


عدد المقالات 269
مع إشراقة صباح اليوم التالي للاستفتاء التاريخي في تركيا، خرج الرئيس التركي في جولة واسعة، تضمنت مجموعة من الزيارات الرمزية، زار قبر محمد الفاتح وأبي أيوب الأنصاري، وهي أماكن دأب القادة الإسلاميون الأتراك على زيارتها في مفاصل تاريخية مهمة، كما زار قبرعدنان مندريس رئيس الوزراء الإصلاحي الذي أعدمه الجيش، وأخذ جولة في إسطنبول، ملتقياً خلالها بالناس في الشوارع، ولكن الأهم زيارته لقبرين، قبر الرئيس السابق ترغوت أوزال، وقبر رئيس الوزراء الأسبق نجم الدين أربكان، أهمية هاتين الزيارتين تكمن في أن الرجلين طالبا في مراحل سابقة بضرورة التحول إلى النظام الرئاسي، ولكنهما لم يوفقا إلى ذلك، وكأن الرئيس التركي يريد أن يقول، إن تحقيق الانتقال هو طموح تاريخي، لا يرتبط بشخصه فقط، بل هو استكمال لمشروع إصلاحي، بدأ مع مندريس وآتى أكله معه. التعديلات الدستورية التي وافقت عليها أغلبية متواضعة يوم الأحد كانت مطلباً رئيسياً للعدالة والتنمية منذ بدايات وصوله للسلطة، وحاول الحزب في مراحل مختلفة طرح هذه التعديلات، ولكنها لم تلق تأييداً في السابق، بل يعزى إليها انخفاض شعبية الحزب في مفاصل معينة لتمسكه بطرحها، ولولا الظرف التاريخي المرتبط بالمحاولة الانقلابية وما تبعها، لكان صعباً جداً أن يتخيل مرورهذه التعديلات، التعديلات لها كثير من الأعداء، وعلى رأسهم المعارضة التركية المتمسكة بالنظام البرلماني، وعموم معارضي العدالة والتنمية، ومؤيدو الدولة الكمالية -بصورتها الشمولية العلمانية- في تركيا يقفون ضد التعديلات باعتبارها بسطاً لنفوذ العدالة والتنمية -وأردوغان شخصياً- على الدولة، والاتحاد الأوروبي يقف بشدة ضد هذه التعديلات كذلك، ويصفها بأنها نكوص عن الديموقراطية، واستغلال للمد الشعبوي الناتج عن المحاولة الانقلابية، في التحول بتركيا إلى دولة شمولية، ولكن ما حقيقة هذه التعديلات؟! عند قراءة نص التعديلات المقترحة، يتضح أنها تركز على ملفات ثلاثة، أحد هذه الملفات وربما أبسطها هو توسيع حجم البرلمان، وخفض سن التصويت فيما يمثل توسعاً بالتمثيل الديموقراطي الشعبي، الملف الثاني هو إصلاح نظام العدالة من خلال إضافة لفظ «نزيه» في وصف القضاء بالإضافة لمستقل، وإلغاء المحاكم العسكرية، والأحكام العرفية، وإخضاع الجيش للرقابة الحكومية، وهذا يشكل ضربة للدولة العميقة التركية المتمترسة في بعض مفاصل الدولة ومنها القضاء، أما الملف الأهم فهو التحول بتركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، وما يقتضيه ذلك من التوسع بصلاحيات الرئيس، بحيث يكون هو رأس السلطة التنفيذية، هذا الملف هو الذي يدور حوله النقاش، ويختلف حوله الطيف السياسي التركي، والخلاف أساساً هو حول صلاحيات الرئيس الجديدة، هل تعطي هذه الصلاحيات الرئيس سلطة مطلقة؟ التعديلات تنص على أمور طبيعية في سياق التحول إلى نظام رئاسي منها، إعطاء الرئيس صلاحية اقتراح الميزانية، والسلطة على الوظائف الإدارية الكبرى، وسلطة إعلان الحرب والطوارئ عند الحاجة ومنح العفو الرئاسي، وهي كذلك تعطي البرلمان حقوقاً تقليدية متعلقة بالرقابة على السلطة التنفيذية، وبشكل عام هي متوافقة مع السائد في الأنظمة الرئاسية كالأميركي مثلاً، من حيث توزيع الصلاحيات، ولكن مع ذلك فهناك صلاحيتان تثيران علامة استفهام، صلاحية تعيين الوزراء والنواب دون الحاجة لموافقة البرلمان، وصلاحية تعيين 4 من 11 قاضياً في مجلس القضاة، خاصة أن رئيس المجلس هو وزير العدل، هذه الصلاحيات قد ينظر إليها على أنها تعطي الرئيس صلاحية فوق المعتادة، ويضاف إليها أن التعديلات تسمح لأردوغان نفسه بالترشح مرتين لمنصب الرئاسة تعتبر أولاهما تلك التي تبدأ في 2019. المهم هنا هو أن التعديلات الدستورية ليست كما يحلو للبعض تصويرها على أنها تطويع للدستور ليخدم مشروع أردوغان الشخصي، لا شك أن تلك العناصر التي ذكرناها مقلقة، ولكنها جزء من مشروع بدأ مع ترغوت أوزال، للخروج بتركيا من حالة فوضى الحكومات الائتلافية التي لا تكمل عادة فترتها، ومن مواد دستورية فرضها الانقلاب العسكري في ثمانينيات القرن الماضي، تعطي الجيش بمحاكمه العسكرية صلاحيات تفوق ما ينبغي أن يكون لجيش دفاعي طبيعي. ولكن في الوقت نفسه لا بد من الإشارة إلى أن الخلاف السياسي هنا معتبر، ولا يملك أحد أن يقول إن مؤيدي التعديلات الدستورية أو معارضيه غير وطنيين، لكل فريق وجاهة فيما يطرح، والنظامان البرلماني والرئاسي لهما مزايا وعيوب، عرفت تركيا سلبيات النظام البرلماني، وستجرب الآن الفصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، أما فيما يتعلق بنتيجة الاستفتاء فهي على ما يبدو رسالة من الناخب التركي أن ذهنية المحاولة الانقلابية وتبعاتها بدأت في التلاشي لصالح العودة إلى بيئة سياسية تنافسية طبيعية، الشارع بانقسامه هذا أوصل رسالته للطرفين، فهو مرر التعديلات ولكن بأغلبية غير مريحة لا تطلق يد الحكومة في تطبيقها كما تحب، والحكومة اليوم تدرك أنها بحاجة للتعامل بحذر شديد مع التعديلات الدستورية لاستيعاب هذا القطاع الكبير الرافض لها. مع ذلك فإن النسبة التي صوتت لصالح الاستفتاء ليست مستغربة على الاستفتاءات الوطنية المشابهة، في كثير من الأحيان، حين يكون الاستقطاب حاداً تكون النتيحة بهذا التقارب، ومثال ذلك الاستفتاء الذي أجري عام 1987 في تركيا، والذي حصل فريق نعم فيه على أغلبية 80 ألف صوت فقط بنسبة 50.16%، التجربة التركية تجاوزت عدداً كبيراً من العتبات نحو النموذج السياسي المستقر الناجح، الآن تركيا تنتظر أن يثمر النظام الرئاسي دولة مستقرة تتداول فيها السلطة بسلاسة وانتظام.
منذ عام 2006 بدأت في مجال التحليل السياسي، من خلال صفحات الجرائد المحلية المختلفة، ومنذ ذلك الحين التزمت بمقال أسبوعي يركز غالباً على التعليق على الأحداث الراهنة، أو مناقشة موضوع سياسي عام، مرت هذه التجربة...
بنجاح أكبر من الذي توقعته استطلاعات الرأي، عبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، ليقطع الطريق على من أراد أن يشكك في استمرار شعبيته في بلاده. وعلى الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة والتلاعب...
مذ عرّفني أحد الأصدقاء على قصيدة تميم البرغوثي عن القدس، دأبت على الاستماع إليها بين الفينة والأخرى، لا شك لجمالها أولاً، ولكن كذلك لأنها تنقلني إلى حالة شعورية مختلفة حول المدينة القديمة، أشعر وكأنني أمشي...
في الإنجليزية، إذا أردت أن تصف أشخاصاً يتقاتلون بطريقة صبيانية، فبإمكانك استخدام مصطلح «أطفال بألعاب»، في إشارة إلى أن أولئك الذين تتحدث عنهم يتصرفون كأطفال يتنازعون ألعاباً لا كأشخاص ناضجين.. العالم اليوم يكثر فيه من...
ستة أشهر كانت كفيلة ببث روح جديدة في الجسد القطري بعثها التحدي الأكبر الذي واجه البلاد في تاريخها، في هذه الأشهر الستة انطلقت قطر نحو المستقبل بخطى ثابتة والتحم الشعبي مع الرسمي لرسم لوحة مشرقة...
آلة السياسة في واشنطن شديدة التعقيد، من حيث التركيب والأنظمة، فنظام التوازن والرقابة الذي يعطي كل سلطة صلاحية رقابية على الأخرى، ويجعل الصلاحيات متوازنة بينها، أورث نظاماً معقداً، ولكنه يعمل بكفاءة عالية، هذا النظام تعرّض...
أثارت كوريا الشمالية الرعب في محيطها الإقليمي والعالم أجمع بتصعيد تجاربها النووية والصاروخية، وحسب الخبراء العسكريين يمكن أن تصبح قريباً «الدولة المارقة»، كما يسميها ترمب، قادرة على تركيب رأس نووي على صاروخ متجه إلى الساحل...
الأنشطة الثقافية للمؤسسات الخيرية هنا في قطر كانت وما زالت أكثر قدرة على جذب الجماهير من مثيلاتها الرسمية، ويعود ذلك لمجموعة من الأسباب، أهمها الطبيعة التطوعية لهذه الأنشطة، وما يحققه ذلك من إبداع ومرونة وحماس،...
حطت طائرة الرئيس الأميركي على أرض فلسطين ليكون أول مؤتمر صحافي له بجوار طائرته مناسبة جديدة يذكر فيها بالتزامه التام بأمن الكيان الصهيوني، بعد أن أمضى الأيام الماضية في التأكيد على رؤيته حيال «الإرهاب الإسلامي»...
الثورة الاقتصادية الصينية التي دفعت بالصين من دولة مقسمة محتلة إلى أحد أقوى اقتصادات العالم استفادت بشكل كبير من المبدأ الذي وضعه باني نهضة الصين الاقتصادية الحديثة شياوبنج وهو رئيس الصين الثاني بعد ماو تسي...
احتفل قطاع كبير من الفرنسيين، ومعهم المعتدلون في أوروبا، والعالم الغربي بخسارة لوبين، وفوز ماكرون خلال الأيام الماضية، متجاوزين تهديداً آخر من اليمين المتطرف الأوروبي، وبذلك تتبدد أحلام اليمين المتطرف في القارة العجوز في أن...
خلال الشهور القليلة الماضية تغيرت الأوضاع في قطبين من أهم الأقطاب السياسية في المنطقة بشكل كامل، خلال الأعوام الماضية بدا أن النظام الإيراني يحكم قبضته على محيطه الداخلي والخارجي، وفي مقابل ذلك بدا أن الإدارة...