مشروع التحرير الإسلامي وخناجر الحق والباطل

لا شك أن العالم الإسلامي في فوهة مشروع تحرير للأمة، وأن هذه الفوهة تحمل أبناءها إلى الانطلاق في مسيرة النهضة بأقصى سرعة, ولا بد أن نفرق في النهوض من سبات الأمة، أن التحرير والجهاد الذي يسبقه منه الحق ومنه الباطل. ونضرب مثلاً بمثالين للجهاد المعاصر، رغم وجود أكثر من مثالين، فهذا شعب فلسطين يواجه أقسى عدو وهم المنافقون من المسلمين، والذين تعانوا مع اليهود على الإثم والعدوان عليهم, ثم يأتي العدو المباشر اليهود الصهاينة. زمن يجرؤ أن يصف جهادهم بالباطل؟! إلا أبناء صهيون الذين يعيشون في جلبابنا، وهؤلاء كشفهم الإعلام الحديث فلا أتباع لهم. أما ما تفعله داعش، ولن أسميها بالاسم الذي اختارته احتراماً لوصف دولة الإسلام وعدم زجها، وإن اصطلاحاً، في أضغاث أمنيات لعصابة مجرمة، تمادت في البغي واستطالت في الظلم، ونحرت من أهل الإسلام أكثر مما فعلت بالكفار، بعد أن استباحت دماء كل من خالفها ولم يبايع خليفتها المهووس. هي ذات السكين بخواصها الفيزيائية، التي تعطلت بأمر ربها وهي تُجر على رقبة سيدنا إسماعيل بيد أبيه عندما (أسلما وتله للجبين) وهي التي يرهب بها الفلسطينيون عدو الله وعدوهم، وهي أيضاً التي يجز بها خوارج العصر المسلمين المستضعفين ويخرجونهم من ديارهم بغير حق إلا رفضهم بيعة الغبن. حرب السكاكين, أو كما يسمونها المواجهة من مسافة صفر, تتطلب جرأة وإيمانا, وليس كل طرف يستخدمها لديه الجرأة والإيمان, ففي الحربين العالميتين عندما نفد الرصاص تقاتلوا بالسكاكين والحِراب وخنقاً بالأيادي. في وسط بارود الحروب تجلس الشجاعة على الرف, ويحل محلها الصراع في سبيل الحياة, فلا جرأة هنا بسبب قضية بل للعيش لا أكثر، إلا عند المؤمنين بأن المجاهد إن مات فهو حي يرزق، وليس ذلك إلا في الإسلام. في مذكرات المحاربين المشاركين في الحربين العالميتين يذكرون حقائق مؤلمة ومهولة ومتشابهة, عن موت هباء وأرواح لا سبب لفقدانها سوى عبث الساسة وكبرهم وتسلطهم على الشعوب, والجيوش كانت الأدوات التي تم إفناؤها قبل مصالحة العصبة، ومن ثم هيئة الأمم،وما زالت الشعوب تنزف ليرتوي مصاصو الدماء العطِشين للسلطة. كم عدد الموتى في حروب أوروبا مع الكنيسة ؟ كم عدد الموتى في حروب أوروبا مع بعضها؟ كم عدد الموتى في حروب أوروبا مع الغير؟ الإجابات موجودة تفصيلاً في الوثائق الرسمية لهيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لم يصدقهما, وهناك توثيقات من أكثر من طرف تأريخي يمكن الرجوع لها, ولكن الجواب الذي سيظل مفقوداً هو على السؤال التالي: متى سيكتفي الغرب من الدماء؟ روسيا المتشدقة بالعدوان على سوريا الآن خسرت ما يفوق ستة وعشرين مليون إنسان، بينهم أكثر من ثمانية ملايين عسكري في الحرب العالمية الثانية فقط, وهذا الرقم من إجمالي القتلى البالغ ستين مليوناً, هل صارت الأرواح مجرد أرقام عند أولئك؟! حربان عالميتان كانت الشعوب ميزانيتهما. وأنوه، ما دمنا في سيرة الحرب العالمية الأولى, أنه من أحد الأخطاء السامة وأهم أسباب سقوط الدولة العثمانية انضمامها لدول المركز في الحرب العالمية الأولى, وذلك أدى إلى أن تبسط بريطانيا وفرنسا نفوذهما على المناطق الخاضعة للإمبراطورية العثمانية. لقد تغير وجه الجغرافيا بعد الحرب العالمية الأولى, وكيف أن الشريف الحسين بن علي، وأطماعه بتأسيس دولة عربية كبرى فتت الخلافة, وكان أحد الأسباب الداعمة لاتفاقية سايكس - بيكو، التي ندفع ثمنها كمسلمين وعرب اليوم ومنذ قرن من الزمان. التحرر من العبودية للبشر لعبادة رب البشر وحده له ثمنٌ, والدولة الإسلامية لم تقم برش الزهور على العدو والمحتل والغاصب، ومد الخد الأيسر له ليتمم صفعنا. دولة محمد عليه الصلاة والسلام لم تقبل إجحافا لأتباعها سواء كان مسلما أو غير مسلم. فقد كانت الدولة تضم أمة محمد صلى الله عليه وسلم. مفهوم «أمة محمد» الإيماني يشمل كل من آمن به, وتلك تسمى بأمة الإجابة, وتختص بالاستخلاف والخيرية والشفاعة, بينما مفهوم «أمة محمد» السياسي يشمل كل مواطني دولته, من آمن به ومن لم يؤمن به، وهذه لها حق القسط والحماية والنصرة والمواساة, كما أن عالمية الرسالة توضح المفهوم الإنساني لأمة محمد {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}, والإنسانية هي أمة الدعوة, كما يفصل الفقهاء مفهوم «الأمة» في الخطاب النبوي. أخيراً أُبشركم أن الرسم البياني لمشروع التحرير الإسلامي في صعود, فسكاكين تحمي الأقصى لن تُكسر وستُخرج من أغمادنا السيوف التي أعيدتْ قسراً, وذلك قريب. •  @kholoudalkhames