة التي خلفت آلاف القتلى والمصابين تلتها آلاف المعتقلين من الكبار والصغار والرجال والنساء و... ولأن الربيع الديمقراطي في مصر لا يخدم مصلحة الغرب وتحديدا مصلحة محضونتها إسرائيل، لم يذهب كريستوفر ولا ماكين إلى ساحة وميدان رابعة ولم يقل ما قاله بساحة الاستقلال بالعاصمة الأوكرانية، لم يقل: «أنا فخور جدا بما يفعله الشعب المصري من أجل إحلال الديمقراطية في بلدهم»، ولم يضف: «نحن نريد حلا سلميا يسمح بالتوصل إلى حوار» ولم يزد: «إنه كان يريد أن يظهر للمصريين أن الولايات المتحدة الأميركية تساند كل من يرغب في الحصول على مجتمع ديمقراطي حر» بل قالها فقط للشعب الأوكراني، فهل الأوكرانيون بشر والمصريون حجر؟!. وعلى العكس من ذلك كان هناك دعم للانقلاب العسكري إن لم يكن الدعم المادي والسياسي والاتفاق المسبق معه كما قالت بذلك عدد من التحليلات السياسية، فقد كان الدعم واضحا بالصمت والغموض في الموقف وبعض التصريحات التي لا تحترم العقول من قبيل اتهام وزير الخارجية جون كيري جماعة الإخوان قبيل البدء في محاكمة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي بسرقة ثورة 25 يناير، واعتباره أن ما قام به الجيش بمصر لم يكن إلا «إعادة الديمقراطية» وبديهي أن هذا التصريح شرعنة ومباركة واضحة لانقلاب عسكري دموي ولخارطة طريق استبدادية. حكاية أخطاء جماعة الإخوان في تدبير الحكم والمرحلة السياسية برمتها، وقصورها السياسي و.. لم تعد محل نقاش وباتت متجاوزة، فالموضوع الأهم اليوم هو استرجاع الجيش لسيطرته على مفاصل الحكم بواجهة مدنية وزرع الكراهية والحقد بين أبناء الشعب المصري وقهر شريحة واسعة منه بين سجن ومحاكمات غير عادلة واختطافات ومنع للتظاهر وعنف وتعذيب بشكل يخالف كل المواثيق الدولية ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان. ونفس الأمر يقال على ما يجري بسوريا من التفرج على مأساة شعب كل ذنبه أنه طالب بالديمقراطية، وإعطاء الوقت تلو الوقت للنظام البعثي بمسرحيات المؤتمرات الدولية وجنيف 2 وربما جنيف 20.. حتى يتمكن من إسكات أصوات الحرية، ويختلط الحابل بالنابل ويتشابك المشهد السوري ويختلط أصيله مع دخيله، لا لشيء إلا لأن الغرب لم يجد بديلا يحافظ على أمن إسرائيل كما فعل بشار الأسد، فلا هم دعموا المعارضة بوضوح ولا هم سعوا لحل سياسي بوضوح يريح الشعب السوري من العذاب وويلات الحرب واللجوء في ظروف لا يتحملها الجماد فكيف بالإنسان. باختصار الغرب بسلوكياته المنافقة وازدواجية معاييره وكثرة أقنعته لا يترك للعرب والمسلمين خيارا إلا أن يفسروا سلوكه بأنه لا ينظر إليهم بنظرة إنسانية ومحترمة، ويراهم جنسا لا يستحق الديمقراطية ولا حرية التعبير، مع أن الربيع العربي كان فرصة سانحة للغرب للمصالحة مع العالم العربي على قاعدة مبادئ إنسانية عالمية واحترام المصالح المشتركة، وفتح صفحة جديدة وحوار وتسامح حقيقي يحترم إرادة الشعوب ومطالبها وألا يعيمه طمعه وأنانيته إن كان يريد فعلا سلاما وعيشا مشتركا. لكن للأسف لم يستثمر الغرب الفرصة وأبان للحالمين بتغير نظرته أنهم مخطؤون في تقديرهم، وفي هذا كنت كتبت في مارس 2011 بهذه الزاوية مقالا بعنوان «آن للغرب أن يغير نظرته للعالم العربي» متفائلا باستثمار الغرب للتحولات الأخيرة في العالم العربي والتوقف عن المراوغة والمناورة والحربائية، لأن إنسانيته لا تختلف في شيء عن العالم الغربي، فهو راشد وناضج، وحريص على كرامته وإسماع صوته بشكل سلمي وحضاري. وأنه آن للغرب أن يتخلص من نظرته المؤدلجة والمغلوطة للعالم العربي والإسلامي، ويعامله كشريك في هذا العالم وليس كملحق وتابع، كما طالب بذلك أكاديميون وخبراء ومراقبون غربيون كجون إسبوزيتو أستاذ الأديان والعلاقات الدولية والدراسات الإسلامية بجامعة جورج تاون، الذي طالب صانعي القرار الأميركي بالتخلص من الخبراء والاستشاريين المتشددين وعدم الاستماع للوبيات الداعمة للصهيونية، لأنهم سبب فشل السياسة الأميركية في المنطقة العربية، بترويجهم أن الإسلام يشكل تهديدا للعالم الحر. للأسف خاب الأمل في أن يتخلى الغرب عن نفاقه ويحترم القيم والمبادئ التي يدعو لها ويبتز بها الآخرين، ويخرج من سجن اليمين المتطرف، ويستمع للرأي الآخر ويتعامل بطريقة معقولة مع العالم العربي والإسلامي، ويتجاوب مع الروح الجديدة والمتجددة التي تسري داخله باعتباره سبيلا حقيقيا للسلام والتسامح والعيش الإنساني المشترك. للأسف لم يفعل ذلك وبقي الغرب وفيا لطريقته ومنهجه منذ الخمسينات في مباركته الانقلابات على إرادة الشعوب كل ما كان ذلك يخدم مصالحه ويكرس الهيمنة الإمبريالية والصهيونية العالمية، ولم تتغير إلا الأشكال والصيغ وطريقة الإخراج ضاربا المبادئ والقيم التي صدع رؤوسنا عرض الحائط. ويطول الحديث لو رجعنا للتاريخ لكن يكفي الإشارة هنا لما حصل سنة 1973 عندما انتخب الشيليون رجلا يعارض مصالح الغرب، فتم دعم الجنرال بينوشي تحت شعار الحركة التصحيحية للانقلاب على صناديق الاقتراع، وصمت الغرب صمت القبور عن مجازر ببينوشي وإبادته للشيليين والتنكيل بهم. ولما قام الربيع بأميركا اللاتينية، هرب الدكتاتور للغرب واحتضنه وأخرجه من السجن بعد بهدلته في المحاكم بحجة كبر سنه، ومات مدموما مدحورا، وهنا يطرح السؤال هل سيحتضن الغرب مجددا ديكتاتورا عسكريا في القرن 21، هل سيستقبل السيسي كما فعل مع بينوتشي؟ أم أنه سيتخلى عنه ويتركه لمصيره، ليس لأن إشارة رابعة تلاحقه في كل مكان في العالم، ولأن هناك مطالبات عديدة في أكثر من بلد أوروبي بمحاكمته على جرائمه ضد الإنسانية، بل لأنه سيصبح ورقة محروقة تضر بمصالحه.

هل هي نهاية التاريخ؟

«فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل حدوثها وكنت نسياً منسياً»، هكذا تحدث المؤرخ ابن الأثير الجزري -بعد طول تردد- في كتابه «الكامل في التاريخ» من شدة صدمته من همجية التتار «المغول» وتنكيلهم...

العالم الإسلامي والحاجة لإيقاف النزيف

بعد أيام يودعنا عام 2016 وقد سقطت حلب الشرقية في الهيمنة الروسية الإيرانية بعد تدميرها وتهجير أهلها، واحتكار الروس والإيرانيين والأتراك والأمريكان الملف السوري وتراجع كبير للدور والتأثير العربي يكاد يصل لدرجة الغياب في المرحلة...

الآتي من الزمان أسوأ!

قرأت بالصدفة -وليس بالاختيار- كتابا مترجما للأديب والمفكر الإسباني رفائيل سانشيت فرلوسيو بهذا العنوان «الآتي من الزمان أسوأ»، وهو عبارة عن مجموعة تأملات ومقالات كتبها قبل عقود عديدة. قال فرلوسيو في إحدى تأملاته بعنوان «ناقوس...

الحب السائل

«الحب السائل» عنوان كتاب لزيجمونت باومان أحد علماء الاجتماع الذي اشتغل على نقد الحداثة الغربية باستخدام نظرية السيولة -إذا جاز تسميتها بالنظرية- والكتاب ضمن سلسلة كتب «الحداثة والهولوكست»، «الحداثة السائلة» و «الأزمنة السائلة»، «الخوف السائل»...

تأخر تشكيل الحكومة المغربية.. الوجه الآخر للصورة

لم تتضح بعد تشكيلة الحكومة المغربية الجديدة رغم مرور قرابة شهرين من إعلان نتائج الانتخابات التشريعية بالمغرب فجر الثامن من أكتوبر الماضي وتكليف الملك محمد السادس الأمينَ العام لحزب العدالة والتنمية عبدالإله بنكيران بتشكيل الحكومة...

كثرت المآسي.. هل تجمد الحس الاحتجاجي؟

تعيش الأمة العربية والإسلامية أسوء أحوالها منذ الاجتياح المغولي لبغداد قبل أكثر من ثمانية قرون تقريبا، فهولاكو روسيا يواصل مع طيران نظام الأسد تدمير سوريا وتحديدا حلب بدون أدنى رحمة في ظل تفرج العالم على...

ترامب.. هل هو خريف الديمقراطية الأميركية؟

«من الواضح أن انتصار دونالد ترامب هو لبنة إضافية في ظهور عالم جديد يهدف لاستبدال النظام القديم» هكذا قالت أمس زعيمة اليمين المتطرف بفرنسا عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية. وظهر جليا أن تداعيات فوز ترامب...

مخاض تشكيل الحكومة المغربية الجديدة

رغم مضي قرابة شهر على إعلان نتائج الانتخابات التشريعية المغربية التي توجت حزب العدالة والتنمية (إسلامي) بالمرتبة الأولى بـ125 مقعداً، وتكليف الملك محمد السادس عبد الإله بنكيران الأمين العام للحزب المذكور بتشكيل الحكومة، لم تظهر...

حرب التسطيح

ثمة حرب شرسة وخطيرة تجري، لكن من دون ضوضاء، لن تظهر كوارثها وخسائرها إلا بعد عقد أو عقدين من الزمن، وهي حرب التسطيح والضحالة الفكرية والثقافية، عبر استخدام غير رشيد للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وجعلهما...

لا نحتاج لديمقراطية مريضة

تنتقد جهات غربية العرب والمسلمين بشكل عام، بأنهم لا يعرفون للديمقراطية سبيلا، وحتى صنيعة الغرب؛ الكيان الإسرائيلي يتبجح بأنه ديمقراطي، وقال رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو قبل أيام في الاحتفال بمرور67 سنة على تأسيس (الكنيست): إنه...

أوباما والعالم الإسلامي.. وعود لم تتحقق

شهور ويغادر باراك أوباما كرسي رئاسة الولايات المتحدة الأميركية دون أن يحقق وعوده للعالم الإسلامي، فالرجل كان مهموما بمصالح بلاده أولا وأخيرا. ومن أكبر الوعود التي أطلقها في خطابه بالبرلمان التركي في أبريل 2009، وخطابه...

لماذا يخاف الغرب من اللاجئين؟

خلق موضوع استقبال اللاجئين في الغرب نقاشات كبيرة، وخلافات عميقة، سواء داخل أوروبا أو الولايات المتحدة الأميركية، جعلتهم في تناقض مع المواثيق الدولية التي تنظم كيفية التعامل مع اللاجئين سبب الحروب والعنف. ورغم أن أزمة...