قروض الأبهة

انتشرت في العشر سنوات الماضية قروض «الأبهة»، أو قروض الفخامة والزهو.. فما هي هذه القروض؟ وما سر انتشارها؟. هي ليست قروض سكن ليستطيع من لا يملك منزلا أن يتملك واحدا بفضل الله، ثم بفضلها بعد عدة سنوات، وليست قروضا تُدفع في سيارة «على قدر الشخص الذي لا يحوز حقها، وليست قروضا لبدء مشروع لطالما حلم به المقترض، ولكنه لم يكن ذا مال وسلطة. قروض الأبهة هي القروض التي يحصل عليها المقترض من المقرض، أيا كان فردا أو شركة أو بنكا ليسافر بها هو وعائلته رغم أنهم يسكنون بيتا مستأجَرا، وعليهم مصروفات كثيرة.. هي القروض التي يحصل عليها المقترض ليشتري سيارة فارهة رغم أنه بلا حاجة لسيارة جديدة، أو يملك من المال ما يستطيع أن يشتري به سيارة أخرى أقل ثمنا، ولكنها بطبيعة الحال أقل وزنا عند الجماعة كما يعتقد في أكثر الأحيان، وكما يصدق في أحيان أخرى. قروض الأبهة هي القروض التي يحصل عليها الشخص ليبتاع كماليات الحياة من سفر وسيارات ولهو ولعب، بينما تنقصه ضرورات الأمان الوظيفي والاجتماعي والأكاديمي، فبدلا من أن يصرف على بيته ودراسته ووظيفته يصرف على زينة الحياة وبهجتها بتهور ومن دون تفكير مسبق في العواقب. قروض الأبهة، باختصار، هي القروض التي يأخذها ناسٌ من الناس ليعطوها لناس آخرين، ولكن ليس على سبيل الصدقة، فمن يقترض ليسافر إلى لندن أو باريس، وهو يملك ثمن تذاكر السفر والإقامة في دولة كالأردن أو مصر، يفعل ذلك من أجل الناس لا من أجل نفسه، مع كامل الاحترام والإعجاب بهاتين الدولتين الرائعتين. ومن يقترض ليشتري بنتلي بَدَل اللاند كروزر يفعل ذلك للناس لا نفسه؛ كي يقول الناس: فلان كاد يكون مواطنا من مواطني فرنسا بسبب كثرة سفراته لها، وفلان الثاني يقود بنتلي بيضاء ذات جلد أحمر قان! قرض الأبهة أقرب إلى أن يكون مرض الأبهة وظاهره التعالي والخيلاء، وأعراضه الجانبية لازمة للمقترض، فأحواله المالية لابد من تدهورها في وقت ما لتتأثر حالته النفسية والاجتماعية بعد ذلك، أما أسوأ الأعراض الجانبية فهي إدمان حالة الأبهة، والانتقال من أخذ قروض للسفر وابتياع السيارات إلى الاقتراض لشراء غير الضروريات من الساعات والأحذية والحقائب لكونها فقط من إحدى بيوت الأزياء والموضة العالمية، واعتماد الناس هذه الأيام على المظاهر والمباني لا يشفع للمرء في إدمان حالة الأبهة والتفاخر على حساب نفسه وعائلته حتى ينتهي به الحال إلى التفريط فيهما. قال الله تعالى في سورة البقرة: «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» هذا ما قاله الله تعالى، وذكر في سورة الحديد قائلًا: «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ» فلم يقل: من ذا الذي يقرض الناس، بل ذكر نفسه جل شأنه وقدره، فالناس سيذمون المقترض والمقرض، وإن كان مرادهما الحصول على القبول من الناس، فسيقول الآخرون: «زيد لم يَرَ العالَم، فلم يَرَ سوى باريس!»، و»عبيد سيارته أغلى وأحسن من بنتلي عمرو، ثم هل تعرف أنها ليست فول أوبشن؟». اعملوا وأقرضوا واقترضوا من أجل الله فقط، فهو العفُوّ الذي يعفيك من الفوائد، والكريم الذي لا يبخس الثناء على عباده المخلصين.