


عدد المقالات 101
بعد أيام من بداية الحصار على عاصمة الثورة السورية مدينة حمص، رفع الثوار في درعا لافتةً كتبوا عليها: "أهالي حوران يناشدون الجزار بشار وزعماء المافيا الروسية والصينية البدء بقصفهم فوراً وأن يوقفوا القصف على أهلنا في حمص"! تختصر هذه اللافتة الروح التي تكمن وراء استمرار الثورة في سوريا. تُجسد درجةً من التلاحم الاجتماعي والشعور بوحدة المصير لم يسبق لها أن وُجدت في هذا البلد، على الأقل على مدى العقود الماضية. ومن خلال العبارة المكتوبة على اللوحة، يُعرّف السوريون أنفسهم ويُعرّفون عدوهم. فهم (أهلٌ) أينما كانت مناطق معيشتهم في سوريا. وهذه هي الصفة الوحيدة التي تكفي لوصفهم والحديث عنهم. لا حاجة لصفةٍ أخرى لبيان الهوية. لا داعي لذكر مذهب أو طائفةٍ أو انتماء آخر أياً كان. والسوريون بهذا يعيدون أيضاً تحرير معنى الانتماء لأن له دلالات حساسة على الصعيدين الفكري والعملي، ولأن له أثراً بالغاً في تشكيل حاضر سوريا ومستقبلها على جميع المستويات. فعناصر وطبيعة الانتماء هي التي تشكل أرضية أي فعلٍ حضاري يمارسه الإنسان في الواقع، وهي التي تكون دائماً بمثابة المحرّك والموجّه للممارسات التي يقوم أو لا يقوم بها ذلك الإنسان. تصهر الثورة، بأهدافها وتضحياتها، السوريين في بوتقةٍ واحدة من الانتماء إلى بلدهم الذي يحلمون بولادته الجديدة، فتأتي ممارساتهم دائماً في اتجاهٍ تُحددّه تلك البوصلة. وحين تتقدم حمص الصفوف لتحمل الراية وتقدم في سبيل ذلك كل ما تقدمه هذه الأيام، يُصبح طبيعياً أن تنبري حوران، ومعها مناطق أخرى عديدة، لترفع عن حمص شيئاً مما تعانيه، ولو جاء هذا بشكلٍ يتجاوز القدرة على قياسه بالمنطق الإنساني العادي. إذ لا يوجد في القاموس المعاصر لهذا المنطق شيءٌ يشبه ما يُطالب به أهل حوران حين يقولون: إذا كان الثمن الوحيد لإيقاف القصف على أهلنا في حمص (أي على جزءٍ من جسدنا الواحد) يتمثل في قصف منطقتنا (أي جزء آخر من هذا الجسد) فنحن لسنا مستعدين لدفع الثمن فقط، بل ونُطالب به في أسرع وقت! وفي معرض التعريف بالعدوّ لا تأتي صفاتٌ مثل (الجزّار) و(المافيا) في اللافتة المذكورة أعلاه على أنها نوعٌ من الشتيمة أو التشفّي، وإنما تمثل تحديداً لهوية الطرف المقابل لـ (الأهل) ولطبيعة علاقته معهم. وهو تعريفٌ ينبثق من الممارسات العملية، بغضّ النظر عن كل الدعاوى الكاذبة وما يرافقها من عمليات تزييفٍ وخداعٍ ومداورة. والواضح أن التعريف المبنيّ على الممارسات أصدقُ بكثير من أي تعريفٍ آخر. من هنا، يفقد رئيس النظام السوري كل أهلية لاستحقاق أي صفةٍ أخرى فيما عدا صفة (الجزّار). وممارساته التي تتمحور حول (ذبح) الشعب السوري بكل الوسائل الممكنة لا تترك مجالاً لبقاء أي صفاتٍ أخرى تحمل مسحةً من الإنسانية في أقل معانيها، فضلاً عن إمكانية وصفه بأي صفاتٍ تتعلق بالسياسة ومقتضياتها. لم يعد ثمة مجالٌ لهويةٍ سياسية أو حتى إنسانية يمكن أن ينظر الشعب إلى بشار الأسد من خلالها. لا يتوقف الأمر عند الحديث عن شرعية سياسية لم يعد لها أي رصيد، وإنما أصبح متعلقاً بسؤالٍ محيّر حول فقدان كل قيمةٍ إنسانية وأخلاقية تتعلق بالبشر. وعلى الطريقة نفسها، يأتي تعريف الروس والصينيين بإضافة صفة (المافيا) إليهم تعبيراً صادقاً عن تقويم السوريين للخلفية التي تحكم الرؤية السياسية للدولتين إلى الثورة السورية وقضيتها العادلة. إذ لم يعد ممكناً تفسير المواقف الصادرة عنهما إلا في إطار العقلية (المافيوية) السياسية التي لا تتجاوز فقط كل الأخلاقيات، وإنما أيضاً كل شرعٍ وقانون. نفهم ويفهم السوريون أن تكون المصالح عنصراً رئيساً في العملية السياسية، خاصة في مجال العلاقات الدولية، فهذا عُرفٌ وتقليد مألوف. لكن الإصرار المستمر على الشراكة في جريمة قتل الشعب السوري، وعلى حماية رأس النظام بأي ثمن، وتعطيل كل قرار يهدف لتأمين عمليةٍ انتقالية للسلطة تحفظ الحدّ الأدنى من الاستقرار للمنطقة، لا يترك مجالاً لتفسيرٍ آخر. لكل هذا، تختصر اللافتة، التي رفعها أهل حوران منذ أيام، كثيراً من شجون الثورة السورية وشؤونها. تختصرها بعبقريةٍ باتت من ملامح هذه الثورة. فهي تُحدد تعريف أطراف المعادلة من ناحية، وتُحدد طبيعة العلاقة بينهم من ناحيةٍ أخرى. لكن الأهم في الموضوع أنها تُعبّر عن الروح الحقيقية الكامنة وراء استمرار الثورة. وهذا أمرٌ ربما يتعامل معه النظام السوري ومَن وراءه بعقلية الإنكار، لكن الواضح أن العالم بأسره بات يوقن به بشكلٍ متزايد، ولو متأخراً.. يظهر هذا من قرارات الجامعة العربية الأخيرة، مروراً بالزخم المتزايد لمؤتمر (أصدقاء سوريا) القادم في تونس، وانتهاءً بتصويت أكثر من ثلثي أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح مشروع قرار يحمل كل أنواع الإدانة للنظام السوري والدعم لحقّ الشعب السوري في تقرير مصيره. لا تملك الثورة السورية ورقةً ليسمع العالم صوتها إلا ورقة الإصرار والعزيمة والثبات. وهي إذ تُدرك هذه الحقيقة فإنها لا تعتمد، بعد الله، إلا عليها في نهاية المطاف.
بعد بضعة أيام من نشر هـذا المقال، يعقد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية اجتماعاً سيكون من أكثر الاجتماعات حساسية في تاريخه وتاريخ الثورة السورية، إن لم يكن أهمها على الإطلاق. وتنبع خطورة الاجتماع بالدرجة...
{وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة قالوا أتجعلُ فيها من يُفسدُ فيها ويسفكُ الدماء ونحنُ نُسبّحُ بحمدك ونُقدّس لك قال إني أعلمُ ما لا تعلمون}. بغضّ النظر عن الحشو الذي يملأ بتفاصيله...
لم يعد ثمة مجالٌ على الإطلاق، وبأي حسبةٍ من الحسابات، أن يسمح عربُ المشرق، ومعهم تركيا، لهذا الطوفان الإيراني أن يجتاح المنطقة بهذا الشكل الصارخ، ليس فقط في قباحته وابتذاله، بل وفي دلالات الموقف الدولي...
منذ بضعة أيام، صدرت عن الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مواقفُ نعتقد أنها غير مسبوقة، وأن دلالاتها السياسية والدينية والثقافية تحتاج إلى كثيرٍ من التأمل. خاصةً عندما نفكر بأسبابها من جهة، ومآلاتها...
قلائلُ هم الرؤساء الأميركان الذين يعرفون لماذا وصلوا فعلاً إلى البيت الأبيض, وماذا سيفعلون فيه على وجه التحديد. هذه حقيقةٌ معروفةٌ في أميركا، رغم أن عدد ساسة هذا البلد الذين يحلمون بالوصول إلى أهم موقعٍ...
ما من شكٍ أن ثوار سوريا على الأرض كانوا ولا يزالون وسيبقون أصحاب القرار الحقيقي، لا نقول فيما يتعلق بمصير الثورة السورية، وإنما في تحقيق نصرها المؤزر في نهاية المطاف. لكن هذا لا يتناقض مع...
من الممكن جداً أن يكون تشكيل الحكومة السورية المؤقتة نقلةً هامة على طريق تحقيق أهداف الثورة السورية. ثمة مؤشرات عديدة على أن هذا الأمر في وارد الحصول، رغم الشكوك التي يطرحها البعض هنا وهناك. يبدأ...
منذ أكثر من خمسة شهور، وفي لحظة تأسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، كان أعضاؤه يعرفون، ومعهم العالم أجمع، أن الائتلاف هو المؤسسة الأم التي ستتولد عنها ثلاث مؤسسات أخرى أحدُها الحكومة المؤقتة. لم...
كثيرةٌ هي التحديات التي تواجه الثورة السورية، لكن تحدي الحفاظ على (الاستقلالية) بحساباتها وموازناتها الشاملة قد يكون أكثرهاً خطورةً وأهمية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الموقع الاستراتيجي لسوريا فإن التعامل مع هذا التحدي كان وسيبقى مهمةً...
كلما قلتُ متى موعدُنا ضحكت هندٌ وقالت بعد غد. قد يعبّر هذا البيت من الشعر العربي عن حال الثورة السورية مع معارضتها السياسية. فرغم المحاولات المختلفة للقيام بالدور المطلوب من قِبلها، لا تبدو هذه المعارضة...
يمكن وصف الثورة السورية بألف طريقة وطريقة، فهي تحمل في طياتها بحراً من المعاني سيأتي قريباً اليومُ الذي تظهر دلالاتهُ الحقيقية للناس. لكن وصف (الهجرة) قد يبدو في هذه المرحلة مُعبّراً عن واقع السوريين أكثر...
في عددها مطلع الأسبوع الماضي، نشرت مجلة الإيكونوميست البريطانية مقالاً بعنوان «سوريا، موت وطن». وعلى غلاف العدد، وضعت المجلة رسماً من ثلاثة أسطر يُعبّر عن دمار سوريا بشكلٍ تدريجي وصولاً نحو الخراب الكامل. بعدها بأيام،...