


عدد المقالات 101
أين توجد الحدود الفاصلة بين (المثالية) و(الواقعية) حين يتعلق الأمر بالملحمة السورية الكبرى التي تكاد تُنهي شهرها العاشر؟ ثمة حاجةٌ ملحّة للإجابة على هذا السؤال على طريق الإجابة على أسئلةٍ أخرى في غاية الأهمية، تتعلق تحديداً بالعمل السياسي الموازي للحراك الثوري، وعلى وجهٍ أخص بالموقف السياسي للمجلس الوطني السوري. فالمجلس يحاول منذ اللحظة الأولى لإنشائه أن يكون نبض الشارع، وأن يمثل سقف مطالب الحراك الثوري في الداخل، لكنه يعمل أيضاً في حقل ألغامٍ إقليميٍ ودولي ليس له مثيل في التاريخ المعاصر، وهو حقلٌ يستعصي حصرُ الحدود والموانع والتوازنات الحرجة -بل والتناقضات- الموجودة فيه. من هنا، يبدو المجلس أمام تلك الأسئلة الأخرى: هل يتحرك وفق تعريف السياسة بوصفها (فنّ الممكن)، رغم أن الممكن بالفهم التقليدي السائد لا يرتفع إلى سقف مطالب الثورة والثوار؟ أم أن على المجلس أن ينظر إلى (الممكن) من زاويةٍ أخرى جديدة يأتي تعريفُها من واقعٍ جديد تفتح آفاقهُ الثورة السورية؟ هل يكون المجلس مُغرقاً في (المثالية) إذا قرر الحركة بناءً على إيمانه بهذا الواقع الجديد؟ وهل يكون مجانباً للـ (الواقعية) إذا تجاهل المعادلات السياسية المألوفة التي يؤكد على استحالة تجاهلها البعضُ داخل المعارضة السورية، وكثيرون خارجها من أطراف النظام العربي والعالمي؟ دعونا من بعض الانتهازيين، وآخرين ممن تصدر مواقفهم عن خلفياتٍ أيديولوجية متطرفة، ولنفكّر في هذا التحدّي الكبير الذي يواجه من يريدون العمل حقاً وفق أجندةٍ وطنيةٍ سوريةٍ خالصة. للإجابة على الأسئلة الأخيرة، سيكون ضرورياً التفكيرُ في الخلفية الثقافية والفكرية التي ترسم، إلى حدٍ كبير، الواقع الجديد الذي نتكلم عنه. وسيكون مستحيلاً فهمُ إصرار السوريين على تقديم هذه الملحمة العجيبة بكل المقاييس في معزلٍ عن فهم تلك الخلفية. يعترف الجميع بأن قطاعات الشعب السوري التي تُعتبر خزّان الثورة ووقودها حالياً هي من الشريحة (المحافظة)، وأن غالبية هؤلاء تنطلق من الإسلام بوصفه انتماءً حضارياً لا يتناقض مع الانتماءات الأخرى الوطنية والقومية. بل قد يكون ممكناً وصفُ الغالبية العظمى من الشعب السوري بأنها لا تشعر بذلك التناقض ولا تعيشه. لهذا، يُصبح طبيعياً أن نحاول فهم الخلفية التي نتحدث عنها من خلال البحث عن القيم الإسلامية الأصيلة التي تجعل الإسلام مُنطلقاً لعملية تحريرٍ كبرى للإنسان من كل القيود المُصطنعة التي تُكبّله نفسياً وعملياً. فبعكس فهمٍ تقليديٍ سائدٍ في بعض الأوساط على اختلاف مرجعيتها الفكرية، يمكن للإسلام الأصيل أن يكون على الدوام معيناً لا ينضب للثورة على كل معاني الظلم والتخلّف والجهل والتقليد والاستعباد. لا مجال هنا للفهم الخاطئ الذي يربط رضا الله ونعيمه في الدنيا والآخرة حصراً بمسألة العبادات، فالقرآن يربط في مواقع لا تُحصى ذلك الرضا، والنعيم الذي يترتب عليه، بالجهد البشري الهادف إلى تحقيق تلك الثورة. بهذا، يصبح فهم بعض شعارات الثورة السورية ممكناً. فهؤلاء الذين يهتفون وهم يجابهون الرصاص بكلمات مثل (الموت ولا المذلّة) أو (عالجنّة رايحين.. شهداء بالملايين) يملكون خياراً آخر يتمثل في الحفاظ على حياتهم. وهذا خيارٌ في غاية السهولة، ولا يتطلب سوى البقاء بعيداً عن الميادين التي يتواجدون فيها بإرادتهم الحرة، لكنهم رغم هذا يرفضون ذلك النوع من الحياة في ظلّ الظلم والاستعباد. لا يقف القرآن عند حدّ الدعوة إلى الثورة على ذلك النوع من الحياة ورفضها لمجرّد الرفض العبثي، كما أنه لا يربط أجرَ من يستجيب لها بنعيمٍ في الآخرة فقط، وإنما يُكمل تصوّرهُ حول الغاية من الوجود البشري على هذه الأرض حين يطلب من الإنسان إعادة صناعة الحياة وإعمارها بقيم الحق والعدل والحرية والجمال، وذلك عبر دعوته بشكلٍ متكرر إلى السير في الأرض، وإلى النظر والتفكّر في سننها وسنن السماوات، تلك التي نسميها بالمصطلحات السائدة القوانين الطبيعية وقوانين الاجتماع البشري. وهي القوانين التي لا يبني الدول والحضارات إلا من يُدركها ويعرف كيفية توظيفها والتعامل معها. لا نريد الدخول هنا في تفاصيل الرؤية الحضارية التي نرى أنها يمكن أن تجعل الإسلام مُنطلقاً لعملية تحرير الإنسان والثورة على واقعه حين يتضارب مع المعاني الحقيقية لإنسانيته، وإنما نحاول فهم الخلفية الفكرية والنفسية التي يمكن القول إنها عنصرٌ أساسي من العناصر التي تدفع السوريين اليوم إلى صياغة تعريفٍ جديد لما هو (ممكن) و(واقعي). وإذا كان لهذا التحليل المصداقية المعقولة فقد يكون مطلوباً أخذه بعين الاعتبار عند محاولة المجلس الوطني التعامل مع توازنات (الواقعية) و(المثالية) في مسيرة حركته السياسية، لأن عليه أن يُدرك الأرضية التي سيبني عليها مواقفَ يراها الآخرون (مثاليات)، حتى لو أراد اتخاذها لأنها تمثل سقف مطالب الثوار الحقيقي. لا يعني هذا بطبيعة الحال أن يكون المجلس (إسلامياً)، أو أن يتبنى ما يمكن تسميته بالخطاب الإسلامي. فالغالبية لا تقبل خطابه الوطني الحالي الجامع فقط، بل وتطلب ترسيخه في كل المجالات والتأكيد عليه باستمرار. كل ما في الأمر أن النظر إلى الموضوع بتلك الصورة يمكن أن يجعل المجلس أقلّ عُرضةً للتقلبات في مواقفه وقراراته، وأكثر انسجاماً مع إصراره على أن يكون نبض الشارع. هكذا، يقول المجلس للعالم بأسره أنه مع الثورة إلى آخر الطريق، وأنه يربط مصيره بمصيرها الآن وإلى نهاية المطاف. لكن هذا يقتضي أيضاً نقلةً نوعيةً تعيد إثبات أهلية المجلس لقيادة الثورة سياسياً وصولاً إلى تحقيق أهدافها، وهي نقلةٌ تشمل العمل التنظيمي الداخلي والعمل السياسي الخارجي على حدٍ سواء، وتتطلب درجاتٍ عالية في التخطيط والإبداع. ذلك أن هذا المسار يحتاج لقدر كبير من القوة النفسية والعملية وسيكون مطلوباً في مواجهة كل الضغوط التي تريد للمجلس أن يكون (واقعياً) بالفهم التقليدي السائد حالياً، بل إن على المجلس أن يُعيد نظرته وتعريفه للـ (الواقعية) نفسها. فالواقعية مصطلحٌ ينبعُ أصلاً من الصّلة الوثيقة بالواقع، بكلّ مقوّماته وعناصره وأبعاده ومداخله. وأن تكون واقعياً يعني أولاً وقبل كل شيء أن تفهم كل تلك المقومات والعناصر والأبعاد والمداخل. ثم يعني أن (تستفرغ الوسع) في امتلاك (أقصى) الشروط التي تسمح لك بالتعامل مع ذلك الواقع. ثم يعني أخيراً أن تدرك (الحدود) التي لا يمكن لك فعلاً تجاوزها، ولكن بعد أن تكون بذلت غاية ما تستطيع في فهم المداخل وفي إعداد وسائل استعمالها. بل إن من (الواقعية) أن تقف عند الحدود، ليس بسلبيةٍ بالغة واستسلامٍ مطلق، وإنما بتحفزٍ وانتباه ويقظة ومتابعة لكلّ متغيّر. لأن مثل تلك الحدود ليست صلدةً على الإطلاق، وإنما تتصف بكثيرٍ من المرونة والسيولة، بحيث يمكن لها أن تتغير وتتبدل على الدوام.. تلك هي باختصار (الواقعية) في أصغر معانيها التي يفهمها وينطلق منها في أفعاله ومخططاته كل من يحترم نفسه ويبحث عن الاحترام في هذا العالم، وتلك هي بعض مقتضياتها وشروطها التي لا يصعب على أحد أن يدركها ويتحرك بمقتضاها حين يتوفّر الحدّ الأدنى من الجديّة والعزيمة والإرادة. وأهم ما في القضية ألا نحصر معاني الواقعية في مسألة إدراك الحدود وفي الدعوة للوقوف عندها.. وألا نختزل هذا المصطلح الهام والحسّاس في حياة الأمم والشعوب عند تلك النقطة، خاصة أن كثيراً من الحدود إنما تكون حدوداً في أذهان أصحابها فقط، ولا تكون هي الحدود الحقيقية على الإطلاق.
بعد بضعة أيام من نشر هـذا المقال، يعقد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية اجتماعاً سيكون من أكثر الاجتماعات حساسية في تاريخه وتاريخ الثورة السورية، إن لم يكن أهمها على الإطلاق. وتنبع خطورة الاجتماع بالدرجة...
{وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة قالوا أتجعلُ فيها من يُفسدُ فيها ويسفكُ الدماء ونحنُ نُسبّحُ بحمدك ونُقدّس لك قال إني أعلمُ ما لا تعلمون}. بغضّ النظر عن الحشو الذي يملأ بتفاصيله...
لم يعد ثمة مجالٌ على الإطلاق، وبأي حسبةٍ من الحسابات، أن يسمح عربُ المشرق، ومعهم تركيا، لهذا الطوفان الإيراني أن يجتاح المنطقة بهذا الشكل الصارخ، ليس فقط في قباحته وابتذاله، بل وفي دلالات الموقف الدولي...
منذ بضعة أيام، صدرت عن الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مواقفُ نعتقد أنها غير مسبوقة، وأن دلالاتها السياسية والدينية والثقافية تحتاج إلى كثيرٍ من التأمل. خاصةً عندما نفكر بأسبابها من جهة، ومآلاتها...
قلائلُ هم الرؤساء الأميركان الذين يعرفون لماذا وصلوا فعلاً إلى البيت الأبيض, وماذا سيفعلون فيه على وجه التحديد. هذه حقيقةٌ معروفةٌ في أميركا، رغم أن عدد ساسة هذا البلد الذين يحلمون بالوصول إلى أهم موقعٍ...
ما من شكٍ أن ثوار سوريا على الأرض كانوا ولا يزالون وسيبقون أصحاب القرار الحقيقي، لا نقول فيما يتعلق بمصير الثورة السورية، وإنما في تحقيق نصرها المؤزر في نهاية المطاف. لكن هذا لا يتناقض مع...
من الممكن جداً أن يكون تشكيل الحكومة السورية المؤقتة نقلةً هامة على طريق تحقيق أهداف الثورة السورية. ثمة مؤشرات عديدة على أن هذا الأمر في وارد الحصول، رغم الشكوك التي يطرحها البعض هنا وهناك. يبدأ...
منذ أكثر من خمسة شهور، وفي لحظة تأسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، كان أعضاؤه يعرفون، ومعهم العالم أجمع، أن الائتلاف هو المؤسسة الأم التي ستتولد عنها ثلاث مؤسسات أخرى أحدُها الحكومة المؤقتة. لم...
كثيرةٌ هي التحديات التي تواجه الثورة السورية، لكن تحدي الحفاظ على (الاستقلالية) بحساباتها وموازناتها الشاملة قد يكون أكثرهاً خطورةً وأهمية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الموقع الاستراتيجي لسوريا فإن التعامل مع هذا التحدي كان وسيبقى مهمةً...
كلما قلتُ متى موعدُنا ضحكت هندٌ وقالت بعد غد. قد يعبّر هذا البيت من الشعر العربي عن حال الثورة السورية مع معارضتها السياسية. فرغم المحاولات المختلفة للقيام بالدور المطلوب من قِبلها، لا تبدو هذه المعارضة...
يمكن وصف الثورة السورية بألف طريقة وطريقة، فهي تحمل في طياتها بحراً من المعاني سيأتي قريباً اليومُ الذي تظهر دلالاتهُ الحقيقية للناس. لكن وصف (الهجرة) قد يبدو في هذه المرحلة مُعبّراً عن واقع السوريين أكثر...
في عددها مطلع الأسبوع الماضي، نشرت مجلة الإيكونوميست البريطانية مقالاً بعنوان «سوريا، موت وطن». وعلى غلاف العدد، وضعت المجلة رسماً من ثلاثة أسطر يُعبّر عن دمار سوريا بشكلٍ تدريجي وصولاً نحو الخراب الكامل. بعدها بأيام،...