خرافات النساء.. عن الرجال!

أذكر أن ذلك حدث في المرحلة المتوسطة عندما انتابني هاجس الرجولة! نعم الرجولة، أريد أن أكون رجلاً، لا أحد يمنعني من اللعب في أزقة الحارة وقت الظهيرة، لا أحد يزجرني إذا لبستُ ملابس قصيرة، لا أحد يحجب عني الدراجة وأنا أرغبها ويشتريها لأخي وهو لا يريدها وفوق ذلك ينهرني! لا أحد يحتقرني إن قلت عن شاب «يا لوجهه الجميل»، لا أحد يؤجل جوعي لأن وجبة الغداء تنتظر «نداء بطن الرجل» لتحين، وأن عمل بطون النسوة حمل الأطفال فقط! وكان الحنَق آنذاك على العائلة كبير فهم موظفون في مصنع اللاءات الذي لا ينفد! ومنشأ الدستور الجائر بكل ممنوعاته وبلا مميزات تُذكر إلا فتات! وحُماة العادات والتقاليد التي وضعها أجدادهم وآباؤهم الأولون وأغلبهم من الأموات غير آبهين بالكآبة المرسومة فوق وجوهنا نحن أبناؤهم وأحفادهم الأحياء! للرجال كل شيء، والبنات لهن البيت وترقب الباب بشغف، قد يأتي مشترٍ يليق بها فتنتقل إلى بيته وتصير أماً تجتر أفعال أمها وجدتها ويتكرر الوأد، ولأنه محرّم شرعاً أوجدوا له وسائل حديثة من الحلال ولا تزهق الأرواح، واستبدلوا كل قمعٍ ممكن بالتراب! فلا هم حثوا على الفتيات الرمل ليغادرن بسلام رغم الحرمة والظلم، ولا هم اتبعوا الحلال الحق وأوامر الله في حقوق النساء. رفعوا العرف على الدين، فجاءت امرأة مسخ، لا إلى هذا ولا إلى ذاك! جريمة منظمة وكلهم جناة! كم كنتُ وقتها أتساءل «ماذا لو ولدتُ رجلاً؟» ولكنها كانت أمنية صامتة تخاف بطش الإعلان عنها وخيالية لن تتحقق، فاستعضت عنها بكفاح مستميت سيمكنني من تحقيق كل الأمنيات الممكنة مع الصبر، إنه التعليم والثقافة! وما أن التحقتُ بالجامعة، وأقصد هنا الإشارة لأثر المرحلة الجامعية عمراً وفهماً لا دراسة وعلماً، بدأتُ أتعرف على مغزى الرجولة الحقة تباعاً، حتى تراجعت أمنيتي رويداً رويدا، من مشاهد متفرقة لي ولزميلات لي، كنا نراقب أشخاصاً «رجالا» ولكننا نكرِّم المصطلح عنهم، ولكن هم كذلك للأسف، فهم يرتدون ملابس الرجال وأشكالهم مثل الرجال ويتزوجون وينجبون وما إلى ذلك من شكليات، ولم نكن نراهم رجالاً! أذكر أن أحد أبناء الأغنياء كان يوقف سيارته أمام سيارتي إذا وقفتُ في ذاك الموقف تحت الشجرة ليؤدبني لأنه اتخذ هذا المكان موقفاً خاصاً بوضع اليد لتستظل دابته! بينما أحد الشباب المغمورين، والذي بعد ملاحظته عرفنا أنه نادراً ما كان يتهادى في ممرات الكلية بين الطالبات، إذا رأى فتاة لا تجد مكاناً لسيارتها، يحرك سيارته ويؤثرها على نفسه، بلا كلام بينهما ولا ملاحقة لها مستقبلاً، بالنسبة لي تعرفتُ من تصرفهما على الفرق بين الرجولة والذكورة وأن الرجولة شيء والذكورة شيء مختلف تماماً، وبينهما طرق وعرة لا يقدر على سلوكها إلا من يملك الثمن! نعم إن للرجولة ثمناً وباهظاً جداً يعرفه الرجال فقط! الرجولة بذرة أنعم الله بها عليك أيها الذكر وأنت مستأمن على سِقايتها ورعايتها لتنمو وتزهر وتشتد وتكبر، أنت مسؤول أن تكونها وتحترمها ولا تسمح للرغبات والشهوات والانفلات بالعبث بها، الرجولة تصرف لا يقبل تفسيران، وحديث لا يؤول، وقرار متمكن، وثبات على الحق وإن اصطف العالم بأسره في الجهة النقيضة، الرجولة لا تُعطى بل تُصنع وتتطلب المعاهدة كي لا تتفلتْ! واجب الرجل أن يكون أنموذجاً يُمدح من خلاله الدين لا أن يُسب ويهان، والمسلم أولى بصفة الرجولة فذلك خُلُق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعيه، ومن تبعهم يجب أن يكون على شاكلتهم. ولكن، ويا لـ «لكن» الشيطانة، الواقع نقيض ذلك، فلا المسلمون الذكور خير ممثلين لدينهم، ولا أتباع ملتزمون بهدي نبيهم، فبماذا استحقوا وصف الرجولة إذاً؟! كثير من الخرافات التي دُست في عقول النساء هي حكايات عن الرجال، ليتم تفصيل قيمة الرجولة من خلالها على أخيها وأبيها وزوجها وغيرهم من ذكور العائلة لانتزاع احترامها لهم، بينما إذا رأت الأفعال الحقيقية للرجال تُبهتْ ويتأرجح عندها ميزان الرجولة ولكنها ترجِّح جانبهم لتهدئ من روع عقلها وقلبها وجسدها! فكم منا فُجِعتْ بذكورة من ظنته رجلاً؟!