ولم ينج أي فرعون!

كان فرعون موسى مثلاً للطاغية المُتجبر، وكان قومه نموذجاً للأقوام التي خضعت باستسلام وتابعت الطاغية دون تردد، حتى وصل به الأمر إلى الاستعلاء وادعاء الألوهية «فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى»، والاستخفاف بعقول الناس جهلاً منه.. بإرادته المطلقة في مصائر الناس حوله! فكان عقاب الله له.. باقياً خالداً.. لأسلافه من «الفراعنة» الذين لم.. ولن يتعظوا..! ولو استعرضنا صفات «فرعون» الاستبدادية.. بالأمس واليوم وغداً لوجدناها تتكرر عبر التاريخ.. في الحُكم.. العمل.. البيت والأسرة.. وربما.. حتى في الغابة! لعل أولها وأهمها السُلطة: فالحاكم المستبد يستغل نظامه العسكري والاقتصادي والسياسي الموالي له لإضفاء الشرعية «القهرية» على قراراته وأفعاله.. والمسؤول المستبد يُسخر ما يريد من صلاحيات قانونية و»بطانة» طالحة و»فزعة» لتحقيق ما يريد.. والأب/الزوج/الأخ المستبد (والأم/الزوجة المستبدة!) يستغل صفته الذكورية وضخامة جسده ومكانته المعنوية وربما حاجتهم «لماله» في قهرهم! ثانياً: المال والجاه والمناصب: فمن صفات المستبدين المشتركة والموروثة عبر التاريخ.. قاعدة «من لا يصلح معه الترهيب بالسُلطة يسهل معه الترغيب بالمال والجاه والكراسي»! ولهذا يحرص المستبد، أياً كان موقعه من الأعراب حاكماً أو مسؤولاً أو رجلاً، على إمساك الثروة والجاه وتوزيع المناصب في يده على المتعطشين لها، وما أكثرهم.. لتكون وسيلة ضغط على من «يقاوم» استبداده.. ووسيلة لترغيب وشراء ذممهم تحت شعار «تعاون معي وسترتاح جداً». ثالثاً: الإعلام: وما أدراكم ما الإعلام! فالمستبد يعتمد بشكل رئيسي على «شلة وفزعة» من الإعلاميين المتخصصين في «التطبيل العالي.. والعالي جداً» لمداراة سقطات «المعزب طويل العمر» وتلميع وتسويق صورته.. وأفكاره.. وربما تحويل «استبداده» إلى انتصارات زائفة! ولهذا، فهؤلاء «الطبّالون».. عفواً.. حفنة الإعلاميين لفزعة المستبد يمكن تشبيههم بـ «سحرة فرعون» حيث تنحصر مهمتهم الرئيسية في سحر أعين الناس وتخدير وعيهم عن انحرافات واستبداد «طويل العمر»!. ونحن نستعرض صفات المستبد، ألم تلاحظوا معي ملاحظة! ألم تفكروا أن المستبد لم يصنع نفسه بنفسه.. بل صنعه الناس ومن حوله «بتطبيل من حوله ونفاقهم.. ووصوليتهم» وبصمت البقية.. وبضعفهم وانكماشهم.. وجهلهم! ولكل هذا.. علا صوت المستبد.. وزاد جبروته.. واستعلائه.. وطغيانه حتى ظنّ أنه «ربكم الأعلى»!. على مرّ التاريخ، لم ينج أي فرعون.. ولم يصل أي منهم لأي نهاية غير تلك التي اختارها جبّار السموات والأرض.. فقد انهار كل فرعون.. وما كيد فرعون إلا في تباب «فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ» [غافر: 45]. ولهذا كانت قاعدة تغيير المُنكر واجبة وفاعلة حسب مستويات القُدرة من اليد إلى اللسان إلى القلب، فما بالكم بمُنكر الاستبداد! إن الاستمرار في أي حُكم والبقاء في أي مقعد للسلطة لفترة طويلة هو أمر مُغر ومُغو لصاحبه ذي الفطرة السليمة الطاهرة.. فما بالكم بالمُستبد! آخر كلمة.. طغيان فرعون موسى لم يكن بارتكاب المعاصي.. بل بتجاوز الحدود والإفراط فيها! روي عن عبد الله بن عمرو أنه قال: «إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم: يا ظالم، فقد تودع منهم».