تركيا وصعود قوتها البحرية

قطعت تركيا في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في سبيل تعزيز قدراتها العسكرية، في البر والبحر والجو، والاعتماد على الصناعة الوطنية في تسليح جيشها، لإدراكها أنها تقع في منطقة ملتهبة، وأن استقلالية قرارها تتطلب ألّا تعتمد على القوى الأخرى في الحفاظ على سيادتها، والدفاع عن مصالحها العليا. تركيا المحاطة بالبحار تملك سواحل يتجاوز طولها 8300 كيلو متر، ومنها حوالي 1700 كيلو متر سواحل البحر الأسود، كما أن طول سواحل البحر الأبيض يبلغ أكثر من 1500 كيلو متر، وهذا الوضع الجيواستراتيجي يفرض على تركيا أن تملك قوة بحرية كبيرة، لحماية سواحلها ومياهها الإقليمية ومناطق نفوذها البحرية، ولذلك زادت استثماراتها في مجال صناعة السفن الحربية. البحرية التركية تستعد لاستلام أكبر سفينة حربية وطنية في أواخر 2020، وتستمر أعمال تصنيع حاملة الطائرات «تي جي غي أناضولو» في ترسانة «طوزلا» بمحافظة اسطنبول، وبدأت تركيا في تصدير تجربتها في صناعة السفن الحربية إلى دول أخرى، مثل باكستان التي وقّعت في يوليو 2018 عقداً لشراء 4 سفن حربية من تركيا، ونجحت قبل حوالي شهر في اختبار أول صاروخ كروز بحري من إنتاج شركة «روكيتسان» التركية للصناعات الدفاعية، وأطلقت صاروخ «أطمجه» الموجَّه من على متن سفينة «قينالي آدا» الحربية التي دخلت الخدمة في نهاية سبتمبر الماضي، بعد أن تمت صناعتها بإمكانات وقدرات وطنية. أنقرة أدرجت في قاموسها مصطلحاً جديداً، في ظل احتدام الصراع على شرقي المتوسط، وهو «الوطن الأزرق» الذي يشير إلى أن الوطن يشمل أيضاً مناطق النفوذ البحرية، وتبدأ حدوده من حدود تلك المناطق، ورسمت الاتفاقية التي وقّعتها الحكومة التركية وحكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دولياً، في 27 نوفمبر، جزءاً من تلك الحدود. الجيش التركي أجرى في نهاية فبراير وبداية مارس 2019، أضخم مناورات بحرية في تاريخ الجمهورية، وأطلق عليها «مناورات الوطن الأزرق»، وأجريت تلك المناورات متزامنة في 3 بحار تحيط بالبلاد، وهي البحر الأسود وبحر إيجه والبحر الأبيض، وشاركت فيها 103 سفن حربية، بالإضافة إلى الطائرات التابعة لقيادة القوات البحرية التركية، بهدف رفع الجاهزية القتالية للقوات البحرية. الأتراك لديهم خبرة في البحار تضرب جذورها في أعماق التاريخ، وكان أمير البحار العثماني الشهير خير الدين باشا الملقب بـ «بارباروس» وأخوه عروج رئيس قد حوّلا البحر الأبيض يوماً إلى «بحيرة عثمانية»، ولا يزال الأتراك يحتفلون بانتصار الأسطول العثماني بقيادة خير الدين باشا عام 1538م، بالقرب من ميناء بريفيزا غربي اليونان، على التحالف الصليبي الذي نظّمه البابا بولس الثالث، ومن المؤكد أن «أحفاد بارباروس وعروج» عازمون اليوم على حماية حدود تركيا وحقوقها الوطنية في البحار. رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، أكد أن تركيا ستواصل عمليات التنقيب عن النفط والغاز في مناطق نفوذها البحرية في شرقي المتوسط والبحر الأسود، ومما لا شك فيه أن هذه العمليات بحاجة إلى قوة بحرية رادعة تحمي سفن البحث والتنقيب، وكلما تعززت قوة تركيا البحرية فلن يتجرأ أحد على تهديد مياهها الإقليمية، ومناطق نفوذها البحرية، وهضم حقوقها، سواء في البحر الأبيض أم بحر إيجه أم البحر الأسود.