قمة قطر وتركيا

في زيارته الأولى للدوحة منذ تسلم سموالأميرالشيخ تميم بن حمد آل ثاني الحكم، حل أمس الزعيم التركي رجب طيب أردوغان وليوم واحد ضيفاً على أخيه. وبالطبع. بملفات مطروحة على طاولة القرار السياسي والاقتصادي. في الملف السياسي فإن تركيا وقطر تلتقيان في الكثير من المواقف والمبادئ والقرارات دولياً وإقليمياً. خصوصا ملفات غزة وسوريا ومصر وإيران وإسرائيل. وتتشابه وجهات النظر بينهما إلى حد بعيد في قضايا دولية أخرى. كما تتبع البلدان أنموذج الإدارة الأخلاقية الذي سبقت فيها تركيا منذ تسلم حزب العدالة والتنمية المحافظ الإسلامي التوجه إدارة البلاد قبل إحدى عشر عاماً. أما قطر فهي تغرد خارج سرب مجلس التعاون بمشهدين بازغين. الأول التداول والانتقال السلمي للسلطة. حيث نقل الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني السلطة لسمو الأمير الشيخ تميم في سابقة لم تشهدها مؤسسات الحكم في دول الخليج. والثاني مواقف قطر المساندة لثورات الربيع العربي والمستندة على العمق الديني والإنساني ووحدة المصير. قطر منذ مساندتها لحق الشعوب في التحرير اتخذت منحنى ذا سقف عالمي في الاستقلالية باتخاذ القرار ينسف النظرية البائدة القائلة بالقرار حسب حجم المساحة والتعداد السكاني. ووضعت القوة الاقتصادية وحقول النفط والقدرة على التنمية السياسية في كفة المفاوضات وفرض الرأي وانتزاع الاحترام الدولي. منهج غير متوافق مع مجلس التعاون. ولكنه منسجم مع تحولها وخط مسيرتها الجديد ومع طموحات شعوب الخليج. إذاً القمة الثنائية أمس بين قطبي دعم الحريات وحقوق الإنسان والثورات العربية في الإقليم (تركيا – قطر) تأتي فوق فرشة سياسية ودبلوماسية معبدة لشراكة اقتصادية أكبر وأكثر تأثيراً يتوقع منها انعكاسات سياسية واقتصادية على البلدين. ولكن الأهم أيضاً أن تشكل البلدين حلفاً عسكرياً يوازن كفتي القوة إقليمياً بعد خلع أميركا "البشت" الخليجي وارتمائها في "عباءة" إيران. واقتصادياً فحجم التبادل التجاري بين قطر وتركيا معول رئيسي في توطيد العلاقات بين البلدين وكان أردوغان قد صرح في زيارته السابقة لقطر في جلسة خاصة لمستثمرين "إن الزيارة إذا لم تحقق عقوداً واتفاقات بأكثر من ثلاثة مليارات دولار، تعتبر زيارة فاشلة"، فالإدارة التركية تشحذ مساعيها باتجاه تحقيق الترتيب العاشر بين مقاعد أقوى عشرين اقتصاد في العالم والذي تحتل الآن المركز السادس عشر فيه. وبهذه الزيارة للدوحة منتظَر طفرة في تعزيز الشراكة الاقتصادية بين البلدين. تسند الانسجام السياسي. وتكون باكورة حلف شامل يتضمن العسكري وسيغير المشهد في المنطقة. ونستذكر في هذا السياق إسهام الإصلاحات الهيكلية التي نفذتها حكومة أردوغان خلال عقد من الحكم والإدارة التي كرست اقتصادا قويا وقاعدة شعبية داعمة للقرار السياسي. في تحسين بيئة الاستثمار بغرض دعم جذب الاستثمارات الأجنبية. فارتفع متوسط الاستثمارات المباشرة من مليار دولار سنوياً في الفترة بين 1992 و2002، إلى 12 مليار سنوياً منذ 2003 وحتى 2012. بقفزة لافتة. وتضاعف الناتج المحلي الإجمالي ما يفوق عن ثلاثة أضعاف أثناء السنوات العشر الماضية، ليبلغ 786 مليار دولار في 2012. فاحتلت المركز الثالث عشر بين الدول الأكثر جذباً للاستثمارات الأجنبية المباشرة على مستوى العالم في العام ذاته، والتاسع بين الاقتصادات الناشئة. وتتمتع بنمو مضطرد في الناتج المحلي إجمالي بلغ %5 في عقد مضى، مع توقعات باستمراره في الفترة المقبلة. كان أحمد ديميروك السفير التركي في الدوحة صرح في منتصف نوفمبر الماضي. أن استثمارات الشركات التركية في قطر تبلغ 12 مليار دولار، وأن 56 شركة تركية تعمل في السوق القطري 30 منها تعمل في البنية التحتية. وأعلن عن نمو حجم التبادل التجاري بين تركيا وقطر %10 خلال الأشهر السبعة الأولى من العام 2013 عن الفترة ذاتها للعام الماضي حيث بلغ آنذاك 1.2 مليار دولار. أيضاً فتحت تركيا باب التملك للقطريين في يونيو 2012 فوجه رجال الأعمال القطريين نسب مؤثرة في استثماراتهم إلى القطاع العقاري التركي. كما تتميز تركيا بمناخ جاذب للاستثمارات المؤسسية والخاصة. لاستقرارها السياسي ونموها الاقتصادي وأسواقها المفتوحة والتشريعات الحمائية للمستثمر الأجنبي. وتمتلك مقومات القوة عالمياً: عدد السكان والامتداد الجغرافي الموارد الطبيعية الوضع الاقتصادي عالمياً استقرار النظام السياسي القوة العسكرية. ولبناء حلف فهي تمتلك أيضاً التوافق الديني مع دول الخليج. أخيراً نقول: إن الحلف القطري التركي قرار صحيح ضمن تحالفات العالم طبقاً لمصالحه ولكن مجلس التعاون يتهاون ويستهتر في أهمية اتخاذ هذه الخطوة وما زالت الإدارة التقليدية تسيطر على منهجية اتخاذ القرار فيه. قطر تسير في الاتجاه الصحيح في حلفها (السياسي الاقتصادي) مع تركيا. وتغريدها خارج السرب لن يكون نشازاً بل الأغلبية هي الناشز.