معارضتي ولكِ معارضتك!

كنتُ أدفع لمشروبي الخاص للنادل. فهجمتْ عليه بصوتها المتحشرج: I am buying تقصد الحساب عليّ بالعربية. التفتُّ مبتسمة. هذا الصوت لا يجلب معه إلا جلسات لا منتهية من الأحاديث السياسية وصدقاً؟ لم أكن في مزاج السياسة. ولا أحاديث عن النواب والحكومة والسلطة والقضاء. كنتُ في حاجة للاختلاء بخلود. ولكن بعض الحاجات صعب تنفيذها وأنت بين الناس. عليك بالاختفاء أو السفر أو.. المهم أني قبلتُ دعوتها. وقلبي يتفطر عليّ من الآتي! حقيقة لا تسألوني لمَ لمْ أحسن الظن بأنها مشتاقة للجلوس معي. وأنها قد تكون تعافت من الثرثرة المستمرة في السياسة والساسة. وثقوا أني لستُ المذنبة. إليكم ما حدث. طبعاً. هي اختارت مكان الجلوس صاخباً يعج بالمدخنين رغم أنها لا تدخن. ولكنها تحب الجلوس في الازدحام. وكالعادة لم تتكلف بسؤالي إن كان المكان يناسبني. فقلت باللهجية الكويتية: "حجية تعالي نغير المكان مع صوتج العالي" وقبل أن توافق سحبت "كوب" القهوة وانطلقت للجلسات الواقعة في الهواء الطلق. فتبعتني مضطرة وهي "تتحلطم" فلم آبه أو أرد عليها وجلست. كان المكان أقل ازدحاماً وأكثر هدوءا رغم ذلك فتقارب الطاولات يقتحم خصوصية أي حديث. ولكنها لا تهتم. وأول ما بدأت قالت. وسأكتب لكم الحوار بنسخة اللغة العربية ولكن الأصلي كان باللهجة الكويتية: خلود. أيمكن أن تشرحي لي ضرورة مراسيم الضرورة التي أقرها مجلس الوزراء أمس؟! قلت: أرجوك الرحمة. ليتُ بمزاج كلام أريد الصمت! خرجت عيناها. الجاحظتين أصلا. من موقعهما وردت: الكويت كلها تتكلم بهذا الأمر. أنت تصمتين؟! يا صحافية يا كاتبة هذا وقت الكلام لا الصمت! يجب أن يكون لكِ موقف. يجب أن تكتبي في مقالاتك هذه المسخرة. يجب ألا تتركي مكاناً ولا مناسبة إلا وقلتِ إنك ضد التلاعب بمصالح الشعب. يجب أن تدافعي عن الدستور. يجب يجب يجب. وأنا مذهولة من لغة الأوامر خصوصاً أني أعرف فقدانها السيطرة على صوتها. فقلت: ومن أوجب عليّ كل الـ "يجباب" السابقات؟! قالت: ألا تحبين الكويت؟! نظرتُ لها نظرة تعرفها جيداً؛ لأنها تعاملت معي مهنياً أكثر من التعامل الشخصي. وتعرف ما وراء تلك "الخزة" كما نقول بالكويتي! قلت: ألن تتوقفوا عن تقرير من يحب الكويت ومن يبغضها؟! ثم كيف توجهين كلاماً شبيهاً لي؟! من عينك أميناً على حب الوطن وأعطاك دفتراً تسجلين فيه أسماء المنافقين؟! اقتحمتِ خصوصيتي وفرضت نفسك علي والآن تقررين وطنيتي. تباً! ألسنتم "تتـبّبون" لكل من يختلف معكم في "تويتر"؟! قالت بعصبية مهذبة: خلود؟ من تقصدين بـ "أنتم"؟ قلت: اختاري المسمى كيف تشائين. ولكني سأعطيك الصفات. أنتم الذين حصرتم الوطن بمجموعة أشخاص لديهم أفكار يريدون تطبيقها بغض النظر عن وجود شريحة بل شرائح لا تريد أفكارهم. وتنتقدون الإقصائيين. أنتم من طبع صكوك الولاء ووزعها فقط على من يحضر اعتصامات ساحة الإرادة. واعتبر كل من لم يشارك بها خائناً. أنتم تريدون أن يحترمكم الكويتيون رغماً عن أنوفهم فقط لأن أصواتكم عالية! أعلمتِ من أنتم؟! قالت: ظننتكِ معارضة! قلت: أنا معارضة بحبي للوطن، لا أتبع أسماء، ولائي للحق، قلمي لا يسيره إلا قناعاتي، ليس لي صاحب، فهمتِ؟! كانت الساعتان اللتان خصصتهما لخلود قد سُلِبتا بوضع اليد والإكراه. من امرأة تتحدث في كل مناسبة ومكان عن أراضي الكويت التي سُرقت بوضع اليد. وقوانين مُررتْ بمراسيم إكراه ولا ترقى للضرورة! ركبتُ السيارة وقد ضاق صدري من اللقاء كله. كأنها بكلامها سحبت كل الهواء النقي في سماء الوطن. إذا كانت صاحبتنا هذه ومعها كثيرات وكثيرون. نماذج لبعض المتحدثين باسم المعارضة بمختلف توجهاتها. فكيف تتوقع تلك المعارضة التي تريد توحيد جبهتها باتجاه إصلاحات للوطن وكل مواطن. أيدها أم عارضها. أن تُحتَرم؟! قبل أن أنسى. لقد أبلغتها أني سأكتب مقالاً عن حوارنا أهجوها به. فوافقتْ. رضي الله عنها وهداها. تحب الشهرة ولو سلباً. وهذه صفة أخرى ظاهرة لبعض شباب المعارضة الجديدة! وللعلم أنا معارِضة للأداء الحكومي. ولكن بطريقتي. الكويت تستحق أن نُعارض من يُفسد فيها. كما تستحق أن نُعارض بما يليق بمواطن كويتي. أمّاذا؟!