ضرورة الوقوف إلى جانب العراق

قام وزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو الخميس الماضي، بزيارة العاصمة العراقية بغداد، والتقى خلالها كلاً من رئيس الجمهورية العراقي برهم صالح، ورئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، ورئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، بالإضافة إلى نظيره العراقي محمد علي الحكيم، في إطار الجهود الدبلوماسية التي تبذلها تركيا مع القوى الدولية والإقليمية الأخرى، لنزع فتيل الأزمة الأخيرة التي تفجرت باغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. العراق هو أول دولة تتضرر من مثل هذه الصراعات، وتصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران في الشرق الأوسط، وسرعان ما تتحول إلى ساحة تصفية الحسابات، بدليل أن الهجوم الأميركي الذي قتل سليماني استهدفه في العراق، كما ردت إيران على العملية من خلال قصف قاعدتين عسكريتين في بلاد الرافدين، وكلتا الدولتين قامت بعمليتها العسكرية دون موافقة حكومة بغداد، وانتهكت السيادة العراقية، ومن المؤكد أن نيران أي تصعيد محتمل ستحرق أولاً العراق والعراقيين. التطورات الأخيرة، تشير إلى أن كلاً من الولايات المتحدة وإيران لا ترغب في التصعيد، على الرغم من استمرار التصريحات النارية والتهديدات التي تهدف بالدرجة الأولى إلى رفع معنويات الجبهة الداخلية، وهذا أمر إيجابي ولصالح العراق والمنطقة برمتها، كما أن خفض التوتر بين الولايات المتحدة وإيران من شأنه أن يجنب منطقة الخليج العربي كثيراً من المشاكل والأخطار وشبح حرب مدمرة. بلاد الرافدين الآن في وضع لا تُحسد عليه، وهي تعاني من مشاكل داخلية، وتدخلات خارجية، وبحاجة ماسة إلى وقوف جميع أصدقاء العراق إلى جانبها، لأنها غير قادرة على تجاوز الأزمات الحالية وحدها، ولكنها قبل كل شيء، يجب أن تحقق الوحدة الوطنية، ولو لحدٍّ ما، كي تشكل أرضية لأي مشروع لبناء عراق جديد يتمتع بالاستقلالية، بعيداً عن أنواع الوصاية كافة. تركيا من أهم جيران العراق، وليست لديها أطماع في أراضيه أو ثرواته، كما أنها ليست طرفاً في صراع القوى التي تسعى إلى تصفية حساباتها في الأراضي العراقية، وعلى حساب الشعب العراقي. بل هي حريصة على أمن العراق واستقراره ووحدة ترابه، ويمكن أن تسهم في تنميته واستعادة عافيته، وتسانده ضد مشاريع التقسيم والتدمير. المنطقة فيها ما يكفي من أزمات ومشاكل، ولا تتحمل مزيداً من التوتر، كما أن الحرب ليست لعبة، وقد يشاهد الآخرون فصول الحرب عبر شاشات التلفزيون في بيوتهم، بعيداً عن ساحات المعارك، كما يشاهدون الأفلام والمسلسلات، إلا أن شعوب المنطقة التي تقع فيها الحرب -لا سمح الله- هي التي تدفع غالياً ثمن مغامرات قادتها وحساباتهم الخاطئة، ولذلك، يجب على العقلاء من القادة أن يكثفوا جهودهم الدبلوماسية لخفض التوتر، وإبعاد شبح الحرب، وتغليب العقل والحكمة، بدلاً من لغة التهديد واستخدام السلاح. العراقيون اليوم، على الرغم من مرورهم بظروف صعبة، يضربون في الشوارع مثالاً رائعاً لشعب حي متعطش للحرية والكرامة، رافض للفساد وسوء الإدارة والطائفية والاحتلال بكل أنواعه وألوانه. ولا بد من الوقوف إلى جانبهم لتتجاوز بلادهم الغنية بالثروات، هذه المرحلة الحرجة، وتصل إلى بر الأمان، حتى يعيش الشعب العراقي في أمن ورفاهية، وأجواء ديمقراطية، وحرية لا تعكرها العمليات الإرهابية ولا صراعات القوى الدولية والإقليمية.