وفي الحروب منافع!

ولا أعني بعنوان هذا المقال أني من معتنقي النظرية «المالتوسية» التي يرى فيها «أن الرجل الذي ليس له من يعيله والذي لا يستطيع أن يجد له عملاً في المجتمع سوف يجد أن ليس له نصيباً من الغذاء على أرضه فهو عضو زائد في وليمة الطبيعة حيث لا صحن له بين الصحون والطبيعة تأمره بمغادرة الزمن», ‏ويرى أيضاً أن الحروب ضرورة لتغيير الجنس البشري ولاستمرار الحياة عبر الموت. بل أنا ضد النظرية التي تقوم على الندرة, وأدعم نظرية الوفرة التي يكرسها الإسلام, بأن الرزق موجود للجميع ولن يقل أو ينقطع؛ لأنه ينزل من الله منبع كل الأرزاق لكل المخلوقات. ولكنني أبين أن في زمن الحروب هناك مكاسب تحققها فئة قليلة على أشلاء الفئة الكبيرة, وهذه هي خطة إشعال الحروب التي تنتهجها الإمبريالية التي تتبنى نهج السيطرة على العالم سياسياً واقتصادياً وفي الموارد والعقول والتكنولوجيا وما لا يحصى أو يعد من الاستعمار بل الاستعباد حسب معطيات العصر. مثلاً: في حروب أفغانستان، وأطلقت عليها حروب بصيغة الجمع وليس حرباً لأن النزاع تنقل بين إقليمي - دولي - محلي، في تلك الحروب نشطت تجارات مختلفة على رأسها مافيا السلاح وزراعة المخدرات والاتجار بالمعلومات وهي رائجة حتى في السلم ولكن تزداد في الحرب, زرع أو تجنيد الجواسيس, الزرع غالباً مصطلح يعنى به أن الجاسوس غير محلي, أما التجنيد فللمحليين, ومنهم في الجيش ذاته الذي يحارب العدو ولكنه ذراع وعين للعدو ذاته. إنها سنة الله في الجيوش التي تحارب في سبيل الله، جيوش الجهاد وليس جيوش الدول والتي تحارب في غير سبيل الله وهي كثيرة، أن يبتليها بمنافقين ليمحص القلوب من خلل النيات, وينقي الصفوف من خلل الإخلاص، ولا تبقى في معركة ترفع راية الله إلا من صدق. وفي حرب الشيشان نشطت تجارة مشروعة ولكنها أيضاً نتاج الحرب وليست فعلا في الوضع الآمن, الزواج من نساء تلك المناطق المحاصرة بموت الأزواج وبقاء الذريات بلا عائل وسط دمار مدقع، أدى إلى ضخ أموال في المنطقة عبر هجرات عربية وخليجية قسمت سكنها بين بلادها والشيشان والمناطق التي نالتها حربها، وكان شراء الأراضي وإقامة المشاريع الإسكانية والتنموية عبر تجار ليسوا بشيشانيين وهذا أحد نتاج الحرب هناك, كان فيه منفعة لهم في الحقيقة وإن رأى البعض غير ذلك, فإن التحليل الواقعي لا يحابي المشاعر ولا يستمع للأحكام العاطفية. وفي حروب الخليج من حرب العراق وإيران، ثم الكويت والعراق نشط الاتجار بالطوائف, نعم, قد يكون مصطلحاً جديداً ولكنني هكذا أراه وأطلق عليه, أن النزاع الشيعي – السني دفع به إلى السطح منذ حرب الخليج الأولى ولكن بتأنٍّ, وكان ذلك لغرض ديموجرافي يتعلق بنسبة الشيعة في العراق ووجودهم القوي في الجيش ولسوء تقدير صدام حسين لأهمية موالاة الأكراد، لكونهم سنة شافعية وهو سني في نزاع جزء منه مذهبي ولكنه ينكر ذلك, فأباد الأكراد وقطع الذراع الأيمن بالأيسر, وكانت النتائج واضحة. اليوم حروب سوريا واليمن كشفت النقاب عن حقيقة الاتجار بالطوائف لأغراض سياسية وتوسعية وهيمنة لفصيل على آخر. الحروب تجارة صدقوني، رأس مالها دماء الشعوب وفوائدها تعود على النظام الدولي ومن يواليه وأكثرهم بين ظهرانينا للأسف.