وجاء الحبيب المنتظَر.. فما حال المسلمين «الروهينجا»؟

يستقبل اليوم المسلمون, بل العالم أيضا كله يفعل, شهر رمضان المبارك, موسم العتق من النيران الذي ينتظره المؤمن بثقة أنه سيكون ضمن ركب المغفور لهم, فكيف حال المسلم في رمضان 1436؟ لا شك أن المسلمين اليوم وبعد الهجرة النبوية للمدينة المنورة بأربعة عشر قرنا وثلاثة عقود وستة أعوام، يهاجرون مرارا وتكرارا فرارا بدينهم إلى أرض الله الواسعة التي أمرهم أن يخرجوا إليها إن تعذر عليهم إقامة شعائر الإسلام وأوذوا بسبب دينهم, وفي هذا الشهر الفضيل سنلقي الضوء على شعوب مسلمة يمر عليها رمضان وهي مظلومة ولا ناصر لها بغياب شوكة المسلمين. شعب «الروهينجا» أوذي وابتلي بلاء كبيرا وقتل وهجّر وشرّد وأحرق حيا لأنه مسلم فقط. وتاريخيا سموا بالروهينجا كما يقول المؤرخين لأن البعض أرجعها لتحريف كلمة «الرحمة» التي صاح بها رحالة عرب تحطمت سفينتهم على الشاطئ وأمر ملك البلاد آنذاك بقتلهم، فصاحوا «الرحمة الرحمة» فسماهم الناس «راهام» وحرفت للروهينجا, أما البعض الآخر فيرجح أنها تسمية تعود لأسلاف الروهينجا وهم من «الروها» في أفغانستان، وقول ثالث أن أصل الكلمة هو المملكة الأركانية القديمة «مروهاونج». فهل اضطهاد شعب الروهينجا جديد؟ وما تاريخ بورما في التعامل مع المسلمين؟ تاريخيا دخل الإسلام في بورما عن طريق إقليم «أراكان» بواسطة التجار العرب في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد، حيث كان لأولئك التجار صلة مع الأراكان قبل 788م, وكان أول ظهور للاضطهاد الديني للمسلمين في عهد الملك باينوانغ في 1550-1589م, فقد منع المسلمين من الذبح طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية, وأجبرهم على حضور خطب ومواعظ بوذية واعتناقها والردة عن الإسلام بالقوة, ومنع عيد الأضحى وذبح الأضاحي من الماشية، كما منع الملك ألاينجبايا الأكل الحلال, وفي عهد الملك بوداوبايا 1782-1819م قبض على أربعة من أشهر الأئمة في ميانمار وقتلهم بعد رفضهم أكل الخنزير، بعد إعدامهم بسبع أيام أُجبر على الاعتذار وأصدر مرسوما باعتبارهم أولياء صالحين. ويشير المؤرخون إلى سوء أحوال المسلمين بعد انقلاب الجنرال ني وين عام 1962م، حيث طردوا من الجيش وتعرضوا كأقلية للتهميش والإقصاء، ووصفتهم الأغلبية البوذية بـ «قتلة بقر» حيث البقر ذبائحهم من الماشية في عيد الأضحى، ووجهت اتهامات بالإرهاب ضد المنظمات الإسلامية كاتحاد مسلمي بورما, وكثير من التفاصيل المؤلمة التي تحملها كتب التاريخ. إن مأساة «الروهينجا» تتلخص في أنه شعب مسلم يعيش بلا وطن, هم غرباء، منفيون، منسيون، أكثر شعوب الأرض والأقليات الدينية اضطهادا، ولا يرد ذكره إلا في تقارير منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام الدولية عندما يتعرض للقتل, وليت ذلك الذكر لنصرة أو دفع ضرر أو حلول, بل رفع عتب بأن المنظمات الدولية تتعامل مع كل الشعوب والقضايا بعدل! العدل الذي يعرفونه شتان بينه وبين الذي ارتضاه لنا الإسلام, عدل ديننا لم يهدر دماء غير المسلمين عدا المحاربين, بل حفظ حقوقهم وأمر الإمام المسلم بحفظ حقوقهم المالية وأعراضهم ولم يجبرهم على تغيير دينهم ومنحهم حق السكن في أرض الإسلام والتقاضي لشرائعهم, فماذا أعطتنا منظمات حقوق الإنسان؟ أو بتعبير أدق: ماذا استفادت الشعوب المسلمة من هيئة الأمم المتحدة وما فرخت من منظمات؟ الدول المسلمة ليست إلا جماعات متفرقة لها عضوية شكلية لا وزن لها سوى ما تحصله منهم المنظمات من جبايات بمسمى اشتراك, وهذا بالطبع السبب الوحيد الذي يكسبها الاحترام.. المال. الدول المسلمة لم «تفزع» لشعب الروهينجا المكلوم لأن قلوبها شتى, مختلفة ومتباينة الآراء والمواقف تجاه القضايا السياسية الدولية, ونكبة مثل التي يمر بها أولئك المستضعفون تتطلب هبّة رجل واحد, تتطلب نبذ الاختلافات السياسية والوقوف مع شعب لأسباب عقدية لا شيء آخر. التوازنات والتسويات والابتزاز السياسي أوراق لا يجب أن تدخل ضمن النزاعات الإنسانية، وبالنسبة للمسلمين فإن الدفاع عن العقيدة أحد أسباب قيام الحروب وتعتبر جهادا في سبيل الله, فكيف بدم مسلم الذي حرمته تفوق حرمة الكعبة بيت الله؟! مليون مسلم أو %4 بالتقريب من سكان ميانمار يعيشون في منطقة الراخين (أراكان سابقا) يتعرضون لإبادة ممنهجة, بين دول حدودية تغلق بوجوههم الأمل لقطرة ماء ولو ملوثة, ولقضمة خبز بعفن, وظِل ينام تحته الرضع مع أمهات تصفقت وجوههن جوعا وعطشا لا يجدن ما يقيم أصلابهن, ولا ما يدر الحليب من أثدائهن, ورجالهن بحال أسوأ بين انتحاب قوامته على أسرته فوق مذبح العجز والضعف والقهر, وبين محاولات الإبحار وسط المجهول والغذاء على حبال المراكب الشراعية! من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم, فماذا فعلت الأمة الإسلامية للروهينجا؟ أتحدث هنا عن الدول والأنظمة لا عن الجهود الشعبية التي مهما بلغت فهي متواضعة قياسا بميزانيات الدول, نتمنى في هذا الشهر أن تتخذ الدول الإسلامية موقفا موحدا سياسيا يحفظ لهذا الشعب حقوقه في أرضه من حق ممارسة الشعائر الإسلامية, والحياة الكريمة بالعمل والأمن والأمان والاستقرار, والمساواة بالمواطنة مع بقية الأديان. فبعد محاولات بنجلاديش لإعادة الروهينجا إلى بورما، سن قانون الجنسية 1982 ولم يعترف بهم كإحدى القوميات في بورما، ويتم التعامل معهم باعتبارهم بدون جنسية، واتهامهم بأنهم مهاجرين غير شرعيين من بنجلاديش، ما سلبهم كافة حقوقهم وجعلهم عرضة لكثير من الانتهاكات. المجتمع الدولي تسمع صراخه دفاعا عن الأقليات, بينما عندما يأتي للأقليات المسلمة يأخذ وضع بان كي مون (يعبر عن قلقه ويناشد فقط)! •  @kholoudalkhames