


عدد المقالات 105
تعيش مصر وتونس على صفيح ساخن، تسعى فيه الأطراف السياسية والاجتماعية للسباق مع الزمن لإثبات ذاتها وإظهار قوتها واكتساب مكان معتبر في دائرة صنع القرار في البلدين، اللذين يتشابهان في ثلاثة أمور أساسية.. الأول: أنهما جمهوريتان أسقطت الثورة فيهما الحاكم بفارق زمني بسيط جدا. والثاني: أن فيهما صراعا بين الإسلاميين والعلمانيين ستحدد نتيجته مستقبل البلدين. والثالث: أن الغرب ينظر للبلدين مع بعض التفاوت على أن مستقبل الثورة بهما رسالة لسوريا واليمن وليبيا، وبالتالي فإنه لن يكتفي بالتفرج على ما يجري بل سيبدل جهدا وبطرقه في أن يكون له دور بشكل من الأشكال في تحديد حكومات المستقبل بشكل لا يضر مصالحه. والغرب وإن كان مبدئيا لا يعارض مشاركة الإسلاميين في الانتخابات لأنه يعرف أن لهم شعبية، فإنه في الوقت نفسه رافض -وفي أحسن الأحوال غير مطمئن- لأن يكون لهم في المؤسسات المنتخبة حجم يمكنهم سواء من المشاركة في الحكم أو ممارسة معارضة قوية مربكة للحكومات، وهو بهذا في حيص بيص. بالرجوع للواقع ومعطياته، نجد في مصر أن الإسلاميين بمختلف مشاربهم التي انخرطت في العمل السياسي المؤسساتي، لهم شعبية لا تخطئها عين الملاحظين والمراقبين من الخارج قبل الداخل، مقابل التيار العلماني بكل حساسياته السياسية اليسارية واليمنية والليبرالية القديمة والجديدة، الذي يفتقد قاعدة شعبية ويكاد عدد من حساسيته (أحزاب وجمعيات ومنظمات مجتمع مدني) وكائنات نخبوية إعلامية فقط ليس لها رصيد اجتماعي وشعبي. وبقدر ما كان الاستفتاء على التعديلات الدستورية امتحانا لشعبية الطرفين، فإنه في الوقت نفسه شكل ناقوس خطر للتيار العلماني بأن الاحتكام لصناديق الاقتراع لن يكون في مصلحته، فلم يجد أمامه إلا طريقا واحدا هو «الكولسة» لعلها تجد له مخرجا من ورطته، وجاءت «المبادئ فوق الدستورية» لتكون فوق كلمة الصناديق ولتكون مقيدة للأغلبية المقبلة في البرلمان الجديد في صياغة الدستور أو تشريع القوانين، ضاربة عرض الحائط بإرادة المصريين ومصادرة لها. ورغم أن المجلس العسكري والحكومة المؤقتة هم من أشرفوا على استفتاء التعديلات الدستورية وحددوا استحقاقات مسار المرحلة الانتقالية بشكل يحقق أهداف الثورة ولا يلتف عليها، فإنهما ظهرا وكأنهما موافقان على تلك المبادئ، بل إن نائب رئيس مجلس الوزراء المصري تحدث عن عزم الحكومة إصدار إعلان دستوري جديد بعد موافقة القوى السياسية. ويشتم من هذه الليونة رائحة الخارج وضغوطه، التي قوبلت من الإسلاميين وعلى رأسهم حزب «الحرية والعدالة» التابع لجماعة الإخوان المسلمين بالرفض، والتهديد بالنزول للشارع، خاصة لما أظهرت الجمعة السابقة أن العلمانيين عاجزون عن استقطاب المصريين، وفشلوا في ضرب الإسلاميين بالصوفيين باستثناء الطريقة العزمية، فكانت مظاهرة يتيمة بالمقارنة مع التي سبقتها. سيعيد العلمانيون الكرّة الجمعة المقبلة، لكن أغلب الظن أنهم سيفشلون في تنظيم فطور وسحور مليوني كما يقولون، لأن تجارتهم كسدت في السوق السياسة المصرية في العهد القديم، وليس لهم جديد يقدمونه، اللهم إلا إعادة إنتاج القديم. وواضح أن الشعب المصري يريد وجوها جديدة على المسرح السياسي ليختبر مدى اتساق خطابها مع سلوكها ومدى قدرتها على الاستجابة لطموحاته وانتظاراته، وحيث إن الإسلاميين هم أبرز الوجوه الجديدة، فإن أمامهم امتحانا عسيرا جدا لن تنفع معه الشعارات ولا القدرة على الاستقطاب عبر الخطابة ونقد الآخرين، لأن أذن الشعب المصري ملت الخطابات والشعارات والوعود وتنتظر الأفعال، الأمر الذي سيجعله متابعا لحكومة وبرلمان ما بعد الثورة، محصيا لأنفاسهما وحركاتهما. وهنا يطرح السؤال: هل الإسلاميون مستعدون لهذا الامتحان واستحقاقاته؟ في الحالة التونسية نجد أن التيار العلماني بشكل عام والتيار اليساري بشكل خاص وأمام تضخيم الصحافة الدولية -سواء بسوء نية أو من باب وصف واقع- لشعبية الإسلاميين، اتخذ استراتيجيتين؛ الأولى الهيمنة على الهيئة العليا لحماية أهداف الثورة، والثانية إثارة نقاشات هامشية تصرف النظر عن الكولسة التي انخرط فيها بحثا عن السلطة والكراسي، من قبيل علاقة الدين بالسياسة، والإسلاميين وحقوق المرأة، و... لتوتير الأجواء بعقلية السبعينيات والثمانينيات بما فيها من ديماغوجية ووصاية على عقول الناس وإثارة الأسئلة الملغومة وتقديم الأجوبة الخاطئة، بشكل جعل أطرافا سياسية لها وزنها تخرج من تلك الهيئة. والغريب أن العلمانيين يعتقدون أن الناس لا تعي ما يرتبون له من خلال اقتراح «العهد الجمهوري» مثلا، مع أنه من اختصاص المجلس التأسيسي الذي يفترض أن ينتخب في أكتوبر المقبل، ويشبه هذا المقترح «المبادئ فوق الدستورية» بمصر، وكلاهما تحكمه عقلية الكولسة (صياغتهما بعيدا عن الشعب وخارج الاختصاص) بهدف وضع عراقيل أمام الإسلاميين في الانتخابات المقبلة، ووضع تقييدات عليهم في حال فوزهم، ولهذا قالت الصحافية التونسية المعارضة أيام بن علي نزيهة رجيبة أم زياد في حوار صحافي: «أعتقد أن ما تقوم به الهيئة هو المحاولة الدائمة لنصب الفخاخ أمام حركة النهضة»، مضيفة «الشعب التونسي ليس قاصرا ويستطيع أن يقول لا للإسلاميين متى أراد». وكانت أم زياد قالت قبل ذلك في الحوار نفسه تعليقا على عمل الهيئة: «إذا سلمت منها الثورة فقد غنمنا غنما كبيرا... وفي الحقيقة يوم قرأت قائمة الأسماء «دخت» وتذكرت يوم كنت أتنقل فيه بين بعض الناس لأطالب بإمضاء عريضة نطالب من خلالها بن علي بعدم الترشح لانتخابات 2004 فلم يمض أحد.. واليوم يحمون أهداف الثورة». وإذ لم تنف الصحافية التونسية وجود أسماء جيدة بالهيئة، فإنها أكدت أنها تدعي ما ليس لها وليس من اختصاصها، وأن اليسار يسيطر عليها وهواه غربي. باختصار، الإسلاميون المنخرطون في اللعبة السياسية سواء في مصر أو تونس أمام منافس أو خصم سياسي يمارس السياسة بالكولسة، مما يفرض عليهم الفطنة والكياسة، سواء في التعامل مع هذا «المنافس» الذي يبدو أنه غير مستعد للمنافسة الشريفة والمنازلة الديمقراطية، ومع الداخل شعبا وأطرافا سياسية واجتماعية وثقافية ودينية، أو مع الخارج حكومات ومنظمات، كياسة تقتضي الحذر من إرسال الرسائل الخاطئة ورفع الشعارات الخاطئة.
«فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل حدوثها وكنت نسياً منسياً»، هكذا تحدث المؤرخ ابن الأثير الجزري -بعد طول تردد- في كتابه «الكامل في التاريخ» من شدة صدمته من همجية التتار «المغول» وتنكيلهم...
بعد أيام يودعنا عام 2016 وقد سقطت حلب الشرقية في الهيمنة الروسية الإيرانية بعد تدميرها وتهجير أهلها، واحتكار الروس والإيرانيين والأتراك والأمريكان الملف السوري وتراجع كبير للدور والتأثير العربي يكاد يصل لدرجة الغياب في المرحلة...
قرأت بالصدفة -وليس بالاختيار- كتابا مترجما للأديب والمفكر الإسباني رفائيل سانشيت فرلوسيو بهذا العنوان «الآتي من الزمان أسوأ»، وهو عبارة عن مجموعة تأملات ومقالات كتبها قبل عقود عديدة. قال فرلوسيو في إحدى تأملاته بعنوان «ناقوس...
«الحب السائل» عنوان كتاب لزيجمونت باومان أحد علماء الاجتماع الذي اشتغل على نقد الحداثة الغربية باستخدام نظرية السيولة -إذا جاز تسميتها بالنظرية- والكتاب ضمن سلسلة كتب «الحداثة والهولوكست»، «الحداثة السائلة» و «الأزمنة السائلة»، «الخوف السائل»...
لم تتضح بعد تشكيلة الحكومة المغربية الجديدة رغم مرور قرابة شهرين من إعلان نتائج الانتخابات التشريعية بالمغرب فجر الثامن من أكتوبر الماضي وتكليف الملك محمد السادس الأمينَ العام لحزب العدالة والتنمية عبدالإله بنكيران بتشكيل الحكومة...
تعيش الأمة العربية والإسلامية أسوء أحوالها منذ الاجتياح المغولي لبغداد قبل أكثر من ثمانية قرون تقريبا، فهولاكو روسيا يواصل مع طيران نظام الأسد تدمير سوريا وتحديدا حلب بدون أدنى رحمة في ظل تفرج العالم على...
«من الواضح أن انتصار دونالد ترامب هو لبنة إضافية في ظهور عالم جديد يهدف لاستبدال النظام القديم» هكذا قالت أمس زعيمة اليمين المتطرف بفرنسا عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية. وظهر جليا أن تداعيات فوز ترامب...
رغم مضي قرابة شهر على إعلان نتائج الانتخابات التشريعية المغربية التي توجت حزب العدالة والتنمية (إسلامي) بالمرتبة الأولى بـ125 مقعداً، وتكليف الملك محمد السادس عبد الإله بنكيران الأمين العام للحزب المذكور بتشكيل الحكومة، لم تظهر...
ثمة حرب شرسة وخطيرة تجري، لكن من دون ضوضاء، لن تظهر كوارثها وخسائرها إلا بعد عقد أو عقدين من الزمن، وهي حرب التسطيح والضحالة الفكرية والثقافية، عبر استخدام غير رشيد للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وجعلهما...
تنتقد جهات غربية العرب والمسلمين بشكل عام، بأنهم لا يعرفون للديمقراطية سبيلا، وحتى صنيعة الغرب؛ الكيان الإسرائيلي يتبجح بأنه ديمقراطي، وقال رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو قبل أيام في الاحتفال بمرور67 سنة على تأسيس (الكنيست): إنه...
شهور ويغادر باراك أوباما كرسي رئاسة الولايات المتحدة الأميركية دون أن يحقق وعوده للعالم الإسلامي، فالرجل كان مهموما بمصالح بلاده أولا وأخيرا. ومن أكبر الوعود التي أطلقها في خطابه بالبرلمان التركي في أبريل 2009، وخطابه...
خلق موضوع استقبال اللاجئين في الغرب نقاشات كبيرة، وخلافات عميقة، سواء داخل أوروبا أو الولايات المتحدة الأميركية، جعلتهم في تناقض مع المواثيق الدولية التي تنظم كيفية التعامل مع اللاجئين سبب الحروب والعنف. ورغم أن أزمة...